لم تكن الحكومة البريطانية خلال1938 وهي تجهز المسرح السياسي الدولي للأحداث المتوقعة في غضون الأعوام القادمة تستطيع اتخاذ قرارات للبت في شأن فلسطين بما يتفق مع المطالب غير المشروعة للصهيونية العالمية لحاجتها لمساعدة الشعوب العربية لمجابهة متطلبات الحرب العالمية المتوقعة وهذا لم يكن كافيا لإقناع زعماء اليهود والصهيونية السياسية بالكف ولو مؤقتا عن ذكر مصطلح الدولة اليهودية الجديد المقلق للعرب فأعلن بن جوريون التنفيذ لتخطيط الصهيونية السياسية للاستيطان اليهودي في فلسطين. أما حاييم وايزمان الممثل الاول للصهيونية السياسية والدبلوماسي اليهودي الأول فقال إن الأمل مازال يراودني في إقناع أصدقائي من البريطانيين بجدوي التعاون مع الصهيونيين في أي صراع عالمي مقبل ويكون من نتائجه تحقيق قيام الدولة اليهودية. سعي وايزمان في سبيل دعم آرائه الي مشاركة ومساهمة أهم أصدقائه في فلسطين الكابتن أورد وينجيت واستدعاه سرا من فلسطين( وهو صاحب فكرة المفارز الليلية الخاصة لضرب الثورة العربية) الي لندن ليعرضا في مؤتمر عقده اللورد لويد وزير المستعمرات البريطانية حيث حضر معهم ايضا بن جوريون للدفاع عن وجهة نظر الصهيونية السياسية والأهمية البالغة لتقوية القدرة القتالية لليهود في فلسطين وارتباط ذلك بأهمية الدفاع عن الشرق الاوسط في الحرب المقبلة وفي هذا الاجتماع شرح الكابتن ونجيت الأهمية الاستراتيجية لفلسطين والبحر المتوسط والعقبة,وأكد أنه ما لم تضمن بريطانيا وجود قاعدة عسكرية قوية ومؤمنة في فلسطين فسوف تعجز عن الاحتفاظ بمركز ثابت في الشرق الاوسط, وربط ذلك بقدرة اليهود وولائهم بعد تسليحهم وتحقيق مطالبهم مقارنة بضعف العرب حيث لا يمكن الاعتماد عليهم بل ان اليهود في فلسطين هم وحدهم الذين يشكلون قوة تتسم بالاستقرار ويمكن الاعتماد عليهم. الحكومة البريطانية كان لها رأي آخر فقد قررت ان تستمر في سياستها المعلنة والخاصة بعقد المؤتمر المشترك في لندن الذي يجمع بين العرب واليهود تحت رئاستها وعقد المؤتمر في فبراير1939 بقصر سان جيمس ومثل الصهيونيون فيه اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية أساسا وعلي رأسها وايزمان ومعه بن جوريون وموشي شيرتوك ولورد بيرستيد كما مثل الجانب العربي مندوبون عن عرب فلسطين والدول العربية مصر والسعودية والعراق واليمن وشرق الاردن..أما الحكومة البريطانية فحضر عنها مستر مالكولم ماكدونالد وزير المستعمرات الجديد ولورد هاليفاكس وزير الخارجية. رفض العرب مقابلة اليهود أو الجلوس معهم علي مائدة المفاوضات لذلك عقدت الجلسات منفصلة, ولم يحقق المؤتمر اي اتفاق ازاء إصرار الصهيونيين علي إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين ورفضهم لأي تسوية ولو مؤقتة تشير أو تدل علي انكار حق اليهود في أرض إسرائيل ارض الميعاد, بينما تمسكت الحكومة البريطانية بأن سياستها لا تبغي تحويل فلسطين الي دولة يهودية. عقب انتهاء اجتماعات المؤتمر ارسل بن جوريون برقية من لندن الي فلسطين لإبلاغ الوكالة اليهودية بنتيجة المؤتمر وقال فيها لقد وضعت خطة لإزالة الوطن القومي لنا ولكن هذا المخطط لن ينجح..واعتبر الصهيونيون محادثات لندن نقطة تحول في تاريخ العلاقات بينهم وبين البريطانيين منذ صدور وعد بلفور سنة1917 وذلك بعد أن اتضح لهم أن مشروعهم القومي الخاص بالاستيلاء علي أرض فلسطين قد تعدي الحد الذي تسمح به الحكومة البريطانية في هذا الوقت بالذات إذ كان من رأيهم أن الوطن القومي لليهود قد تم بالفعل ووقف علي قدميه في فلسطين..أما الصهيونيون فكانوا يرون كل ما حدث وحققوه في فلسطين حتي الان لا يعدو البداية فقط أي هو مجرد إرساء قواعد البناء للوطن القومي الذي سيقوم في المستقبل..والي اللقاء القادم ان شاء الله. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا