قدر مصر أن تكون الشقيقة العربية الكبري. ولأن دورها في رأب الصدوع العربية لا يمكن الاستغناء عنه لكل شقيقاتها, حضر المسئولون الليبيون إليها من كل الأطياف السياسية لإجراء حوار توافقي فيما بينهم برعاية مصرية لحلحلة أزمتهم والاتفاق علي ما لم تمكنهم ظروفهم من الاتفاق عليه فيما بينهم. أغلب أعضاء مجلس النواب الليبي حضروا إلي القاهرة للبحث عن هذه الصيغة التوافقية, واستقبلهم المسئولون بكل ترحيب وتفهم واستعداد للمساهمة في الحل, من بين أعضاء الوفد البرلماني الليبي كان للأهرام المسائي فرصة لقراءة أفكار أحد النواب الليبيين وهو الدكتور أبو صلاح شلبي نائب رئيس البرلمان العربي. وكان هذا الحوار. ماذا وراء رفض مجلس النواب الليبي منح ثقته لحكومة السراج؟ المتابع للشأن الليبي يعلم جيدا أن المجلس وافق بتاريخ25 يناير الماضي علي الاتفاق السياسي الذي عقد في الصخيرات وعلي التشكيل الوزاري الذي طرحه المجلس الرئاسي والذي ضم32 وزيرا, وتم المصادقة علي الاتفاق من جانبه, ثم قام المجلس الرئاسي بتشكيل حكومة أخري مصغرة مكونة من13 وزيرا لعرضها علي مجلس النواب, وهي الحكومة التي لم تمنح الثقة, وطالب مجلس النواب المجلس الرئاسي بعرض تشكيلة جديدة, وأعطاه مهلة10 أيام لكي يوافي البرلمان بالتشكيلة الجديدة, رحب المجلس الرئاسي بهذه الخطوة, ووعد بإجراء مشاورات من أجل تشكيل حكومة توافقية تتوافق عليها كل الأطراف السياسية الليبية الفاعلة من أجل الوصول إلي حكومة تجمع عليها كل أطياف الشعب الليبي. والمشاورات جارية حاليا, ونحن الآن في مصر من أجل الحصول علي دعم الأشقاء من أجل التأثير علي كل الأطراف الليبية سواء كانت في المجلس الرئاسي أو في البرلمان للعلاقة الوطيدة التي تربط مصر بالجميع. فمصر هي حلقة الوصل لتسهيل وصول الليبيين إلي التوافق المنشود من أجل تشكيل حكومة تتوافق عليها جميع الأطراف, وكذلك لأنها قادرة علي توحيد الجهود للحرب علي الإرهاب, ومعالجة الاختناقات الاقتصادية التي يعاني منها المواطن الليبي ورفع المعاناة عنه. لماذا اعترض البرلمان علي حكومة السراج ..وهل اعتراضه علي رئيس الحكومة أم علي تشكيلها كله أم علي بعض الوزراء فيها؟ بعض الأعضاء اعترضوا علي عدم تمثيل الدائرة أو المنطقة التي يمثلونها أو القبيلة التي ينتمون إليها, كتلة كبيرة من النواب والتي تتكون من102 نائب والتي اجتمعت في أبريل الماضي منعت من تمرير الحكومة, وصار هناك انسداد سياسي بين الأطراف, إلي حين عقد مجلس النواب جلسته الأخيرة والتي لم يكن في جدول أعمالها مناقشة بند الحكومة, لأننا في الفترة الأخيرة لم نكن نريد الاقتراب منه لأنه سبب توتر وانقسام داخل المجلس, وكان المفترض أن نناقش قضية اللائحة الداخلية ومشروع الدستور, وتفاجأنا خلال الجلسة برئيس البرلمان عقيلة صالح يعرض طرح الحكومة للثقة, في الوقت الذي خالف فيه هو اللوائح الداخلية للمجلس وخالف جدول الأعمال المتفق عليه, إلا أن ما حصل قد حصل وعلينا أن نتعامل معه كأمر واقع, وربما يسهم هذا في محاولة جادة من أجل التوصل إلي حكومة توافقية ترضي باقي الأطراف كلها. هل يفهم من هذا أن مجلس النواب الليبي علي قلب رجل واحد أم أن هناك اختلافات بين أعضائه؟ ليس هناك برلمان في أي دولة يتبني أعضاؤه نفس التوجهات ونفس الأفكار, طبيعة المجالس النيابية تستوعب آراء يخالف بعضها بعضا, فهناك رأي وهناك رأي مخالف, هناك مصالح حزبية ومصالح قبلية ومصالح مناطقية, وأنا لا أري أن هذا يتعارض مع طبيعة العمل الديمقراطي. وعلي المجلس الرئاسي أن يناقش الجميع وفق معايير محددة لتشكيل حكومة توافق وطني. نحن الآن نحتاج إلي حكومة توافق, والتوافق يعني تجميع كل الأطياف المختلفة من أجل هدف واحد هو توحيد الدولة ككيان سياسي. وأهم شئ بالنسبة لي شخصيا أن تجمع الحكومة أكبر قدر من الليبيين, وأعتقد أن كل مناطق ليبيا بها من الكفاءات من يصلح لتقلد مناصب وزارية, وبالتالي هذا لا يمنعنا من التواصل مع كل الأطراف الممثلة في مجلس النواب وغيره من أجل تشكيل حكومة يشارك فيها كل الليبيين في هذه المرحلة الحرجة, وتكون قادرة علي توحيد كل المؤسسات الليبية وتوحد الرأي السياسي. والعمل الاقتصادي حتي نتمكن من تجاوز الاختناق الذي نمر به في هذه المرحلة. ليبيا الآن حقيقة في أزمة, وصارت مصدر قلق للكثير من جيرانها في مصر والجزائر وتونس, بل أصبحت مصدر قلق لأوروبا. فغياب الدولة فتح المجال لانتشار المجموعات الإرهابية والإجرامية في كثير من المناطق داخل ليبيا, وخارجها, والدليل علي ذلك الهجرة غير الشرعية التي تتم انطلاقا من الشواطئ الليبية إلي جنوب أوروبا, هذه الملفات كلها سببها عدم وجود حكومة موحدة, ولهذا سعينا في الاتجاه السياسي وخرجنا باتفاق الصخيرات الذي كنا نهدف من ورائه إلي تجميع كل المؤسسات حتي نتمكن من بناء الدولة التي تحظي بالاحترام من جانب باقي الدول ونتمكن من حل المشكلات. تحدثنا عن مجلس النواب والمجلس الرئاسي والحكومة ومحاولات التقريب بين وجهات نظر الأطراف السياسية الفاعلة في ليبيا.. أو ما يمكن تسميته بالمسار السياسي..ماذا عن المسار العسكري؟ نحن ك ليبيين ومعنا شركاؤنا الدوليون وأصدقاؤنا وأشقاؤنا متفقون علي أن هدفنا جميعا هو محاربة الإرهاب المتمثل في داعش وأخواته, وهو الهدف الذي يوحدنا جميعا, ونحن الآن نبحث عن آليات توفر لنا مؤسسة عسكرية موحدة تقود هذا الصراع العسكري ضد ما يسمي الدولة الإسلامية أو داعش, وأعتقد أننا حققنا فيها علي المستوي الفردي إنجازات ملموسة, فالجيش الوطني الليبي بقيادة الفريق خليفة حفتر حقق نجاحات كبيرة في المنطقة الشرقية وقضي تقريبا علي تلك البؤر الإرهابية ولم يبق منها سوي جيوب بسيطة يتعامل معها الجيش بشكل جدي. كما أن الحرب في بنغازي علي وشك الانتهاء, أيضا هناك