لقد نال وضع اللغة فى تفكير العرب منذ زمن ليس بالبعيد حيزاً غير مسبوق فى تفكير أى أمة كان لها حظ من المدنية. وتواكب هذا فى الوقت ذاته مع أن العرب هم الأمة الوحيدة التى كان لها تاريخ ولم يعد لها جغرافية على خريطة التنمية والتقدم العلمى. لغتنا العربية كأى لغة تعكس نمط حياتنا وتعكس كل ما يجرى على أرض وطننا من تنمية وتعليم وثقافة. إن سلب روح العروبة من أرباب العربية سوف يمزق أمتنا العربية أشلاءً ويجعلنا الأمة الوحيدة التى تتقطع فى عصر التكتلات الكبيرة والتى تحاول أن تتوحد على مصالح اقتصادية، فكيف بنا ونحن أمة واحدة نقبل بهذا المصير. الأمر ليس دفاعاً عن اللغة السامية التراكيب والاشتقاقية المعانى والمفردات وهى أجدر بهذا ولكن الأمر من الناحية النفعية البحتة يتطلب أن نهب للدفاع عن البوتقة الواحدة التى تجمع أمتنا لتصب فيها أعمالنا جميعها ولنحقق من خلالها تميزاً يضيع من بين أيدينا حينما لا يفهم الطالب مراد الأستاذ وبالتالى يستظهر ما يسمعه ثم بعد ذلك نشتكى من ناتج التعليم الذى لم يدفع أمتنا إلى الأمام دفعاً. اللغة لا يمكنها أن تنفك عن كينونة أفرادها ولا عن منتوج أفرادها، فكلما ارتقت كلما ارتقى أبناؤها إن هم حافظوا على عوامل بقائها وبقائهم. وكلما شعر أبناء اللغة بالعزة لانتسابهم لها ارتقى مجتمعهم بها وبهم. لا يمكن أن تنفك هذه العلاقة إلا بعوامل عارضة سرعان ما تزول مهما حاولنا تغيير مسارها ولكن شريطة أن يتكاتف أبناؤها حولها لتنهض بهم! إن التعليم بلغة أجنبية هو نقيصة على أخف الأمور؛ هو نقيصة إن تكاسلنا عن أن نعلم أمتنا بكفاءة، وهو نقيصة إن تدثرنا بلباس الأجنبى لعقدة فى أنفسنا، وهو نقيصة إن تخفينا خلف حاجز اللغة لضحالة مستوانا العلمى، وهو نقيصة إن تغلبت علينا القابلية للاستعباد، وهو نقيصة إن تطابقت إرادتنا مع إرادة المحتل الذى أقصى لغتنا من التعليم وفرض لغته فور احتلاله لبلادنا والأخيرة نقيصة تتعدى حدود المنطق. ورغم ذلك فمازال البعض أسارى حاملى تلك النواقص من إعلام وثقافة وسياسة وقصر نظر. القضية لا تتحمل أن تنتظر فالشقة بيننا وبين من سبقونا فى مضمار التنمية طبقاً للمؤشرات الدولية تزداد يوماً بعد يوم ولابد من كسر طوق التخلف الذى نحياه والذى يطبق على رقبتنا بصورة أكبر كل يوم حتى كاد يخنقنا. ورغم هذا فالأمل موجود فى عمل جاد يُخرج أمتنا من عثرتها قبل أن تلتهمها أمم أخرى ولنا فى التاريخ الحديث عدة أمثلة لدول كانت دون أمتنا حضارياً واستطاعت فى سنوات قليلة أن تكون فى مصاف الدول المتقدمة. إن الحفاظ على لغتنا العربية مطلب تنموى ثقافى علمى تربوى يصب فى هويتنا العربية. ولن يتأتى لنا الحفاظ على لغتنا العربية إلا باستخدامها فى مختلف المناشط وأولها التعليم الجامعى فهو مصنع رجالات الأمة ونسائها إن أدى دوره المنوط به ولن يؤديه بصورة مُرضِيَة إلا بلغتنا العربية رمز هويتنا. إن أى جهد تنموى لن يُفضى إلى أية نتيجة إلا من خلال نسيج مجتمعى متجانس لا مجال فيه إلا للعمل الجاد من جميع أفراد المجتمع ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تعليم جيد للجميع فتعليم القلة والذى يدور فى فلك اللغات الأجنبية لن يُفضى إلا إلى تكريس الفجوة المجتمعية بين طبقات المجتمع والتى تزداد يوماً بعد يوم. تلك الفجوة لا يمكنها أن تصمد فى وجه التخلف الذى نحياه فى شتى الميادين طبقاً لمؤشرات الأممالمتحدة. ولن يتأتى لنا أن نحل هذه القضية إلا من خلال هندسة منظومة المجتمع لتشمل التعليم والإنتاج والخدمات لتصطبغ بلغتنا القومية وذلك بوضع أولويات حقيقية لمختلف روافد التنمية سواء أكانت عطاء أم خدمة والتى هى فى حقيقتها عطاء من نوع آخر فبها يشعر الجميع بالأمن على المستقبل فيزداد عطاؤه وعطاء غيره.