يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم: من لى بتربية النساء فإنها: فى الشرق علة ذلك الإخفاق.. الأم مدرسة إذا أعددتها: أعددت شعبًا طيب الأعراق.. وشاعرنا بهذا يضع أيدينا على أحد أهم أسباب التخلف وأحد محاور النهضة، وهو ما يتماس ولكنه يتعارض مع دعوة منظمات الأممالمتحدة فى النفاذ للمجتمع من خلال المرأة.. تشير الأهداف المعلنة للأمم المتحدة إلى أن المساواة بين الجنسين فى كل الأمور وتمكين المرأة هى أحد أهداف المنظمة.. وانطلاقًا من هذا كانت مؤتمرات السكان بدءًا من عام 1975م وحتى بكين عام 1995م وغيرها، وإن كان مؤتمر بكين أشهرها حيث صدرت به خارطة طريق لتحقيق ذلك، رغم معارضة الحبر الأعظم بابا الفاتيكان لبعض البنود ومنها الإجهاض بل ولبعض المصطلحات التى جاءت فى الصياغة، ورغم معارضة بعض المنظمات العربية والغربية لما تمخض عنه المؤتمر إلا أن الانبطاح السياسى لهذه الدول يظل معول هدم لبنيان أسرنا.. بقى أن أشير إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت عام 2000م بيان بكين، كما أن المتابعات لتنفيذ البيان مازالت مستمرة!، وحتى نعرف ما يُحاك للأسرة فلنتذكر إعلان الرئيس الأمريكى أوباما ورئيس الوزراء البريطانى كاميرون باستعدادهم لقطع المعونة عن الدول التى لا تقر حقوق الشواذ والمثليين وثنائى الشذود والمتحولين جنسيًا.. فى مذكرة رئاسية أمريكية تم جعل حقوق تلك الفئات أولوية عالية، كما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون أن هذا الأمر أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية.. ورغم إدانة مندوب نيجيريا المتحدث باسم مجموعة الدول الأفريقية تلك السياسة لأنها تتعارض مع القيم التى ندعمها فى أفريقيا، وما أوضحته مندوبة كينيا فى الأممالمتحدة أن المطلوب مننا صراحة أن نقنن الدعارة والشذوذ، إلا أن الأمور تسير وفق الخطط المعلنة.. والعجيب أنه يُرَوج عالميًا لبرامج الحفاظ على حقوق الشواذ على أنه السبيل لتخفيض نسبة الإصابة بالإيدز، وهو ما تنفيه الإحصاءات فمعدل مرض الإيدز فى الدول الغربية التى تفرض شروطها على الدول الصغرى أصبح خارج السيطرة.. تلك الدول تحاول فرض قيم معينة على الدول الأخرى من خلال الرشوة، والابتزاز والإكراه والخداع وهو ما يطلق عليه الاستلاب الثقافى.. وهناك ضغوط تتعرض لها الدول متلقية المعونات والمساعدات لقبول تعليم الجنس فى المدارس تحت أسماء عدة منها: الصحة الإنجابية فى لعبة العصا والجزرة، فالمعونات مشروطة بقبول تغيير قوانين تلك الدول لصالح تلك الخطط.. وحسب بعض المحللين الأجانب فما يتم ترويجه هو تحطيم لمنظومة الأسرة. ولكن كيف يمكننا أن نحافظ على أسرنا ونحن نسير معصوبى الأعين تجاه قبول كل ما هو غربى؟.. هناك خلل واضح مستشرٍ فى جسد الأمة بخصوص طبيعة العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة، وتناسى الجميع المشكلة وبات البحث العلمى فى علم الاجتماع يعالج قضايا لا تمت للواقع المصرى بأى صلة فى المجمل، رغم أن أساس البحث العلمى هو حل قضايا الوطن! من السهل ملاحظة مظاهر المشكلة المتشابكة من عدم وجود حد أدنى كريم للدخل لكل فرد، كما أن الأمر يتعلق بالكرامة وبالعادات