درست الطب وهويت التلاوة وأهل «مطوبس» كانوا يقدموننى للقراءة فى سن صغيرة. زرت أكثر من 100 دولة وتلوت القرآن على الكثير من الملوك والرؤساء. الأجانب كانوا ينصتون لى عند تلاوة القرآن ويبكون. و«بيسيرو» قال لي: «لم أفهم ما قرأت ولكنه مس قلبي». قرأت القرآن على السادات عندما كنت مجندا فى البحرية وآيات من «النمل» جعلته يضمنى للسكرتارية الخاصة برئاسة الجمهورية. القرآن به موسيقى ربانية. وهذه سر علاقتى بعبدالوهاب وارتباطى بمسجد الحسين. الحديث عن رمضان يرتبط دوما بأصوات ندية تلك التى قرأت القرآن تجويدا وترتيلا وذاع صيتها فى المشرق والمغرب ومن بينها صوت القارئ الطبيب أحمد نعينع القارئ الرسمى لرئاسة الجمهورية الذى أُطلق عليه مؤخرا قارئ الملوك والرؤساء. «الأهرام المسائى» التقت الدكتور أحمد نعينع وتحدثت معه عن ذكريات رمضان وبداياته الأولى فى عالم التلاوة وسر علاقته بالرئيس السادات والشيخ مصطفى اسماعيل والدكتور عبدالحليم محمود والموسيقار محمد عبدالوهاب وامتد الحديث لأسفاره وتسجيلاته وفضل القرآن على قارئه ومستمعه وسر ارتباطه بمسجد سيدنا الحسين. ومن هنا كانت بداية الحوار: - فى البداية. ماهى أهم ذكرياتك المرتبطة بشهر رمضان؟ الحقيقة هى ذكريات جميلة حيث كنت طفلا صغيرا فى بلدتى مطوبس بمحافظة كفرالشيخ وكنت أذهب لصلاة التروايح بمسجد سيدى عبدالوهاب ومسجد سيدى على القبائى ويلتف الناس من حولى ليقدمونى لأقرأ عليهم القرآن رغم سنى الصغيرة وكنت مازلت وقتها أتعلم القرآن من مشايخى فى الكتاب. - وماذا يمثل شهر رمضان بالنسبة لك؟ شهر رمضان هو شهر العبادة والصوم والرحمة والمغفرة والعتق من النيران وشهر القرآن ويمثل بالنسبة لى ولكل المسلمين حدثا كبيرا، حيث تجتمع فيه الأسرة يوميا على مائدة الإفطار وهذا مالا يحدث طوال العام. - وهل هناك ارتباط بين حبك للقرآن وبين هذا الشهر؟ نعم لأن رمضان كان يتلألأ بالقرآن وكانت القراءة فيه أكثر من أى شهر آخر وكنت أذهب بعد صلاة التروايح لأسمع القرآن فى الدواوين التى تحيى ليالى رمضان. - لكن رمضان «زمان» كان مختلفا عن اليوم؟ طبعا كان مختلفا وكان له مذاق وروحانيات شديدة جدا وكانت الحياة الاجتماعية أسهل ولم يكن «الريتم» سريعا مثل يومنا هذا. - وهل تتذكر السهرات الرمضانية التى كنا نراها فى رمضان؟ نعم فقد كانت الدواوير فى مصر عامرة بقراءة القرآن وكانت كل عائلة كبيرة تجيب قارئ يقرأ القرآن من بعد صلاة العشاء إلى السحور ويوزعوا الخشاف والبلح والسوبيا والشاى والقهوة لمدة 30 يوم والناس تزور بعض وكل عيلة تذهب لزيارة دوار العائلة الأخرى وكان هنا ود ومحبة. - الحديث عن شهر القرآن يأخذنا لبداياتك مع القراءة كيف كانت؟ بدأت قراءة القرآن فى سن 3 سنوات حيث ذهب بى والدى إلى الكتاب لتعلم وحفظ القرآن وكان صوتى جميلا وكنت أقلد قارئ فى بلدتنا اسمه الشيخ أمين هلالى وتتلمذت على يدى الشيخ أحمد الشوا فى الكتاب ثم تتلمذت قراءة على صوت الشيخ أمين. إلى أن جاء الشيخ مصطفى اسماعيل فى إحدى المناسبات ببلدة مجاورة لنا عام 1960 فذهبت لأستمع إليه وتعلقت بصوته تعلقا كبيرا وأحببت أن أكون مثله وظللت من سنة 60 لسنة 70 أسافر كل بلدة يقرأ فيها القرآن حتى أسمعه وكان أبى يوفر لى وسيلة الانتقال لأنه كان عارف حبى للقراءة. - لكنك درست الطب بعد ذلك؟ نعم فى سنة 70 درست الطب بالإسكندرية وكنت أذهب لمقهى الحاج سعد كل يوم خميس فقد كان فيه تسجيل «فليبس» وكان دائما صاحبها يشغل شرائط الشيخ مصطفى اسماعيل وكنت أشرب المشروب واقعد سهران اليوم كله أسمع لغاية حتى اشبع، فاستغرب صاحب المقهى وقال لى لهذه الدرجة تحب الشيخ مصطفي؟ قلت له: نعم فقالى طيب أبشر هو النهاردة هيقرأ فى حتة اسمها الحارة الواسعة باللبان. - وماذا فعلت؟ ذهبت على الفور إلى هناك ووجدت الشيخ مصطفى وكان يجلس بجواره موسيقار يدعى أحمد خليل كان يعرفنى ودائما يستمع لقراءتى بالمسجد فذهبت وسلمت عليه فعرفنى على الشيخ مصطفى وقال له هذا الشاب يحبك ويقلدك بالظبط. فقرأ الشيخ مصطفى الربع الأول واستمع لى فى الفاصل بين الربعين واعجب بى جدا وأخذ يقلع العمة ويلبسها تقديرا لصوتى وقالى إزاى إنت عرفت النغمة دي. دا أنا معرفتهاش غير على سن الخمسين فقولت له أنا اخذتها منك ومن هنا بدأت اعرف المقامات. ومن يومها ظللت مرافقا للشيخ مصطفى اسماعيل من سنة 70 وحتى 78 أأكل معه وأشرب معه وأنام فى منزله إلى أن توفى على إيدى بغرفة العناية المركزة بمستشفى ناصر. - ولماذا فضلت القراءة على العمل بالطب؟ لم أفضل القراءة على العمل ولا العمل على القراءة وأنا حتى الآن مازلت أمارس مهنة الطب وكنت رئيسا للإدارة الطبية بالمقاولين العرب حتى خرجت على المعاش أما القراءة بالنسبة لى فهى هواية. - وكم كان أول أجر تقاضيته عن قراءتك للقرآن؟ أنا كنت أهوى قراءة القرآن ولا أتقاضى عنها أجرا وكنت أفرح جدا عند القراءة. لكن أول مرة أخدت فيها هدية كانت فى عزاء «سباهي» بالأسكندرية وكان رائد صناعة النسيج فى مصر فبعد القراءة أعطونى قطعة قماش لتفصيلها بدلة لأنى ماكنتش باخد فلوس ففصلتها ودفعت 8 جنيهات تفصيل. - وكم دولة زرتها وقرأت فيها القرآن حول العالم؟ زرت جميع دول الأرض وأذكر أننى زرت فى ألمانيا 52 منطقة فى 26 يوما وزرت أمريكا بولاياتها وكندا والأرجنتين والبرازيل وروسيا وتركيا وإيران وماليزيا واندونيسيا وبروناى وتايلاند وسنغافورة والصين واليابان والهند وباكستان وجنوب إفريقيا وزرت جميع الدول العربية. - هل قرأت القرآن فى الحرم النبوى بالسعودية؟ قرأت القرآن على الحجيج فى مسجد نمرة بالسعودية فى حج 1990 و1991. ومرة واحدة فى الحرم المكى عام 90 وأنا فاكر كويس يوم مسك اللواء محمد عبدالحليم وزارة الداخلية وكان صديقى فاتصلت به من الحرم وهنأته فقال لى «ادعيلى فى الحرم وأوعى تنسي». - لماذا أطلق عليك الناس قارئ الملوك والرؤساء؟ الناس هم من أطلقوا على هذا اللقب ولم أطلقه على نفسى لأننى قرأت القرآن على الرؤساء أنور السادات وحسنى مبارك وكذلك المشير طنطاوى عندما كان رئيسا للمجلس العسكرى ثم محمد مرسى وعدلى منصور وقرأت أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى خمس مرات، كما قرأت أمام الملك الحسن الخامس ملك المغرب والملك محمد السادس ملك المغرب الحالى والملك خالد بن عبدالعزيز وأمير البحرين الراحل والد الأمير الحالى والملك حسين ملك الأردن وولى عهده وملك ماليزيا وملكة تايلاند وقتها ولم تكن مسلمة والرئيس السودانى جعفر نميرى وصدام حسين ومعمر القذافى وعبدالعزيز بوتفليقة وزين العابدين بن على والكثير من الزعماء الآخرين. وأذكر أن الملك الحسن الخامس سمعنى فى الفضائية المصرية عندما انطلقت فى التسعينات وكنت أقرأ وقتها فى قرآن الفجر بمسجد السيدة زينب فطلب من وزير الأوقاف المغربى أن يتصل بى ويدعونى لزيارة المغرب والقراءة فى الدروس الحسنية التى تقام فى القصر الملكى فى أثناء رمضان فقلت لهم إننى ذاهب للبنان فقالوا سنرسل لك التأشيرات وتذاكر الطيران على لبنان وبالفعل حدث ونزلنا ترانزيت فى فرنسا ووجدت السفير المغربى فى استقبالى بقاعة كبار الزوار وأقام لى مأدبة إفطار فى فرنسا. - وماهو سر علاقتك بالرئيس السادات؟ الرئيس السادات سمعنى عندما كنت مجندا فى البحرية وكان هو فى زيارة لنا وكنت ارتدى وقتها الزى البحرى على رصيف 9 وقرأت فى الإذاعة على الهواء رغم أننى لم أكن معتمدا وقتها وسمعنى فى الصيادين بالإسكندرية. وأخذنى الدكتور حمدى السيد فى 18 مارس 79 للقراءة أمام السادات فى دار الحكمة بمناسبة حفل الطبيب الأول فصافحنى بحرارة لأنه كان ذاهبا لكامب ديفيد وقرات أمامه آيات قعدت اختار فيها لمدة شهر. فاخترت آيات من آخر سورة النمل تقول إن هذا القرآن يقص على بنى اسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين وكانت هنالك مقاطعة عربية للسادات فقرأت «إن ربك يقضى بينهم بحكمه وهو العزيز العليم فتوكل على الله إنك على الحق المبين» «إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين» «وما أنت بهادى العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون»، وانتهيت من قراءتى وهممت بالنزول من على المنصة فوجدت السادات فاردا ذراعيه وأخذنى بالأحضان وهذا ما جعل الرئيس يأخذنى فى السكرتارية الخاصة به طبيبا خاصا وقارئا له فى جميع المحافل التى يحضرها وفى وادى الراحة بالعشر الأواخر من رمضان. - إذن السادات هو الذى عينك قارئا رسميا لرئاسة الجمهورية وليس مبارك؟ نعم الرئيس السادات هو الذى أصدر القرار وكنت أعرف الرئيس مبارك منذ أن كان نائبا للرئيس وظل القرار ساريا حتى يومنا هذا. - لكنهم استبعدوك من الرئاسة بعد الثورة؟ من قال هذا. أولا أنا محسوب على كتاب الله وليس على رئيس أو نظام بعينه وأقرأ على الجميع والدليل على ذلك أننى قرات فى أثناء فترة المجلس العسكرى ثم قرأت أمام الرئيس مرسى وأمام الرئيس عدلى منصور وخمس مرات أمام الرئيس السيسي. - أنت امتداد لمن فى القراء؟ الناس يعتبرونى امتدادا للقارئ العظيم الشيخ مصطفى إسماعيل. - ولمن تحب أن تسمع غير الشيخ مصطفى إسماعيل؟ استمع لكثيرين من المشايخ بينهم الشيخ محمد رفعت وأبوالعنين شعيشع وعبدالباسط عبدالصمد وعبدالفتاح الشعشاعى وكامل يوسف البهتيمى ومحمد صديق المنشاوى ومحمود خليل الحصري. - وما فضل المستمع إلى القرآن؟ المستمع للقرآن تحفه الملائكة فإذا قرئ القرآن طريا نديا كما نزل على سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فكل حرف من القرآن موكل به ملك فإذا قرئ كما أنزله الله تنزلت الملائكة على كل حرف فيه وغشيت المكان السكينة والرحمة. - وهل تتفق مع من يقول إن القرآن به موسيقى ربانية؟ نعم وبه أيضا موسيقى داخلية وانظر إلى الآيات وجمالها وتناسقها ستجد ذلك موجودا فيها. - ولماذا أصبحنا نفتقد الآن لقامات كبيرة فى التلاوة أمثال الشيخ محمد رفعت ومصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد ومحمد صديق المنشاوي؟ لأن من يقرأون الآن هم مقلدين لبعضهم البعض ويقرأون بطريقة واحدة ولا تجد هناك إبداعا. - الحديث عن الموسيقى يأخذنا لسؤال حول سر علاقتك بالموسيقار محمد عبدالوهاب؟ سر العلاقة أننى كنت موجودا فى مسجد المرسى أبوالعباس سنة 81 وأقرأ القرآن على الهواء فسمعنى وقتها عبدالوهاب فأرسل لى لمقابلته وذهبت إليه وقرأت أمامه لمدة ساعتين فتعاقد معى لتسجيل شرائط لشركته صوت الفن حوالى 30 ساعة وظللت معه إلى أن توفاه الله. وبمناسبة الحديث عن التسجيلات أنا سجلت المصحف المرتل كاملا فى 31 ساعة والمجود كاملا فى 80 ساعة وأهديتهما إلى مكتبة الإذاعة المصرية غير الحفلات والتسجيلات المتفرقة. - وماذا عن علاقتك بالدكتور عبدالحليم محمود؟ الدكتور عبدالحليم محمود عرفنى بمسجد سيدى على السماك بالإسكندرية وأنا كنت أقرا فيه من سنة 1970 لسنة 1980 فاستمع لى وجمعتنا صداقة كبيرة لطالب مع أستاذه وهو الذى كان حاضرا أثناء حفل للبحرية المصرية ووقتها اعترض مسئولو الإذاعة على قراءتى للقرآن على الهواء حيث كنت مجندا ولست معتمدا لديهم فقال لهم اتركوه يقرأ على مسئوليتى الشخصية وبالفعل تركونى أقرأ. - وماهو سر ارتباطك بمسجد سيدنا الحسين؟ عندما توفى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد عام 1988 كنا فى عزاه وكان يوم خميس وكان هو دائما ما يقرأ القرآن فى سيدنا الحسين يوم الجمعة فوجدت الدكتور محمد على محجوب وكان وزيرا للأوقاف وقتها يقول لى توكل على الله بكرة على سيدنا الحسين عشان تقرأ هناك وظللت أقرأ حتى يومنا هذا.