كان فجر يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر يونيو الماضي, بمثابة تسونامي سياسي/ اقتصادي/ أوروبي هز أركان العالم السياسية وأفقه الإستراتيجية, فقد زلزل رفض أغلبية البريطانيين للبقاء في الاتحاد الأوروبي كيان أضخم اتحاد اقتصادي ونقدي في التاريخ. وطرح هذا التسونامي السياسي/الاقتصادي/ الأوروبي تساؤلات بشأن قضايا كثيرة في مقدمتها أسئلة مثل: هل يشكل هذا الحدث نذير شؤم يشي بانهيار محتمل للاتحاد الأوروبي, بل وباحتمال تفكك بريطانيا نفسها وسقوط العديد من الدول الأوربية الأخري مثل قطع الدومينو في فخ التفسخ ؟!!! ومن المستفيد ومن الخاسر في لعبة صعود وهبوط هذا الكيان الأوروبي العملاق, وأين الأمة العربية علي خريطة هذه الأزمة؟. خطأ إستراتيجي ثمة منظرون أوربيون كثيرون يؤكدون أن الخطأ الإستراتيجي الأكبر الذي وقع فيه الآباء المؤسسون للاتحاد الأوروبي يتمثل في تبنيهم النهج الماركسي في عملية بناء هذا الاتحاد, بمعني أنهم قرروا أن يكون اتحادهم في بداية المطاف اتحادا اقتصاديا علي أن يتطور بعد ذلك إلي اتحاد سياسي. لكن التجربة العملية برهنت- حسب منتقدي- هذا المبدأ- أنه في الحالة الأوروبية كان يجب ان تكون البداية سياسية لا اقتصادية; نعم الدول الأوروبية تجمعها الجغرافيا, والمصالح الاقتصادية, والمبادئ الإنسانية, لكن نفس هذه الدول تفرقها عوامل كثيرة, فلا لغة مشتركة تجمعها, ولا مساواة اقتصادية بين البلدان الفقيرة والغنية منها, ولا تاريخ مشترك يلمها سوي تاريخ الحروب, ولا أنظمة سياسية متجانسة, أو حتي أوزان ديمغرافية سكانية متكافئة, أو أدوار دولية متعادلة. الجمعة السوداء دخل يوم الجمعة الرابع والعشرون من شهر يونيو من العام الجاري التاريخ الاقتصادي العالمي بوصفه واحدا من أسوأ الأيام في تاريخ الأسواق المالية الدولية, فقد كانت نتيجة الاستفتاء البريطاني بمثابة زلزال هز هذه الأسواق. وخسرت بورصات العالم خلال هذا اليوم وحده أكثر من تريريلوني دولار. وتعد هذه الخسارة بمثابة أكبر مبلغ يتبخر من الأسواق المالية في يوم واحد مقارنة بأي وقت مضي. تفوق هذه الخسارة نظيرتها التي تكبدتها هذه البورصات في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر من عام2008 عندما منيت أسواق المال العالمية بخسارة هائلة بلغت قيمتها1.9 تريليون دولار بعدما صوت مجلس النواب الأمريكي برفض خطة إنقاذ شارع المال الأمريكي الأشهر وول ستريت, كما هوي الجنيه الإسترليني لأدني مستوي له في أكثر من ثلاثين عاما. باختصار خسرت البورصة البريطانية أكثر من المساهمة التي دفعتها بريطانيا لموازنة الاتحاد الأوروبي طوال ال15 عاما الماضية. انتقال العدوي لأمريكا ولعل من بين المفارقات اللافتة في هذه الأزمة الأوروبية, إعلان الانفصاليين في ولاية تكساس الأمريكية رغبتهم في السير علي هدي البريطانيين من أجل فصل ولايتهم الغنية بالنفط والغاز الطبيعي وطاقة الرياح عن الولاياتالمتحدة. ونقلت وكالة رويترز عن دانيال ميللر رئيس تكساس القومية الانفصالية قوله: إن التصويت الذي قاده المواطنون في بريطانيا يمكن أن يكون نموذجا لولاية تكساس التي كانت مقاطعة مستقلة في الفترة بين عامي1836 و1845- وأن اقتصادها الذي يبلغ حجم إنتاجه نحو1.6 تريليون دولار سنويا سيحتل مركزا بين أكبر عشر اقتصادات في العالم. ودعت تلك الحركة الانفصالية حاكم الولاية بشكل رسمي إلي دعم إجراء تصويت مشابه لمواطني تكساس.وفي وقت سابق من هذا العام فشلت تلك الحركة- التي تزعم أن لديها نحو ربع مليون مؤيد- في تنظيم تصويت علي الانفصال في نوفمبر القادم, غير أن فقهاء دستوريين يقولون إنه لا يمكن لولاية أمريكية الانفصال لكن ذلك لم يمنع من طرح مئات المخططات الانفصالية عبر تاريخ البلاد. غير أنه لم تنجح محاولات انفصالية من ولايات عديدة دعت إليها جماعات عادة ما تكون غاضبة من أنظمة الضرائب أو ما يرونه تعديا علي حرياتهم بسبب العوائق القانونية مستحيلة التخطي أو الافتقار إلي الدعم. ويظهر استطلاع رأي أجرته وكالة رويترزمع مؤسسة أبسوس في عام2014 إن ما يقرب من ربع الأمريكيين منفتحون علي انسحاب ولاياتهم من اتحاد الولاياتالأمريكية. الخوارج الأوربيون علي طول تاريخ الأمم, كان دوما هناك متشددون, مغالون, عنيفون, منغلقون باختصار جماعات من الخوارج الثائرين علي الوضع القائم, لكن ظهورهذه الجماعات شكل دوما عبر التاريخ نذيرا خلل في منظومة العدل الاقتصادي, وانعطافا عن مسار المساواة, والخلل الذي ينذر به خوارج أوروبا في عصرنا الحالي هي تلك العولمة المتوحشة ونخبها المتأمركة, خوارج بريطانيا الذين قالوا لا للاتحاد الأوروبي هم ثائرون ضد تهميش الفقراء, وضد النخبة التي سلمت نفسها للسيد الأمريكي, والجزار الألماني الفارض لشروطه الاقتصادية الصارمة, هم ثائرون ضد السياسات التقشفية اللاإنسانية للاتحاد الأوروبي, هم ثائرون ضد سياسات التخويف, هم ثائرون ضد شعار إما الرأسمالية المتوحشة أو الفوضي. شبح التفتت لكن تفاقم هذه النعرة قد يفضي أيضا إلي تفتت الدول الأوروبية ذاتها; فمن الممكن أن يتطور هذا السيناريو إلي احتمال استقلال أسكتلندا وأيرلندا الشمالية, أو حتي لندن عن المملكة المتحدة; أكثر من ذلك فإنه ممن الممكن أن تتفتت دول أخري تعاني من نزعات انفصالية مثل إسبانيا حيث مارست منظمة ايتا الإسبانية المسلحة, التي تسعي منذ نهاية الخمسينيات إلي الانفصال بأقليم الباسك عن إسبانيا وتأسيس دولة مستقلة, كل النشاطات المسلحة العنيفة من قتل وتفجير, واختطاف من أجل تحقيق هدفها. وأدت أنشطتها منذ تأسست وحتي الآن إلي قتل المئات, وجرح الآلاف, كما أضرت بالاستقرار السياسي في إسبانيا علي مدار سنوات. باختصار شكل خروج بريطانيا ثغرة, دخل منها كل المشككين بأوروبا. هستيريا عالمية دخلت الولايات التي تعد من أكبر الخاسرين السياسيين في هذه الأزمة الأوروبية لأنها خسرت ذيلها السياسي الأكبر في الاتحاد الأوروبي...دخلت علي خط التحذير بقوة من تداعياتها الاقتصادية العالمية علي الأقل, حيث حذر الرئيس الأمريكي, باراك أوباما, مما وصفه ب هستيريا مالية عالمية بعد تصويت بريطانيا علي الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقد كان أوباما صريحا إلي حد ترجيح أن الوحدة الأوروبية الشاملة ربما تكون توقفت في الوقت الحالي, لكنه استبعد في نفس الوقت حدوث تغييرات كارثية. وكشف الرئيس الأمريكي أن أسواق المال العالمية تصرفت وكأن حلف شمال الأطلسي قد اختفي بشكل ما, وكأن التحالف عبر الأطلسي انفصمت عراه, وكأن كل دولة تهرع لزاوية خاصة بها علي حد تعبيره. الروس.. أكبر المستفيدين بعض الساسة الروس لم يتمكنوا من احتواء إحساسهم بالسعادة إزاء التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكان من بين هؤلاء عمدة موسكو, سيرغي سوبيانين, الذي أشار إلي أنه بدون وجود بريطانيا في الاتحاد, فلن يكون هناك أحد سيؤيد فرض عقوبات ضد روسيا بشكل قوي جدا. وكما أكد النائب القومي المتشدد فلاديمير جيرينوفسكي أن الرأي العام البريطاني قام بعمل بطولي. وأعرب عن رغبته في إرسال برقية تهنئة إلي ديفيد كاميرون يقول فيها: عزيزي ديفيد, صديقنا الكبير, إننا سعداء بأن بريطانيا اتخذت القرار الصحيح. الشرارة الأولي وتعد الأزمة المالية اليونانية بمثابة الشرارة الأولي التي أشعلت دعوات لانفصال