عجيب أمرنا كبشر, الحقيقة واضحة ولا يراها إلا قلة منا لا تتفاعل معها ولا تكترث بأي فعل ولو شخصيا تجاه ما تراه والأقل من هؤلاء من يري الحقيقة ويتفاعل معها حتي لو كان تفاعله فرديا وهؤلاء هم الصفوة( ليست الصفوة إعلاميا) المنوط بها تقدم المجتمعات, فمن أيهم أنت؟..وحتي يتضح المقال لابد من مثال, البعض سمع أن المأكولات المنتجة من اللحوم المصنعة مضرة للصحة ولكن الغالبية لا تبالي والبعض يري الحقيقة ويتشدق بها ولكنه يشتري تلك المنتجات والقلة القليلة هي التي تتجنب شراء تلك المنتجات فهل بهذا تبني المجتمعات؟..القضية أننا لم نضع أسس تعاملنا مع أولوياتنا واضحة علي الطاولة( كتابة) إن كان لنا أولويات, فغالبا تتجاذبنا الرياح لأننا لم نحدد أولوياتنا ولا نعرف بالتالي أين تصب أفعالنا! لي زميل يحدثك عما اقترفه الاحتلال من مآس لمجتمعنا وتسأله كم منتجا محليا تشتريه فيتعجب من السؤال; فتزيد كم منتجا زراعيا محليا تشتريه فيندهش من السؤال..ولكنني لم أندهش لأن ذات الشخص قد خلط كلماته بكلمات أجنبية في غير موضعها فخشيت أن أشير عليه أن يطلب مشورة طبية من أخصائي نفسي لأنه لن يقبل نصيحتي. لقد أصاب الأسرة خلل بات يؤثر علي المجتمع ككل فقلت إنتاجية الأفراد وبالتالي المجتمع وبات نمط أسرة الفلاح المتوسط الذي يدير مع بقية أفراد أسرته مزرعته غائبا عن المشهد, بل تطور الأمر عبر السنين ومنذ عقود إلي نمط دخيل علي مجتمعنا وهو نمط الفلاح القعيد الذي يرسل أبناءه وبناته للعمل في منازل المدن نظير أجر يحصل عليه في نهاية الشهر ليقيم بها أوده..ثم تطور الأمر لنجد المرأة المعيلة التي تتكفل بالإنفاق علي أولادها وزوجها الذي أصابته المخدرات بكل الآفات وسلبت منه قوامته الحقيقية في الأسرة حين أصبح عالة علي غيره داخل أسرته. والعجيب في الأمر أن المجتمع وقف من هذه الظاهرة موقف المتفرج بل وقنن تلك الحالات تحت مسمي المرأة المعيلة التي تتراوح نسبتها بين سدس وثلث عدد النساء( حسب مصادر المعلومات المتضاربة!) ولم يحاول حل المشكلة سعيا نحو أسرة سعيدة(!), وكأن الحب والدفء الأسري غاية لا يجب أن تدرك. لقد تبدل هذا الدفء في العديد من الأسر إلي علاقة مادية بحتة وبتنا نسمع عن قضايا القتل والجحود والطرد وباتت دور المسنين بديلا مطروحا عند البعض الذي تتنامي نسبته كل يوم. ولعله من قبيل التندر أن الدولة قد استملحت سلوك الفلاح غير الفصيح وكانت تضع علي أولوية ميزانيتها تحويلات العاملين في الخارج. نعلم أبناءنا ونرسلهم للخارج وننتظر ما يدرونه علينا من أموال وهو نمط عجيب لم يدفع التنمية بل دفعنا إلي التكاسل مادامت أن الأموال تتدفق! المهم في الأمر أن ذلك المورد لأسباب عديدة بدأ في التناقص نتيجة منافسة دول متخلفة أخري ونتيجة الظروف السياسية فبتنا نفتش في دفاترنا القديمة كي ندفع السياحة وهي مورد خدمي لا يمكنه أن يصمد في مواجهة أية شائعات! وبتنا لا نفكر في أولويات التنمية من صناعة وزراعة تخدمها بعض المشاريع والأعمال الخدمية. واكتفينا ببعض مؤشرات المجتمعات الغربية التي تشير إلي أن نسبة مجتمع الخدمات في الناتج القومي حاليا نسبة لا يستهان بها وتناسينا أن مجتمع خدماتهم يخدم علي منتجاتهم الصناعية والزراعية! ولم نقف عند هذا الحد من الغباء بل تمادينا فبتنا ننفق الأموال في مشاريع خدمية ذات تقنيات قديمة مثل شق ورصف الطرق دون أن نبدع في أي منتج تقني! أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]