علي مدار أكثر من خمسة قرون من الزمان, حار المؤرخون في البحث عن الشخصية الحقيقية للساخر الأعظم جحا, فمنهم من قال إنه أبو الغصن دجين الفزاري, الذي عاش خلال فترة حكم الدولة الأموية, ومات عن نحو تسعين عاما, حتي عاصر خلافة المهدي في الكوفة, ومنهم من قال انه الشيخ نصر الدين خوجه الرومي, الذي عاش في قونية من اعمال اسطنبول التركية, وعاصر حكم المغول لبلاد الأناضول, فلجأ الي السخرية والحيلة, التي لا تخطوئها عين في العديد من قصصه الفكاهية المعروفة, للفكاك من عيون العسس الذين كانوا يسومون الناس سوء العذاب, ومنهم من ذهب أيضا الي أنه أبو نواس البغدادي, احد الندماء المقربين لهارون الرشيد, وشاعره الخاص. وتحفل كتب التراث بالعديد من القصص الساخرة لجحا, لكنها علي سخريتها المريرة, تحمل الكثير من عمق الرؤية وبعد النظر, ومنها ما يروي عنه انه اكتشف ذات يوم ضياع حماره, فأخذ يصيح وهو يسأل الناس: ضاع الحمار والحمد لله, فقيل له: وهل تحمد الله علي ضياع الحمار, قال: نعم فلو أنني كنت أركبه لضعت معه. ويتابع المرء أسلوب تعامل حكومة الدكتور شريف إسماعيل مع العديد من الأزمات التي تضرب البلاد بين حين وآخر, فتشعر انك أمام نموذج مجسد للعديد من نوادر جحا التي تحفل بها كتب الظرفاء في التاريخ العربي, ولعله ليس أدل علي ذلك, أكثر من حالة الطوارئ التي رفعتها الحكومة مؤخرا, للتعاطي مع أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة, بعدما واصلت العديد من مواقع الغش الالكتروني هوايتها الموسمية, بتسريب نماذج الأسئلة وإجاباتها النموذجية, فيما يشبه اللطمات السبع التي وجهها عنتر الي لبلب الفتوة في فيلم شكوكو الشهير. في العام الماضي اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات القانونية للتصدي لظاهرة التسريب التي كانت دائما ما تتم من داخل لجان الامتحانات بعد دقائق من تسليم أوراق الأسئلة, قبل ان توجه مواقع التسريب صفعة قوية هذا العام, بنجاحها في تسريب نماذج الامتحانات قبل بدء عمل اللجان بساعات, وهو ما دفع الحكومة الي تشكيل غرفة عمليات متخصصية لإدارة أزمة التسريب هذا العام, ضمت اليها ممثلين من وزارات التربية والتعليم, والداخلية والاتصالات, للسيطرة علي تداعيات فضيحة كل عام, وكثفت كل جهودها باتجاه ملاحقة مواقع الغش الالكتروني, من دون ان تكلف نفسها بالبحث عن المتسبب الرئيسي في التسريب, وهو شخص يعلم الجميع الآن بما يشبه اليقين, أنه من داخل المجموعة الصغيرة التي تقوم علي تنظيم امتحانات الثانوية العامة, بدء من وضع الأسئلة, وانتهاء بتوزيعها علي اللجان المختلفة في ربوع مصر. تنهك الحكومة نفسها, وتضغط علي أعصاب أجهزتها الأمنية والمعلوماتية, من اجل ملاحقة ذيول الفضيحة, بينما تترك الرأس المدبر, ولعله الآن يجلس مبتسما وهو يقرأ هذه السطور, ويتابع ما تنشره صحف الصباح من فضائح يومية, لعمليات تسريب متواصلة, لم تخل من تحد واضح للحكومة وكافة أجهزتها الأمنية, بعدما سارت علي نهج جحا, عندما فقد ذات ليلة خاتمه داخل البيت, فبحث عنه فلم يجده, فخرج وجعل ينظر أمام الباب, وعندما سأله جاره ماذا تصنع قال: أضعت الخاتم في البيت, فقال له الجار: ولماذا لا تفتش عليه في البيت, أجابه: الظلام حالك في الداخل ولعله قد خرج.