كما كنا وسنظل بإذن الله دائما وأبدا أصحاب ريادة واختلاف وتفرد, وهذا ليس عيبا ولا حراما; فسنة الله في الأرض هي الاختلاف, نحن مختلفون بالفطرة; فقد خلقنا الله عز وجل شعوبا وقبائل وأمما لنتعارف ونتعامل علي ما نحن عليه من اختلاف, ويفيد بعضنا بعضا, ويقبل بعضنا الآخر. كما أنزل الله سبحانه رسالاته علي رسله وأنبيائه سلام الله عليهم جميعا, وأجمعت تلك الرسالات علي نفس القيم والأخلاق التي ما إن اتبعها الإنسان وأحياها عاش سعيدا هانئا برضا من الله, فكيف لنا كبشر أن نرفض هذا الاختلاف, بل ونولد منه الخلافات; لنبرر سوء أخلاقنا وقبيح صنيعنا وجليل بعدنا عما أرساه داخلنا ديننا مهما اختلف, فكل ما أمر الله به في أي دين جميل وطيب يدعو للخير ويبث في النفس الراحة والطمأنينة ولكننا نستخدم ديننا بئس الاستخدام لنبرر شرورنا وشططنا وعصياننا لأوامر الله وتعاليم رسله, فسمينا تعصبنا الأعمي دفاعا عن الدين, وسمينا سطحية فكرنا وعقم أفكارنا فتنة طائفية, وما هي بفتنة وإن كانت; فليست بطائفية. طالعنا الإعلام مؤخرا بعدد من الأخبار والمتابعات والتقارير المكتوبة والمصورة عما سموه باندلاع الفتنة الطائفية بشكل متكرر في إحدي محافظات الصعيد وهي محافظة المنيا علي وجه التحديد مطالبين بإقالة المحافظ ومدير الأمن, وأنا هنا لا أدافع عن أحد; فمن أخطأ او قصر في آداء مهام عمله لابد أن يحاسب إذا ما ثبت هذا التقصير, ولكن هل ستنتهي مشكلة الفتنة الطائفية وتختفي من ربوع الوطن بإقالة عشرات المحافظين ومدراء الأمن..إن كان هذا هو الحل, فأنا أطالب بإلغاء هذين المنصبين فورا ودون رجعة; ولكنه ليس بحل والكل يعلم, إنها مجرد مسكنات لا ضرر منها ولا منفعة. الفتنة منا وفينا, ولو لم يكن للمصريين تصنيف أجوف ما بين مسلم ومسيحي, كنا سنخترع العديد من التصنيفات الأخري التي علي أساسها يمكننا تعليق جم أخطائنا علي شماعة الاختلاف والخلاف والدفاع عن أية أفكار وقناعات حتي لو كان الخلاف بيننا في طريقة عمل الملوخية.. فليكن ذلك ولندق طبول الحرب ولنعلن اندلاع فتنة الملوخية. للأسي وللأسف الشديد إن ثقافتنا تحمل في جوفها بذور التعصب في أبهي صوره وجل معانيه, فنحن متعصبون لأفكارنا وقناعاتنا, فإن لم تكن تلك الأفكار والقناعات دينية فلتكن سياسية أو فلسفية أو قبلية أو عرقية; نحن نعشق الخلاف ونذكي التهور ولا نعرف معنا للاختلاف ولا نجيد الاحتواء. ولا ننسي هنا دور الإعلام.. أيها الإعلاميون الأجلاء أرجوكم لا تستخدموا مصطلح الفتنة الطائفية مبررين همجية البعض وجهلهم من جانب, ومبررين لدوركم في إثارة تلك الفتنة وتأجيجها من جانب آخر. فتنتنا ليست طائفية; فتنتنا ثقافية وتثقيفية, والثقافة هنا ليست ثقافة القراءة والاطلاع, إنها الثقافة البشرية التي تتوارثها الأجيال, تلك الثقافة المكتسبة بالممارسة والتقليد, التي تنتقل من الأهل إلي الأبناء دون عناء أو مجهود, فتنتج لنا صورا مكررة لنماذج انسانية إما سوية وإما مشوهة تحمل ما تحمل من قيم ومبادئ ندعو الله من صميم قلوبنا أن نكون من الأنقياء الأسوياء في القول والعمل, وأن يقينا بفضله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. أيها المصريون الفاتنون والمفتونون لا تسبوا الدين بسوء أخلاقكم ولا تتسببوا في المزيد من الانهيار للأمة فطالما بقيت أخلاقكم بقيت أمتكم علي رؤوس الأمم والأشهاد جوهرة تاجهم, وطالما تلاشت أخلاقكم ستتلاشي وتذهب أمتكم, كما قالها أمير الشعراء منذ زمن بعيد إنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا فلا تذهبوا.. ابقوا دائما.. مسلم ومسيحي عونا وأمانا وحصنا حصينا لمصرنا الحبيبة.