حرب أخري في سرت قطعت فيها قوات حكومة التوافق الوطني شوطا كبيرا, ومدينة سرت الآن علي وشك التحرر من داعش, إلا أن الحرب مع الإرهاب تعد حربا طويلة, لأنك تحارب إرهابيين من جنسيات مختلفة, إلا أننا نحظي بتأييد من أشقائنا ومن المجتمع الدولي والمنظمات الأممية. ونحن نطمح أن تكون المؤسسة العسكرية بعيدة عن الأهداف السياسية, وأن يتم إعادة بنائها وفقا لعقيدة عسكرية هدفها الأول حماية الوطن والانتماء له, وأن تكون بعيدة كل البعد عن قضية انتقال السلطة التي يجب أن تتم بشكل سلمي. وهذا الذي نسعي إليه من أجل خلق دولة مدنية حقيقية فيها فصل بين السلطات( القضائية والسياسية) وأن تكون المؤسسة العسكرية بعيدة تماما عن مسألة تداول وتبادل السلطة والصراعات السياسية بين الأطراف السياسية الفاعلة. ما هو دور المبعوث الأممي مارتن كوبلر فيما يدور من صراعات في ليبيا؟ هل يعمل في نفس الاتجاه التوافقي الذي تسعون إليه, أم يعمل في اتجاه آخر وينفذ أجندة مختلفة؟ منذ بداية الأزمة الليبية والأممالمتحدة تحاول الوصول إلي حلول للأوضاع المتأزمة في البلاد, وقد لعبت دورا مهما وساعدت في التوصل إلي اتفاق الصخيرات, والذي يعده المجتمع الدولي وكثير من الليبيين واحدا من أفضل الحلول الممكنة في الوقت الحالي. الذي ربما يسهم في توحيد الحكومات والمؤسسات( العسكرية والاقتصادية والاستثمارية) في ليبيا, الأممالمتحدة بذلت جهدا كبيرا من خلال3 أو4 مبعوثين آخرهم كوبلر فيما يتعلق بالشأن الليبي بصراحة علي مدي العام ونصف العام, منذ بداية الحوار الليبي في الصخيرات. هناك أصوات ليبية تشكك في نوايا وجهود كوبلر, وتؤكد أنه يعمل علي تنفيذ أجندة بعيدة عن المصالح الليبية..ما تقييمك لهذه الآراء؟ هذه آراؤهم, ولكن إذا نظرنا إلي الأمر من زاوية أخري. فنحن الليبيين إذا قررنا أن نجلس معا ونتحدث بشكل جدي ونقدر مصلحة الوطن, كان بإمكاننا أن نمنع هذه التدخلات الأممية وغيرها, فالمجتمع الدولي اضطر للتدخل في الشأن الليبي لوجود مشكلة, ولو جلس الليبيون معا لمناقشة أوضاعهم معا بشكل أخلاقي يتفق ومصلحة الوطن لاختفت أي فرصة للتدخل الدولي. أما عن دور كوبلر وما سمعته من عن سعيه لتقسيم ليبيا, فهذا الأمر في يد الليبيين أنفسهم, إذا اتفقوا علي التسوية فلن تجد محلا من الإعراب لكوبلر ولا غيره, ولا لأي دولة غربية لها مطامع خاصة في بلادنا. المعروف أن الدول الغربية هي التي تغذي الصراعات الداخلية في ليبيا, وهي تنظر إلينا بعين المصلحة, وما يمكن لها أن تحققه من مصالح علي حسابنا, فإذا جلسنا معا وأعلينا من شأن المصلحة العليا للوطن, وسمونا فوق مطامحنا الشخصية, نكون قد عرفنا كيف تبني الأوطان ولكن أن نفتعل مشكلة ونطلب من المجتمع الدولي التدخل لحلها, ثم نتهمه بمحاولة تفكيك بلادنا, فهذا خطؤنا وحدنا, وفي رأيي أن المشكلة الليبية تخص الليبيين وحدهم بشكل خاص, وتخص المجتمع العربي بشكل عام, بعض الأطراف شككت في دور مصر, وادعت أنها تدعم طرفا دون الطرف الآخر, هذا عكس الحقيقة, فمصر كدولة تحترم نفسها ومكانتها في المجتمع الدولي اختارت التعامل مع الجهات الشرعية, ولا ترتضي أن تتعامل مع طرف غير شرعي. والليبيون هم من اختاروا قياداتهم وممثليهم وحكومتهم وبرلمانهم. تعني أن الليبيين مسئولون عن أنفسهم وعن السماح لأي طرف دولي فاعل بالتدخل أو التوسط في شئونهم؟ لقد جئنا لمصر بمحض إرادتنا, جئنا إليها كشقيقة كبري يعتمد عليها, لقناعتنا بأن أمن ليبيا هو جزء مهم من أمن مصر القومي. ونعرف أن هناك قواسم مشتركة بين المصريين والليبيين, لعلاقات المصاهرة والتجارة, إضافة للحدود والتاريخ والدين, لذا نحن نثق فيها تماما وفي حيادها, ولانشك في دوافعها تجاهنا, ولا نعتقد أنها تنفذ أجندة خاصة في بلادنا, فمصر لمن يقرأ التاريخ أسهمت بدور كبير في استقلال ليبيا, وفي تكوين الجيش الليبي من أيام السنوسي. وكل القيادات الليبية تعلمت فيها, مصر لها من القدرات ما يؤهلها لأن تكون اللاعب الحقيقي الوحيد القادر علي حلحلة الأزمة الليبية, والدليل أن الوفد البرلماني الليبي الموجود في مصر حاليا يشكل كل الأطياف الليبية, ويعبر عن كل المناطق, وهذا ما دفعنا إلي اللجوء إليها لمساعدتنا علي حل مشاكلنا والتقريب بين الفرقاء الليبيين. وقد وجدنا لدي المسئولين في مصر استجابة كبيرة ووجدنا الصدر الرحب والتفهم, وجدنا من يحمل هم ليبيا بلا مزايدات. بدأنا بالفعل العمل علي هذه المسارات بالتنسيق مع السلطات المصرية علي كافة المستويات الرئاسية والبرلمانية والخارجية والدفاع, كما اجتمعنا مع إخوتنا في جامعة الدول العربية, ووجدنا الجميع مهمومين بالشأن الليبي. ويسعون لحله. المسئولون في مصر مشغولون بالشأن الليبي بصورة لا تقل عن انشغالهم بالشأن المصري. وهذا ما شجعنا علي مواصلة الحوار أن نجد شريكا حقيقيا في الأزمة. أضاف الدكتور أبو صلاح شلبي أن مصر وجهت رسالة للعالم مرتين الأولي في25 يناير2011, والثانية في30 يونيو2013, أن هذه مصر, الوطنية, وأم العروبة, وهذا ما يفسر التفاف الشعوب العربية حولها, هناك صحوة عربية بدأت من مصر, ورغم انشغالها بشأنها الداخلي إلا أنها عادت بقوة إلي المشهد الدولي والأفريقي والآسيوي. جولتنا في الحوار ستؤتي ثمارها قريبا جدا, ولكننا في حاجة إلي وقت طويل لترميم الاقتصاد, ولإعادة بناء ما تهدم علي كل المستويات. تحقيق الأمن في ليبيا سوف يسهم في توفير الكثير من فرص العمل لأشقائنا المصريين, نحتاج إلي إعادة بناء البنية الأساسية وإلي النهوض بالاقتصاد, وأتصور أن لديكم في مصر الكثير والكثير من القدرات والطاقات الفنية والعمالة القادرة علي دعمنا لتنفيذ خططنا المستقبلية. المصير الليبي المصري مصير أبدي. والأزمات التي مر بها الشعبان المصري والليبي قربت بينهما أكثر من ذي قبل.