وسط تلاطم الأحداث تتوه من أغلبنا محطات رئيسية في مسيرة الحياة, ومن تلك المحطات اهتمامنا بلغتنا الأم لنعود ونتذكرها في فبراير من كل عام عندما يحين موعد احتفال الأممالمتحدة بها. ورغم ذلك يمر يوم الاحتفال بلا احتفاء أو تنويه في أغلب وسائل إعلامنا بمختلف مستوياتها الحكومية منها والخاصة, رغم أن اللغة الأم تشكل وجدان الأفراد وتذيبهم في بوتقة واحدة يخرج منها الشعور القومي! ومما يزيد الأمر مرارة أن يسبق يوم اللغة الأم ذكري الوحدة بين مصر وسوريا عام1958 دونما إشارة لها من إعلامنا باعتبارها محطة رئيسية في تاريخنا الحديث تذكرنا بدورنا القومي الذي تقاعس في العقود الأخيرة, وهو أمر يضع علامات استفهام كبيرة علي رؤيتنا القومية لما تمر به أمتنا من أحداث ودور الإعلام في ذلك. وسط مشهد ذبح سوريا يكون التذكير بتاريخنا المشترك في الدفاع عن ثوابت الأمة نوعا من الخوض في المجهول دونما إدراك لمسئولية الإعلام تجاه أمة تذبح علي مرأي ومسمع من كل أفرادها. قد يكون من المضحكات المبكيات أن أجزاء الأمة التي توحدت معنا في التاريخ الحديث كلها أصبحت نهبا لعمليات خارجية. لقد أقمنا وحدة مع سوريا والعراق واليمن وليبيا وبتنا نحن الخمسة في وجه المدفع. ألا يدعو ذلك المشهد إلي التفكر في أسباب ذلك والتذكير بمسئوليتنا المشتركة تجاه بعضنا البعض. لقد جمعتنا العروبة في مشهد ظن بعضنا أنه دائم ولكن أثبتت الأحداث أن تقاعسنا عن الحفاظ عليه وعدم إدراك مستحقاته أمر أضرنا جميعا فلم نقم وحدة بين شعوب تتجانس ولا تتنافر وأصبحنا نشاهد أعداء الأمس في أوروبا يسعون للوحدة بعزيمة وإصرار لنبيت نتحسر علي تاريخنا حتي يخيل إلينا أننا في طريقنا لنصبح أعداء أنفسنا! مشهد الأمة في هذا الظرف التاريخي يستصرخ كل ما يمكن أن يضيف للبناء علي أساس قوي حقيقي لا غش فيه. وسط معترك السياسة الذي به من الغموض أكثر من المكشوف بات أغلبنا ينأي بنفسه عن أن يضيف أية لبنة في صرح الأمة حي ليخيل إلينا أن غالبيتنا ينتمون لأمة غير أمتنا! ورغم سهولة ما يمكن أن يقوم به الفرد تجاه أمته نجد أنه يبلع طعم تغريب الأمة في المدرسة وفي الجامعة وفي الشارع وفي كل مؤسساتنا العامة والخاصة مع استثناءات قليلة يراهن فيها البعض علي شموخ أمتنا وعزتها. ذلك الجهد الذي يمكننا جميعا القيام به هو التفكر في سر الهجمة الشرسة علي لغتنا ذات ملايين المفردات من لغات ذات مئات الآلاف ومن عاميات لا تتعدي مفرداتها عدة آلاف لنكتشف دون عناء أننا نملك ما لا يملكون وأن بيدنا قيما لا يعرفونها إلا بالجهد والزمن ولكننا عنها غفل رغم تعليمنا العالي أحيانا!. لغتنا كأي لغة سر توحد مجتمعنا. يقول المفكر الأمريكي صمويل هنتنجنتون في محضر تساؤله عن كينونة الأمة الأمريكية أن الحضارات ترتكز بالأساس علي اللغة والدين. ونحن في هذا السياق لا نتحرك لنضع لغتنا علي طريقها الصحيح علما وتعليما وفكرا وثقافة. لقد بات مفكرونا لا يأبهون بثوابت الأمة ولا يطبقون مستحقاتها علي أنفسهم وعلي أبنائهم وباتت القومية والوطنية كلمات تحتويها الخطب لتفضي إلي خطب فكري لا يمكن لمن له قلب أن يتعايش معه! أليس في تعريب الأمة بداية حقيقية لتجانس أفرادها وتكامل جهودهم وتوحد هدفهم دونما رطانة جوفاء تضمر من النكوص عن فعل الواجب والاستكانة للواقع وانتظار المدد الأجنبي بدون هندسة لمؤسساتنا وإمكاناتنا هي ما نخطط له بإرادتنا السلبية؟. أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]