وفقا لتقديرات البنك الدولي والمنتدي الاقتصادي العالمي تقدر تكلفة الفساد علي مستوي العالم بنحو5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي, ويزيد الفساد من تكلفة المشروعات بما يقرب من10% كما أن الرشوهةتمتص ما يقرب من تريليون دولار من الاقتصاد العالمي سنويا. أيضا وفقا لتقرير منظمة الشفافية العالمية نجد أن ما يقرب من25% من الأشخاص البالغين علي مستوي العالم يدفعون رشوة للحصول علي الخدمات العامة, فنسبة الأفراد الذين دفعوا رشوة في بلدان متقدمة مثل أمريكا,إنجلترا, وسويسرا بلغت10%, وتزيد هذه النسبة لتصل إلي33.3% في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الفساد وفقا لمنظمة الشفافية العالمية يعرف علي أنه إساءة استغلال السلطة المؤتمنة لتحقيق مصالح شخصية..ويأخذ الفساد أشكالا مختلفة منها الرشوة..التربح..الاستيلاء علي المال العام..الوساطة..المحسوبية..والابتزاز. وتختلف أسباب الفساد ومن ثم الأسلوب الأمثل لمكافحته من بلد إلي آخر. فأسباب الفساد في مصر وفقا لما ورد في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد2018/2014 كثيرة منها انخفاض وتفاوت الدخول..التوسع في الصناديق الخاصة..بيروقراطية العمل الحكومي..ضعف نظم الرقابة الداخلية..تداخل الاختصاصات الرقابية. ويمثل الفساد عقبة أساسية نحو ممارسة الديموقراطية وإنفاذ القانون, ويعمل علي استثمار موارد المجتمع المحدودة في صالح فئة معينة دون غيرها, وتآكل نسيج المجتمع وفقدان الثقة في النظام. ودائما ما ينظر إلي الفساد علي أنه أحد العوائق التي تحد من زيادة النمو الاقتصادي في المجتمع- والذي يعرف علي أنه الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي في سنة مقارنة بالسنة السابقة. لكن في حقيقة الأمر إن استكشاف العلاقة بين الفساد ومعدل النمو الاقتصادي لا تؤكد علي صحة هذا الأدعاء. فعلي سبيل المثال نجد أن الخمس دول الأكثر نزاهة وأقل فسادا في العالم( الدينمارك نيوزيلاندا فنلنداالسويدالنرويج) حققت متوسط نمو1.03%, ومتوسط مؤشر فساد90.7% خلال الفترة2006-.2014 علي النقيض من ذلك نجد أن الدول العشرين الأكثر نموا علي مستوي العالم حققت متوسط نمو8.05% في عام2015, في حين أن متوسط أداء تلك الدول علي مؤشر الفساد العالمي بلغ33.9%. الوضع لم يختلف كثيرا في مصر فأعلي معدل نمو اقتصادي تم تحقيقه بلغ7.1%,7.2% في عام2008,2007 علي التوالي. الأمر الملفت للنظر أن مصر في هذين العامين حققت أقل قيمة علي مؤشر محاربة الفساد العالمي29%,28% علي التوالي, وأعلي استثمار أجنبي مباشر بنحو11.6 مليار دولار,9.5 مليار دولار علي التوالي. هذه الحقائق توجب علي المسئولين في الحكومات خاصة الدول النامية أن يعيدوا النظر في أولوياتهم من خلال جعل التنمية الاقتصادية أولوية أولي في العمل وليس زيادة معدل النمو الاقتصادي. ودعوني هنا أذكر بالقاعدة الأساسية التي تحكم فقه الأولويات ألا وهي أن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح. فالأولي أن يتم اصلاح ثقوب وعاء ما قبل أن يتم ملئه بالماء. إن زيادة معدل النمو الاقتصادي لا تعني بالضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية لأن تلك الزيادة يمكن أن تكون في صالح فئة معينة في المجتمع دون غيرها. في حين أن محاربة الفساد تؤدي إلي تنمية اقتصادية ومن ثم عدالة اجتماعية. فالتنمية الاقتصادية تسعي لإحداث تغييرات جذرية في أبعاد المجتمع السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, والثقافية من أجل زيادة رفاهية أفراد هذا المجتمع. لذلك يجب أن يكون الحديث عن زيادة معدلات النمو المتوقعة أوالمستهدفة في إطار محاربة الفساد وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة. وكيل كلية التجارة- جامعة عين شمس [email protected]