نفتقد في مجتمعاتنا العربية الكثير من المعاني, ونجهل الكثير عن النفس البشرية وأسرارها. مثل اليأس وهو حالة من التعاسة تجبر صاحبها علي الانطواء والابتعاد عن الآخرين حتي أقرب الناس إليه. وأسباب اليأس متعددة أهمها الفشل والتعرض لمواقف ضاغطة, وهو مرض نفسي يقود إلي الاكتئاب, وهنا يعاني الفرد عدم المبالاة ويشعر بالحزن الدائم, وضعف الذاكرة وصداع, واضطراب في المعدة بسبب المزاج السيئ, مع فقدان الرغبة في العلاقات الحميمية, وفقدان الشهية أو الشهية المفرطة للطعام, وقد يصل الأمر إلي التفكير في إيذاء النفس والهياج وعدم الاستقرار البدني والنفسي. وما سبق ذكره يحدث نتيجة ضغوط الحياة اليومية, أو ضغوط الحياة الزوجية.. وهنا المشكلة.. فقسوة الظروف والكبت من أهم الأسباب المؤدية للجفاف العاطفي. والجفاف العاطفي هو التباعد الروحي والجسدي, والفقدان التدريجي للعواطف ومشاعر الحب بين الزوجين, وبعد كل منهما عن الآخر في معظم قضايا حياتهما, رغم وجودهما علي قيد الحياة تحت سقف منزل واحد. وهو نوع من التعبير الصامت عن حالة الإحباط واليأس من إمكانية تغيير شريك الحياة, والتي تقود للاكتئاب نتيجة شعور أحد الطرفين أو كلاهما بعدم الرضا لاستمرار العلاقة, لكنه يصبر ويكبت مشاعره خشية من الطلاق المعلن, ولذا تنتهي مشاعر الجفاف العاطفي بما يسمي بالطلاق النفسي التي عادة ما ترتبط بمرحلة منتصف العمر, وغالبا ما تكون المرأة فيه هي الطرف المتضرر دون انتباه أو إدراك زوجها. ومن خلال عملي وجدت الطلاق النفسي أخطر من الطلاق المعلن خاصة إذا جاء من طرف الزوجة, فهنا تصعب النصيحة, لأن وصول المرأة لهذه المرحلة هو باختصار شديد نفاد كل محاولاتها في إصلاح حياتها الزوجية, واتعجب حين أجد بعض المحللين النفسيين وغيرهم يركزون في حلولهم علي المرأة ودورها, ونصيحتها بالدبلوماسية مع زوجها, متجاهلين إن الحياة الزوجية علاقة مشتركة بين طرفين, فيها الأنثي فيض من المشاعر والحنان والعطاء, وفيها الرجل بطبعه أناني يميل إلي الأخذ دون مراعاة لمشاعر زوجته. ولأن الأسباب هي المحور الأساسي لأي قضية, فأول أسباب الجفاف العاطفي هو تحريم وتجريم الحديث عن' الجنس' في مجتمعاتنا العربية, ولذا يجهل الرجل الشرقي الكثير عن طبيعة البناء النفسي والفسيولوجي( التغيرات النفسية والجسدية الداخلية) للمرأة, وكذلك المرأة تنقصها الثقافة الجنسية, رغم إن العلاقة الحميمية جزء لا يتجزأ من الحياة الزوجية والتي تنعكس سلبا أو إيجابا عليها وعلي نفسية الفرد, وأبسط الأمور في تلك العلاقات الاهتمام بالنظافة الشخصية( الجسد الأسنان) وهي أمور غاية في الخصوصية والأهمية وجدتها مصدر معاناة أغلب الحالات. أيضا من بين الأسباب الاختيار الخاطئ من البداية, سواء المبني علي العقل فقط أو العاطفة فقط, فكلاهما مدمر, فحين تستقر الرغبة وتهدأ المشاعر, تطفو المشاكل علي السطح وتختفي العاطفة. أيضا غياب لغة الحوار خاصة مع انتشار الانترنت واستبدال الكبت والصمت بالكلام وخروج المرأة للعمل, وغياب الزوج لفترات طويلة لجمع المال الكافي لسد متطلبات الحياة. ومع مرور الوقت تقضي المشاعر السلبية علي المتبقي من المشاعر الإيجابية داخل الطرفين لنصل إلي مرحلة الإجهاد النفسي والتوتر واتساع الفجوة, لينتهي الحال بالطلاق النفسي رغم استمرار الحياة الزوجية.