داخل العديد من الدول الأوروبية عن الاتحاد الأوروبي, فقد أجبرت تداعيات هذه الأزمة أغلب الدول الأوروبية بما فيها بريطانيا علي تبني سياسات اقتصادية تقشفية قاسية بضغط من ألمانيا. ثم جاءت أزمة المهاجرين لتصب المزيد من الزيت عن نار الرفض الشعبي للعولمة, ولحرية انتقال الأفراد عبر الحدود. ومن هنا انطلقت دعوات الانفصال عن منظومة الاتحاد بكل سياساتها الاقتصادية الصارمة وتسامحها النسبي مع قضية الوافدين البيض والملونين. وهكذا علت الأصوات في اليونان, وفرنسا, وإيطاليا, وهولندا تطالب بالخروج من جسد الاتحاد, تغذيها في هذا الصدد الأحزاب اليمينية المتطرفة التي استغلت قضية المهاجرين أسوأ استغلال. خسارة الجدارة الائتمانية وبعد قليل علي التصويت لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي, خسرت بريطانيا تصنيفها الائتماني السيادي الممتاز الذي ظلت تتمتع به لعقود طويلة. ويعني هذا الأمر أن لندن ستضطر اضطرارا لدفع فوائد أكبر علي سنداتها السيادية وذلك إذا ما قررت الاستدانة من الخارج بطرح المزيد من هذه السندات السيادية. فقد عمدت وكالة ستاندرد أند بورز الأمريكية للتصنيف الائتمانية البريطانية درجتين كاملتين مع نظرة مستقبلية سلبية, ما يعني احتمال إقدام الوكالة علي المزيد من الخفض لهذا التصنيف. وكشفت هذه الوكالة الأمريكية أن تلك هي المرة الأولي التي تخفض فيها تصنيف أي من الدول ذات التصنيف السيادي الممتاز درجتين مرة واحدة. انتفاضة البريطانيين في أيرلندا ومن بين المفارقات الكبري في الأزمة البريطانية اندفع أعداد كبيرة من البريطانيين ممن يقيمون في جمهورية أيرلندا إلي مقار سلطات الهجرة الأيرلندية طلبا للجنسية وجواز السفر بعد أن قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي. وجمهورية أيرلندا الملاصقة لبريطانيا هي عضو في الاتحاد الأوروبي, وعضو في منطقة اليورو, ويقيم فيها أعداد كبيرة من المواطنين البريطانيين المرتبطين بمصالح هناك منذ سنوات طويلة, فضلا عن أنها ملاصقة لمقاطعة أيرلندا الشمالية التي هي جزء من المملكة المتحدة, ومن ثم ستخرج من الاتحاد الأوروبي بحكم خروج بريطانيا, ما يعني أن الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا لن تعود مفتوحة تماما كما هي الآن, كما أن ثمة قيودا قد يتم فرضها علي الحركة بين الجهتين, أقلها إقامة نقاط حدودية تقليدية بين الجانبين. وتظهر البيانات الصادرة عن محرك البحث العالمي غوغل ارتفاعا كبيرا في عمليات البحث علي الإنترنت في بريطانيا عن شروط الحصول علي الجنسية الأيرلندية. وإسرائيل تخسر أيضا من المتوقع أن تكون إسرائيل من أكبر الخاسرين علي المستوي الاقتصادي من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حيث تعد لندن ثاني أكبر شريك لتل أبيب. وقد أقر بنيامين نيتانياهو بأن الاقتصاد المحلي الإسرائيلي سيتأثر بهذه الأزمة, وإن كان بشكل غير مباشر. وقد هوت مؤشرات الأسهم الرئيسية في بورصة تل أبيب بأكثر من ثلاثة في المئة في أول جلسة تداول لها منذ صوت البريطانيون لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. كما هبطت عائدات السندات الإسرئيلية وسط حالة الهلع الذي انتاب المستثمرين. ويعتقد محللون أن صادرات إسرائيل ستتأثر سلبا في ظل ضعف الجنيه الإسترليني واليورو أمام الشيكل. 9.2 تريليون دولار قيمة الديون الخارجية 4.5 % نسبة العجز في الميزانية 2.8 تريليون دولار قيمة الناتج المحلي الإجمالي 3.5 تريليون دولار حجم المعروض النقدي 64 مليون نسمة عدد السكان 1.2 تريليون دولار النفقات العامة 1.1 تريليون دولار الإيرادات العامة 87.2 % نسبة السكان البيض