والتقاليد وبأمور اجتماعية عديدة تجعل الأسرة تلفظ أبناءها، وتتقاطع تلك الأمور مع الهجرة من الريف للمدينة ومع قضايا أطفال الشوارع ومع القيم المجتمعية ومع أمور عديدة لابد من معالجتها.. تلك الأمور تجعلك، من على البعد، تظن أننا من خلال سلبية عملنا نروج لسياسات الغرب ولقبول شروطه على أحسن الفروض. لقد كانت منظومة العمل فى العقود السابقة منظومة إفساد وليس فساد، فالراتب لا يكفى وبالتالى إما أن يدور رب الأسرة كالنحلة لتوفير متطلبات الحياة أو أن ينحرف مساره وكلاهما انحراف عن الجادة.. فدوامة العمل يلاحقها سقف مفتوح للهيب الأسعار وسقف مفتوح لما يُعرض أمام النشء ويرفع مستوى طلباتهم بالمواكبة مع ترسيخ قيم البلادة والكسل والركون لحضانة الأسرة، بالإضافة لما يتطلع إليه أهل الغرب! أغلب شبابنا يتطلع لأخذ حضانة الأسرة مع رفاهيات شباب الغرب! لم يتصدَ أحد من باحثينا لتلك المشاكل وبتنا نتنعم فى لهيب التخلف من بحوث أغلبها مدبلج لا تمت للواقع المحلى بصلة! كان الحل المطروح دائمًا هو عمل المرأة ليتضاعف إهمال الأب والأم للأبناء وترك الأمر للمربيات الأجانب أحيانًا متناسين أننا نستورد مربيات آتين من مجتمعات أقل فقرًا وهو ما يرتبط فى الأغلب بغياب القيم الأسرية القويمة، وحتى مع المربيات المصريات فهن من مستويات اجتماعية متدنية اضطرتهن ظروف الحياة إلى أن يعملن فى المنازل.. والنتيجة المتوقعة هى جيل لا يحمل أى قيم قويمة، وغالبية أدبياته تأتى من الإعلام الذى يهدم أغلبه ولا يبنى أو من هؤلاء المربيات.. هذه هى الصورة العامة التى لابد من وجود استثناءات لها.. فنحن لم نُنَظِّر لدور الأسرة وأركانها ومسئوليات وواجبات وحقوق أفرادها، ولم نُوَصِف الأدوار والعلاقات داخل الأسرة وخارجها، ولم نبذل الجهد وركنا إلى السلبية ونزعنا إلى الفردية. إن عدم تنميط أساسيات العلاقة داخل وخارج الأسرة يجرنا جرًا لنمط غير قيمى يهدم الأسرة ويحول المجتمع لأفراد يمكن سوقهم كالقطيع. حين ننظر إلى العلاقات الأسرية داخل أى شريحة من شرائح المجتمع نجد أن الوضع المادى قد طغى على تلك العلاقات بصورة تنتقص من الوضع القيمى لتلك العلاقات.. فى الشريحة المادية العليا للمجتمع نجد أن العلاقات القيمية بين أفراد الأسرة الواحدة تطغى على مختلف العلاقات الأخرى منطلقة من رفض الجميع العباءة الأسرية إلا إذا كانت تمثل إضافة مادية.. وفى الشرائح الدنيا من المجتمع لا تجد سوى علاقات مادية لا علاقة للقيم بها فلا تعليم ولا تربية ولا ثقافة ولا منظومة سليمة سوى مصلحتى الآنية. حين نعلم أن المرأة تعول 33% من الأسر المصرية حسب دراسة للمركز القومى للمرأة، ندرك أن هناك مأساة وليس مشكلة خاصة إذا علمنا أن الكثير من تلك الحالات نتيجة تخلى الرجل عن مسئولياته! وحين نعلم أن العديد من النساء المعيلات يتخلصن من أولادهن إما بالقتل أو البيع، مما أدى إلى زيادة نسبة أطفال الشوارع، ندرك أن القضية أكبر من أن نتغافل عنها.. والنتيجة فى المجمل فتيان وفتيات لا يمكنهم تحمل المسئولية وكل همهم الحقوق الآنية لا الواجبات، بل همهم الأساسى حضانة الأسرة العربية مع رفاهيات شباب الغرب. أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر