يعلمنا الله سبحانه في كتابه العزيز الكثير من النماذج العظيمة في وصف المتناهي في الكبر والمتناهي في الصغر كي نفهم الأمور في حجمها الحقيقي ونحدد طبيعتها وخصائصها وتبيان خضوعها لقوانين الله الصارمة وكي لا نضل عن الصراط المستقيم ونغوي وننجذب إلي الملهيات والمهلكات غير الحقيقية والتي يزينها لنا الشيطان فنغوي ونهوي ويضيع عمرنا سدي وتحبط أعمالنا وتصبح رحلتنا الدنيوية عبثا وغما وهما لا نغتنم منها طرق النجاة عبر عمرنا علي سطح الأرض الذي قدره الله لنا , وأن لا ننتظر لحظة كشف الغطاء ولحظة الرؤية التي يكون فيها بصرنا حديدا فنندم علي قلة فهمنا وغبائنا لعدم استيعابنا الدرس في أوانه وادراكه بعد فوات الميعاد.... ومن هنا فإن فهم ودراسة النماذج والمحاكاة للدنيا هو من رأس الحكمة والذكاء والنجاح في استيعاب الأمر كله.... ولأن المؤمن كيس فطن بوصف الرسول الأعظم عليه السلام فهو بالتالي لا يحيد عن الصراط مهما علت أصوات الملهيات في الدنيا فترجع نفسه إلي ربها راضية مرضية. إن هناك نموذجا بانوراميا شاملا للدنيا نستطيع من خلال تصوره فهم الأثر الشامل للحياة الدنيا: 'وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور'185 آل عمران' وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع'26 الرعد' فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل'28 التوبة' يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور'5 فاطر إن عيون المؤمن يجب أن تكون مركزة علي الصراط المستقيم وعلي الصورة الكبيرة لا تغرنه الحياة الدنيا وزينتها ولا يغرنه الشيطان بخطواته وبهمسه ولمزه وتزيينه للباطل ومحاولاته المستمرة للإيقاع به وغوايته والانتصار عليه. إن الإنسان المؤمن يدرك من خلال ذلك أن عمره في الدنيا ليس إلا مجرد متعة وأنها قليلة وبالتالي فإنه لا يجب أن يركن إليها ولو قليلا. ننتقل بعد ذلك إلي نماذج أكثر تفصيلا وتخصيصا: 'إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتي إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها امرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون'24 يونس' واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تزروه الرياح وكان الله علي كل شيء مقتدرا'45 الكهف' اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرةعذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور'20 الحديد من هذه النماذج يستطيع أي إنسان مهما كانت درجة علمه ومعرفته فهم الصورة الكبيرة للدنيا وإدراك حجمها ومن هنا تأتي عظمة القرآن الذي يسره المولي للذكر.في آية واحدة توجد صورة شاملة دقيقة محكمة تعبر عن مجمل الدنيا كلها. فهي لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر وهي تشبه نبات من بداية انباته وطلعه الجميل حتي يصير حطاما تذروه الرياح.إن أفضل شيء في الدنيا أن تعاش كما ينبغي ملؤها الصدق والبر, والتقوي والإحسان,وأنها فترة اختبار ليس إلا...'إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم'36 محمد.