في حوار مع أحد الأصدقاء تندر بفعل ابنته الجامعية والتي لا تعمل منذ تخرجها من الجامعة منذ سنوات; حين طلب منها أن تسدي معروفا لإحدي أقرب قريباته لن يكلفها أكثر من دقيقتين فتبرمت وسألت عن سبب ذلك وكم كان جوابه قاطعا حين ذكر لها معروفا أكبر تسديه لها تلك القريبة! توقفت عند تلك القصة لأتعجب كيف لنا أن نطلب من شبابنا أن يدخل المجتمع في صلب هدفهم وهم يقفون هذا الموقف من أقرب أقاربهم! أمر عجيب أن توصل التربية في المنزل والمدرسة والجامعة والإعلام, شبابنا إلي هذا الحد مهما كانت الأسباب ومهما كانت الكلمات المنمقة التي تعامل بها الأم الجامعية القريبة الجامعية لأكتشف أن بعض شبابنا وبناتنا لا يدرك من حطام الحياة إلا الأصدقاء والوالدين إلي حين فعلا لا قولا; وللأسف نجد تلك الصورة في أكثر من موقع بدرجات فجاجة مختلفة. وحاولت تقصي مسيرة تلك العائلة عيانا ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي لأجد أن تفكك تلك الأسرة خفي لكنه ضارب في عظامها فلا هدف مشتركا يجمع أفرادها بل ويتهكم أفرادها علي فتح باب غرفهم ولا يتشاركون في وجبة واحدة, والأم تطبق تحرير المرأة في إيجاد هدف خارجي لها والفكاك من كل مسئولية فكرية. وعلي نطاق عائلة الأم فالقبول بدور المسنين ليس بخطيئة والحفاظ علي بعض العادات أمر إيجابي بلا تمحيص فلا تقهر سيئها ولا تنمي موجبها. تلك أسرة عادية يقف فيها الأب الملام بداية ونهاية علي مشارف الحفاظ علي ما هي ليست بأسرة والتي لا تختلف عن غالبية الأسر ولكنها بالتأكيد ليست ما يمكن أن يبني المجتمع عليه! والعجيب أن الجميع يحسبون أنهم يحسنون صنعا. هلا تأملنا مقولة عبد الكلام رئيس الهند الحادي عشر عالم الفيزياء وهندسة الطيران: تقف المدرسة وراء الوالدين, ويقف المنزل وراء المدرس. لم أتوقف كثيرا أمام التفكك الأسري الذي ضرب مجتمعنا لأتذكر قصصا كانت نشازا في وقتها لأن المجتمع كان أنقي ويقف لتلك الحوادث بالمرصاد. أما الآن باتت الأسرة مصرفا ممتدا كالبقرة الحلوب نحافظ عليها حتي الثمالة وحتي يجف ضرعها; فبتنا في وضع أسوأ من الغرب الذي بني فلسفته علي الفرد فلا يكترث غالبا بالوالد كمصرف, بتنا نريد تحرر الغرب ومصرف الشرق فتزاحمت القيم وتداخلت ليصبح الواقع هو اللحظة الآنية, دون أن نوصف علاقات الأسرة الداخلية ليعرف كل فرد واجبه وحقه ولنعرف الدور الأساسي للأم في الأسرة قيما وتعليما ففاقد الشيء لا يعطيه. هلا تذكرنا قول شاعر النيل حافظ إبراهيم: من لي بتربية النساء فإنها... في الشرق علة ذلك الإخفاق الأم مدرسة إذا أعددتها... أعددت شعبا طيب الأعراق دفعتني قضية أسر بلا هدف لإعادة التفكير في ما يتم بثه من سموم تفرغ المجتمع من قيمه وتفرغ أدمغة النشء والشباب والكبار ولا تضع لهم بديلا سوي الفراغ واللذة اللحظية وتنسيهم أن من أكبر مقومات الفرد بل والبشر جميعا الوقت الذي ينسل من بين أصابعنا ولا يعود أبدا. لا شيء يمكن فعله إن لم نقدر قيمة الوقت وتأثيره سلبيا وإيجابيا علي حياتنا, فكما يقول مثلنا العربي: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. ولنتساءل كيف لنا أن ننتج مجتمعا له هدف إن كان أفراده بلا هدف; فلا يعملون ولا يريدون العمل بل يريدون فقط المال; وإن كانت أسرة بلا ترابط وبلا هدف فلا عمل مشترك بينهم ولا حتي تبادل للخبرات; حيث تتشكل علاقاتها علي أساس المصلحة الآنية؟! أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]