وكأنه لم يكف عرب اليوم ما يعانونه من مشكلات وأزمات تتقاذفهم تارة نحو اليمن وتارة أخري ناحية الشمال,حتي اشتعل صراع عربي- عربي علي الفوز برئاسة اليونسكو, صراع نتيجته مؤكدة وهي الخروج من هذه المعركة صفر اليدين, في ظل عدم الاتفاق علي اختيار مرشح واحد تتحلق حوله وتدفع به كل الدول العربية, فلدي مصر مرشح هي السفيرة مشيرة خطاب,وهناك مرشح قطري وآخر لبناني, إضافة إلي عدد آخر من المرشحين الذين ينتمون لمختلف دول العالم. وفي هذا السياق يشرح الباحث المصري أحمد عجاج عملية الانتخابات داخل منظمة اليونسكو والتي تجري علي مرحلتين: المرحلة الأولي ويتم فيها أولا إجراء مقابلات شخصية مع كل المرشحين لمنصب المدير العام, حيث يعرض كل مرشح برنامجه وتوجهه للنهوض بالمنظمة في حال فوزه بالانتخابات حيث يقدم عرضا شفويا مدته20 دقيقة يطرح عليه أعضاء المجلس التنفيذي6 أسئلة ويجيب عنها المرشح بإحدي اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية, ويكون زمن المقابلة لكل مرشح ساعة ويجب أن يجيب علي كل تساؤل في دقيقتين أي أن هذه المقابلة بمثابة الاختبار الشفوي الذي يؤهل المرشح لخوض الانتخابات. وأضاف, ثم بعد ذلك تجري الانتخابات بالاقتراع والتصويت السري طبقا لنظام الأغلبيية البسيطة علي مدار5 جولات,وإذا لم يحسم أحد المرشحين الأمر في الجولة الأولي بحصوله علي الأغلبية المطلوبة تعاد الانتخابات في الجولة الثانية,وهكذا الأمر في الجولات الثالثة والرابعة حتي الخامسة والأخيرة التي يقتصر فيها التنافس بين الاثنين الأعلي حصولا علي الأصوات في الجولات السابقة بصرف النظر عن نسبة الأغلبية البسيطة,وفي حالة حدوث التعادل يتم إجراء عملية القرعة بينهما لاختيار مدير عام المنظمة ثم يرفع المجلس التنفيذي توصيته إلي المؤتمر العام باعتماده كمدير عام جديد للمنظمة... أما المرحلة الثانية فيصوت المؤتمر العام علي مرشح المجلس التنفيذي وعادة ما يوافق المؤتمر علي توصية المجلس, حيث لم يسبق أن رفض المؤتمر العام توصية المجلس التنفيذي بشأن المدير العام الجديد. وأوضح أنه منذ تأسيس اليونسكو تناوب علي منصب مديرها العام تسع شخصيات وفقا لانتماء المرشح لإحدي القارات الخمس أو المجموعات الإقليمية بها وكان أول مدير عام للمنظمة البريطاني جوليان هكسلي(1946-1948), ثم المكسيكي خايمي توريس بوديت(1948-1952) ثم الأمريكيان جون. وتايلور عام1952 ولوثر إيفانز(1953-1958), والإيطالي فيتور ينوفيرونزي(1958-1961) والفرنسي رينيه ماهيو(1961-1974), والسنغالي أحمد مختار أمبو(1974-1987), والأسباني فيديريكو مايور(1987-1999), والياباني كويشيرو ماتسورا(20091999). وأخيرا أيرينا بوكوفا البلغارية. وأشار أحمد عجاج إلي أنه كان لدي أفريقيا في الدورة السابقة نحو13 صوتا والعرب7 أصوات بمجموع20 صوتا أي ما يعادل ثلثي عدد الأصوات المطلوبة للوصول إلي النصاب القانوني(50%+1) للفوز بالمنصب الدولي الرفيع الذي يتطلب حصول المرشح علي30 صوتا من إجمالي58 صوتا هي عدد أصوات الدول الأعضاء في المجلس التنفيذي. جدير بالذكر أن انتخابات عام1974 لليونسكو والتي فاز بها المرشح السنغالي الأفريقي أحمد مختار أمبو(19871974) لدورتين ممثلا عن القارة الأفريقية وهي المرة الوحيدة والأولي التي تولي فيها أفريقي منصب مدير عام اليونسكو. أما في انتخابات1999 فقد خاض سباق الترشيح لها اثنان من العرب هم الدكتور إسماعيل سراج الدين مرشحا عن إحدي الدول الأفريقية( بنين), ومن السعودية الدكتور محمد القصبي مرشحا عن بلاده السعودية, وقد فاز في هذه الدورة الياباني' كويشيرو ماتسورا' لدورتين(20091999). وأكد أن أهمية انتخابات اليونسكو القادمة تعود للتوجه العام داخل المنظمة بإعطاء الفرصة لمرشح من المنطقة العربية والتي لم تتول من قبل إدارة اليونسكو, ولما كانت الدول العربية غير متوحدة حول مرشح واحد, الأمر الذي سيؤدي إلي احتدام الصراع للفوز بالمنصب الدولي