مرت الأيام كلمح البصر, جئت ورحلت يا رمضان ولم نشبع منك, جئت ورحلت وتركتنا نلتاع شوقا للقائك القادم داعين الله العلي القدير أن يبلغنا وصالك أعواما عديدة وأزمنة مديدة لا فاقدين ولا مفقودين. ولكن ما افتقدناه حقا في شهرنا الفضيل هذا العام, وأخشي ما أخشاه أن نفقد المزيد منه في الأعوام القادمة إذا قدر الله لنا البقاء في دار الفناء أكثر من ذلك..هو الأخلاق والفضيلة. نعم يا سادة..فرمضان تلو الآخر تنحدر الأخلاق وتتلاشي الفضيلة في ربط غير منطقي. وتلازم غير مقنع بين ما يجب أن تزرعه فينا تلك الأيام المباركة المعدودة كما وصفها المولي عز وجل في كتابه العزيز, والتي تهل علينا محملة بنفحات من الإيمان والتقوي وصفاء النفس ونقاء السريرة, وأولي درجات التقوي أن يتقي الإنسان ربه فيما يقوم به من عمل وفيما يقدمه من رسالة في سبيل خدمة الوطن, وفي سبيل الارتقاء بأبناء هذا الوطن, فكل منا في مجال عمله مسئول ومساءل, فإلي جانب الأجر الدنيوي من حوافز مادية وعينية; فهناك الأهم وهو أجر الآخرة, ولأجر الآخرة خير وأبقي. فكل منا محاسب, وكل نفس بما كسبت رهينة. وهنا أتوجه بسؤالي إلي المنظومة الإعلامية في وطننا الحبيب..ما هذا الكم من الإسفاف والابتذال؟..ما هذا الكم من التدني والانحطاط الذي اكتظت به الأعمال المخصصة للعرض في الشهر الكريم؟..وما الداعي بالأساس لعملقة الانتاج الإعلاني والدرامي وربطه بالعرض في أيام وليالي رمضان القليلة؟..ألا تكفيكم أيام وليالي السنة جميعها لإتمام تلك المهام العظيمة.. وأخص بالذكر هنا ما جادت به علينا الفواصل الإعلانية بما حوته من مساخر ومهازل أخلاقية لا حصر لها مع تعدد الشركات المعلنة والشركات المنفذة لهذه الإعلانات والتي امتلأت بالإيحاءات الجنسية المقززة بشكل فاق كل خيال, وأقحمت عنصر الطفولة ضمن هذه المهزلة الأخلاقية دون ضمير إنساني أو وازع ديني يحترم قدسية الشهر الفضيل. وكذا ما جاء ضمن الفواصل الدرامية التي كانت تطل علينا بين فقرة إعلانية وأخري. وما تضمنته من استعراض للمزيد من التدني القيمي والأخلاقي. فقد احتوت دراما رمضان كما يحلو للبعض تسميتها علي الكثير من المشاهد الرخيصة من عري وتعاطي للمخدرات وتناول للخمور, بل والعديد من الرقصات والاستعراضات العارية والتي تم اقحام معظمها في النص الدرامي دون داع ودون توظيف حقيقي. ولم يخلو الأمر من بعض المشاهد الخارجة والإيحاءات البذيئة قولا وفعلا مما يروج ويمهد لقبول المحاذير ونشر الأفكار المسمومة بتمجيد الصعاليك وعملقة رموز الشر والفساد. إن رمضان للعبادة وليس للإعلانات والدراما; هذه هي الحقيقة الدامغة. إلا أننا كبشر مختلفون, وليس هناك من يستطيع فرض نفس الرؤية علي الجميع; فهناك من يقتنص الفرصة للعبادة والتقرب إلي الله فينقطع تماما عن مشاهدة التليفزيون, وهناك من يتابع عن كثب, وهناك من يتابع من وقت لآخر, وهناك أطفال صغار في مراحل عمرية مختلفة لا يملكون القدرة علي التمييز والانتقاء فيصبحون فريسة سهلة لبرامج رمضان وإعلاناته ومسلسلاته.. أي نعم إنها مسئولية الأسرة أولا وأخيرا, إلا أن الجهاز الإعلامي بقنواته ومحطاته وشبكاته يتحمل أيضا جزء كبير من تلك المسئولية فلا تضعوا أمام المتفرج كبيرا كان أو صغيرا كل هذا الكم من المغريات والموبقات ثم تتساءلون في برامجكم السياسية والاجتماعية والدينية عما أوصل المجتمع إلي هذا الحد من التدني الأخلاقي. فهذا من صنيعكم وهذه بضاعتكم; فأنتم من بدأتم, والبادي أظلم.