أنا رجل تجاوزت الخمسين بسنوات قليلة وأشغل مركزا مرموقا, أثناء دراستي الجامعية تعلق قلبي بزميلة بادلتني المشاعر لسنوات طويلة بعد التخرج, لكننا مثل كثيرين من شباب ذلك الوقت لم نستطع إتمام قصة حبنا بالزواج وافترقنا لأسباب مادية, وأغلقت قلبي ولم أستطع تجاوز التجربة إلا بعد مرور سنوات طويلة عندما تعلقت مرة أخري بإحدي زميلات العمل. لم يكن الحب هذه المرة عنيفا مثل سابقه لكنه كان عاقلا وهادئا يناسب سنوات عمري التي كانت قد تجاوزت الأربعين في ذلك الوقت, وبعد أن تأكدت أن هذه هي المرأة التي أستطيع إكمال حياتي معها بدأنا في إعداد عش الزوجية, وعندما قاربنا علي الانتهاء منه نشبت بعض المشكلات التي بدأت صغيرة لكنها تفاقمت وتدخل إخوتها بشكل غير لائق, فتركت الجمل بما حمل قبل الزفاف الموعود بأيام قليلة, وحمدت الله علي أن كشف لي عنادها وعصبيتها قبل أن أتورط في الزواج وأغلقت قلبي للمرة الثانية. والآن بعد أن تجاوزت الخمسين أصبح طبيعيا أن تكون كل المرشحات للزواج مني قد تجاوزن سن الإنجاب, فهل تري يا سيدي أنه قد آن الأوان لأن أتخلي عن حلم الأبوة, أم أقبل بالزواج من فتاة تصغرني بعشرين عاما قبلت بالزواج مني ويعتبرها الأهل الفرصة الأخيرة؟ سيدي قصتك هذه تتطابق تماما مع قصة الحكيم والشمعات الخمس الذي كان يعيش في غرفة بها خمس شمعات مضيئة, لكن كانت حياته بائسة مليئة بالأحداث, وكلما دخل غرفته ليستريح فيها من هذا البؤس كانت تأتي الأحداث عكس توقعاته ومع كل حدث مخيب يجد شمعة مطفأة حتي انطفأت الشمعات الأربع الأولي: شمعة الحب- تلتها شمعة الإيمان- ثم شمعة الأمانة- ثم شمعة الصدق, وتبقت واحدة. سيدي إن فشل قصة حبك الأولي وإغلاق قلبك أمام أي محاولة لبدء قصة جديدة وعزوفك عن الزواج لسنوات عديدة متجاهلا مشاعرك وأهميتها لحياتك محاولا نسيان حبك القديم, أدي إلي جفاف المشاعر وموت القلب, وكأنك أطفأت شمعة الحب بداخلك( الشمعه الأولي). وأثناء عدم استطاعتك تجاوز التجربة وترك نفسك فريسة لهمومك ومعاناتك تكون كالذي فقد إيمانه في الحياة مرة أخري, وفقد إيمانه بأنه قد يرزق بأفضل منها, وكأنك أطفأت شمعة الإيمان بداخلك( الشمعة الثانية). وفي فترة محاولة ارتباطك مع زميلتك بالرغم من تأكدك أنه ليس حبا حقيقيا وأنه مجرد ارتباط عقل فقط, وإيهام نفسك بأنك كبرت ولابد أن تختار من هي مناسبة لسنوات عمرك, خنت نفسك وخنت أمانة الحياة التي من متطلباتها أن نعيش سعداء في سلام, فارتكبت خطأ فادحا في حق نفسك, وكأنك أطفأت شمعة الأمانة( الشمعة الثالثة). والآن في محاولتك مجددا أن تضحك علي نفسك بأنه لا يجوز ولا يصح أن تتزوج ممن تصغرك بعشرين عاما, بغض النظر إن كان هذا سيسعدك أم لا فتحكم علي نفسك بحتمية الزواج ممن تعلم جيدا أنها لن تنجب لك ولن تحقق حلمك في الأبوة وتفكر بالارتباط بمن هي في مثل سنك, وتكون قد جنيت علي نفسك كعادتك بالبؤس الأبدي تكون قد أطفأت الشمعة الرابعة... شمعة الصدق. سيدي مازال أمامك شمعة مضيئة واحدة فلا تضيعها وبها تستطيع أن تضيء الشمعات الأربع التي انطفأت وتستعيد حياتك مرة أخري مثلما فعل الحكيم... ألا وهي شمعة الأمل... الأمل في أن تحب مرة ثالثة هذه الفتاة التي تصغرك فتكون لك بمثابة الجائزة التي يعوضك بها الله عن تعبك وصبرك طوال هذه السنوات, وتكون الأم للذرية الصالحة التي طالما حلمت بها والشريك الوفي الذي يؤنس وحدتك وتكون لك السكن في الدنيا. فعلي بركة الله يا سيدي قم بعمل استخارة لتلك الفتاة ولا تخف من فارق السن.. وكن لها بمثابة المعلم والقدوة والأب الحنون الذي يرعي ويحتوي, ولن يمثل فارق السن عائقا طالما وجد الحوار الدائم والإنصات الجيد.