الرفيع, وبالتالي تضاؤل فرصهم بالفوز به. مصر وانتخابات2009 ورصد عجاج الفترة التي سبقت انتخابات العام2009 قائلا لقد شهدت بعض التجاوزات خاصة من قبل إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا واليابان تمثلت في الهجوم علي شخص المرشح المصري وانتقاده بشكل سافر واتهامه بمعاداة السامية ورفض التطبيع والتشكيك في قدراته الإدارية للمنظمة والنهوض بها, خاصة أنه كان الأوفر حظا والأقوي مقارنة بمنافسيه الثمانية, كما كرست إسرائيل جهودها الخارجية وشنت حملة هجومية لتشويه صورة المرشح المصري أمام العالم مستغلة تصريحاته أمام البرلمان المصري عام2008, في الرد علي نائب أصولي بحرق الكتب اليهودية في المكتبات المصرية ووصفه بالتعصب ومعاداة السامية, علاوة علي رفضه التطبيع الثقافي طول فترة ولايته22 عاما لوزارة الثقافة المصرية, الأمر الذي قابله المرشح المصري بالاعتذار عبر رسالة نشرت في جريدة الليموند الفرنسية والذي وصفه معارضوه بأنه جاء متأخرا, مما أدي إلي هجوم داخلي عليه واتهامه من قبل معارضيه داخل بلاده بتقديم تنازلات لإسرائيل والمنظمات اليهودية لتغض بصرها عن موقفها الرافض لترشيحه. ويخلص أحمد عجاج إلي أن هناك بعض الملاحظات بشأن انتخابات اليونسكو لعام2009 يمكن حصر أهمها فيما يلي: 1- أسفرت الانتخابات عن مدي استمرار هيمنة الولاياتالمتحدةالامريكية علي مجريات الأمور في منظمة الأممالمتحدة وأجهزتها عموما, ومنها اليونسكو, بما لا يتعارض مع مصالحها العليا. حيث قادت حملة هجومية عن طريق سفيرها الدائم لدي اليونسكو للحيلولة دون فوز المرشح المصري إرضاء لإسرائيل واللوبي اليهودي بواشنطن جراء تصريحاته التي وصفت بمعاداة السامية وتعليق مسألة التطبيع الثقافي وانتقادات تتعلق بشخصه وقدراته الإدارية, الأمر الذي وصفه المرشح المصري بعد الجولة الأخيرة بتسييس المنظمة. 2- أظهرت مدي توحد الدول العربية والإسلامية في سابقة لم تحدث منذ سنوات طويلة( أكتوبر1973) أمام انقسام حقيقي في دول الاتحاد الأوروبي التي دخلت الانتخابات في بادئ الأمر دون تنسيق أو قاسم مشترك بينها حتي الجولة الثالثة حيث توحد الاتحاد الأوروبي حول المرشحة البلغارية إثر اجتماع طارئ لمجموعة الدول الأوروبية قرر انسحاب النمساوية بينيتافيريرو( التي كان يتوقع اقتصار المعركة بينها وبين المرشح المصري) ومن قبلها الليتوانية أنا مارشيوليونيته ذلك مع انسحاب باقي المرشحين الروسي والتنزاني والأكوادورية وانحصار الأصوات بين المرشح المصري والبلغارية. 3- أبرزت مدي الاختلاف والانشقاق بين الدول الأفريقية منذ البداية حيث قدمت ثلاثة مرشحين في حين تملك13 صوتا ذهبت منها4 أصوات للمرشح المصري في بداية الانتخابات وتخلت عنه دولتان في الجولة الأخيرة,الأمر الذي تسبب في سقوطه. 4- شهدت اتهامات بتقديم رشي, الأمر الذي نفاه المتحدث الرسمي لليونسكو وتوزيع منشورات مجهولة تحمل التهديد الأمريكي بالانسحاب في حال فوز المرشح المصري. 5- رغم وجود التربيطات والتكتلات الدولية قبل وأثناء عملية الانتخاب إلا أن عملية التصويت والاقتراع السري قد تمت بشفافية ونزاهة ودون أية تجاوزات تذكر. واختتم أحمد عجاج حديثه ل الأهرام المسائي قائلا: يخطئ من يفصل بين السياسة والثقافة في المحافل الدولية, وكذلك يخطئ من يتصور انتخابات ما نزيهة تماما حتي ولو كانت انتخابات اليونسكو, فالمعارك الانتخابية هي المعارك الانتخابية وإن اختلفت المواقع. مشيرا إلي أن الأصوات التي حصلت عليها مصر في الجولة الأخيرة والحاسمة هي مدي ثقل مصر الدولي, كما تبين تراجعا حادا للدور المصري في أفريقيا والذي أعطي الفرصة لدول أخري, وصعود الدور الصهيوني علي حسابه مما سيؤدي إلي إعادة النظر المصري تجاه أفريقيا, مؤكدا أن هناك ظروفا إقليمية وعالمية وتوازنات قوي سياسية ومصالح دولية أدت إلي سقوط فاروق حسني المرشح المصري العربي الأفريقي أمام مرشحة الاتحاد الأوروبي والغرب.