بين أب مطحون وأم تدور فى ساقية العمل ومدرسة لا تقوم بواجبها وإعلام هدفه الحصول على ما فى الجيب ينشأ جيل لا قدوة له ولا قائد. حين تدير مؤشر المذياع أو تأخذ جولة عبر قنواتنا الفضائية يحزنك أن الغث يكاد يلتهم السمين. هذا السمين فى عرفى وعرف البعض غث عند البعض الآخر ولهذا يحاولون اجتثاثه وبحجج مختلفة. ولمن يهرب من هذا وذاك لابد له من أن يحاول أن يجد ضالته فى شبكة الإنترنت ورغم سطحية التناول فى بعض المواقع وعفوية الطرح فيها إلا أن هناك من المواقع ما يستحق الوقوف عنده والاستزادة مما يحتويه من معلومات قيمة. ويبقى أن تناول ما تحتويه تلك المواقع لابد له من عين بصيرة حتى لا يتسرب السم من خلال العسل الذى نتابعه خاصة فى مواقع التواصل الاجتماعى التى باتت بديلاً مطروحاً للعلاقات الاجتماعية بين العائلات بل وبين أفراد الأسرة الواحدة، لأعذار متفاوتة يجمعها ضعف الإرادة وتعصرها عجلة الحياة اليومية بل دوامة الحياة إن صح التعبير. ولنعد إلى دوامة الحياة التى تُبقى من وقت الأب القليل الذى يعطيه لأسرته اجتماعياً، فمع غياب الدور الفاعل للأب قيمياً نجد الأمر يتحول إلى مؤسسة خدمية يقوم الأب فيها بدور الممول وتقوم الأم بإدارة المؤسسة وتفعيل خدماتها، بالإضافة إلى دور مساعد الممول إن كانت تعمل ويقوم الأبناء والبنات فقط بدور المتلقى للخدمة بلا حياة وبلا مشاركة حقيقية فى أمور الأسرة. وبات تناول وجبة طعام سوياً قضية تحتاج لنظر! هذا النمط المتمرد على التقاليد يُفقد الأسرة دورها ولا يجعلنا نبنى على جهود بعضنا البعض لننتج قيماً أفضل أو أداء أقوم! الأسرة بهذا الوضع مع غياب القيم التى اعتادت المدرسة على غرسها فى النشء ومع غياب دور الإعلام الهادف ومع ضيق ذات اليد لأغلب الأسر ومع سرقة الوقت من الممول والمدير لصالح الأيناء والبنات، بهذا الوضع بتنا أسرى ما يبثه الإعلام من قيم سلبية حتى بتنا نسمع عن حوادث الانتحار وعن عقوق الأبناء بل ولفظهم لآبائهم إن فرغ ما فى جيوب الوالدين. القضية تحتاج إلى دراسات ودراسات ينأى عن القيام بها أساتذة الاجتماع والتربية والاقتصاد بل وجميع أساتذة الجامعات التى أضحت مقتادة لا قائدة لمسيرة المجتمع. ويقف المجتمع وحيداً ينعى كل من يملك معولاً لهدم قيمه! بتنا لا نرى تقاطعات المجتمع وتشابكات مشاكله وتطلعاته حتى هبطت قيمنا وهبطت معنوياتنا وبتنا لا نرى إلا خفافيش الظلام التى تقدم المنحرف والسارق والفهلوى والمرتشى والمغنى والراقصة والقواد على أنهم القدوة فى التمثيليات وفى الأفلام وفى الكتب المدرسية بل وفى الواقع. القضية أكبر من أن نتغاضى عنها ونغض الطرف عن تبعاتها لأننا من حيث لا ندرى وأحياناً من حيث ندرى لا نقدم للمجتمع مواطناً صالحاً. هلا هندسنا الأمر ووجدنا نقاط الخلل ونقاط الضعف ونقاط القوة فى منظومتنا القيمية حتى نبنى ولا نهدم من حيث لا ندرى على أحسن الفروض! هلا تدارسنا الهدف من أعمالنا ولا نخلطه بالواجب علينا عمله. تجاذبت الحوار مع البعض حول هدفهم من الحياة فكانت أغلب الإجابات تصب فى تربية الأولاد وضمان حياة رغدة لهم وهالنى ألا أسمع إلا الواجب دون أن يتطرق الغالبية للهدف من أعمالنا بل ومن حياتنا. فى غياب القدوة والإرادة على مختلف المستويات يجب ألا نتعجب من خلط الأوراق التى أضاعت الهدف من بين أيدينا! الأسرة التى اعتدنا على تسميتها الخلية الأولى فى المجتمع باتت فى مهب الريح فكل أفرادها لهم حقوق ولا أحد عليه واجبات. الأسرة تنتحر فى مجتمعاتنا، فهل من منقذ أم أن سيارة الإسعاف التى تصلك فى ثوانٍ معدودة فى لندن سوف تدهمنا وتدهم أسرنا التى لم نستطع أن ندافع عنها فى مقابل السراب. على الأقل فى الغرب هناك نظام بديل، أما هنا فترقيع وترقيع فى أغلب أمورنا فهلا استيقظنا!