ما ان بدأ فتح ملفات الفساد السياسي في مصر حتي تعالت أصوات من فئات عدة تطالب بتطهير المؤسسات التي ارتبط المسئولون عنها برموز سياسية ولم يكن المثقفون بعيدين تماما عن المشهد, وعلي الرغم من بطء تحركاتهم الا ان جماعة منهم التحقت مؤخرا بقطار التطهير لتطلق مبادرة للمطالبة بمحاسبة الفاسدين واعادة هيكلة المؤسسات الثقافية ومن بينها مكتبة الاسكندرية التي ظلت كيانا غامضا تقر به يد المراجعة او المحاسبة طوال السنوات الماضية. فالمكتبة التي تم انشاؤها بقرار جمهوري ثم قانون منظم عام2001 جعلها تابعة لمؤسسة الرئاسة مباشرة حملت نشأتها للمثقفين المصريين وعودا عريضة يلخصها الشاعر السكندري عبدالرحيم يوسف بقوله: منذ علت الاصوات المطالبة باعادة انشاء مكتبة الاسكندرية في ثمانينات القرن الماضي تكونت لدينا آمال عريضة بوجود كيان ثقافي ضخم تتحقق من خلاله احلامنا في نهضة ثقافية وعلمية تخدم مصر وتجعلها مركزا حضاريا كما كانت قبل قرون خاصة ان الحالة الثقافية في الاسكندرية علي نشاطها كانت لاتلبي طموحات الشباب السكندري. إلا ان افتتاح المكتبة لم يحمل لنا سوي الصدمة تلو الاخري هذه الصدمات التي يفصلها عبد الرحيم يوسف يمكن تلخيصها في احتكار الانشطة في يد عدد من المسئولين في المكتبة وخص منهم بالذكر المايسترو شريف محيي الدين مدير مركز الفنون التابع للمكتبة والذي ابدي استهانة بشباب المبدعين في الاسكندرية في حوادث متفرقة حسبما يذكر الشاعر السكندري عضو( ائتلاف فناني ومثقفي مصر) الذي اطلق حملة لمحاسبة الفاسدين في المكتبة واعادة هيكلة العمل بها. ومن الانتقادات التي يوجهها عبد الرحيم يوسف للعمل بالمكتبة ان الانشطة فيها لم تخرج عن المنهج الاحتفالي الذي تعتمده وزارة الثقافة, رغم ان المكتبة لاتخضع لسلطة الوزارة حتي انها تحولت الي فندق ضخم يقدم انشطته وخدماته للصفوة علي حد وصفه. مضيفا ان الانشطة في المكتبة تعمد للانفصال عن الجمهور العام, ويذكر عبد الرحيم يوسف واقعة الغاء المهرجان الموسيقي في البلازا الذي كان قبلة محبي الموسيقي في الاسكندرية لمدة عامين اقيم خلالهما قبل توقفه نافيا ان الائتلاف يغفل البعد الدولي للمكتبة مضيفا ان الهدف الرئيسي هو تحويل مكتبة الاسكندرية الي فاعل ثقافي حقيقي في مصر لا الاسكندرية وحدها بعد ان صارت صلتها بالمشهد الثقافي المصري منحصرة في ندوات ومؤتمرات نخبوبة لاتتواصل مع الجمهور او مع المشهد الثقافي الاوسع خارج الاسماء الاكثر شهرة. الكاتب السكندري ابراهيم عبد المجيد حرص علي أن يؤكد انه لايتابع نشاط المكتبة الا عبر المنشور في الصحف وعلي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك مؤكدا ان صلته بالمكتبة تقتصر علي ندوة او موتمر يحضرهما من حين لآخر خلال زياراته المتباعدة لمسقط رأسه في الاسكندرية. الا ان له ملاحظات عدة علي الاداء الثقافي للمكتبة لكونها تتواصل مع النخبة الا انه يحمل تصورات لمستقبل المكتبة تتصل باجراء حوار حقيقي بين المسئولين فيها وبين الجماعة المثقفة في الاسكندرية وخارجها خاصة وان الشباب يحملون من الطموحات والافكار الكثير. مضيفا ان الثورة التي قام بها الشباب قبل ان تلتحق بهم طوائف المجتمع الأخري تشهد بأن لدي هذا الجيل الكثير مما يمكن ان يقدمه من أجل تطور ثقافي حقيقي في المشهد المصري والعربي وان علي المؤسسات الكبري ذات الامكانات الواسعة ومنها المكتبة ان تلتفت لتصورات هؤلاء الشباب وافكارهم التي تعد بالكثير. ويؤكد ابراهيم عبد المجيد دعمه للمطالبات الذاهبة الي التغيير الفوري للقانون المنظم لعمل المكتبة والذي يجعلها خارج اطار المحاسبة والمراقبة لتبعيتها لمؤسسة الرئاسة متمنيا ان تراجع ادارة المكتبة ومستشاروها القوانين الدولية لايجاد مخرج يوفره القانون الدولي يدعمها في تنفيذ المطالب الشعبية بوقف التطبيع مع اسرائيل ويقول صاحب( لا احد ينام في الاسكندرية): طبيعة ادارة المكتبة التي تجعل اليد العليا لمجلس امنائها الذي يضم العديد من الشخصيات الغربية يصعب من مهمة وقف الانشطة التطبيعية, الا ان القانون الدولي يوفر مخارج عدة من خلال اعطاء الحق لاي دولة او مؤسسة بعدم التعاون مع الدولة التي تحتل اراضي الغير وهو مايتحقق في حالة اسرائيل فلماذا لاتراجع المكتبة موقفها استجابة للارادة الوطنية التي فرضها المشهد الثقافي المصري لسنوات وأصر عليها؟. ويضيف ابراهيم عبد المجيد ان المكتبة صار منوطا بها الآن دور مهم في توثيق احداث الثورة وتسجيلها من خلال صناعها الحقيقيين مشيرا الي الفضيحة التي تفجرت الاسبوع الماضي عندما استضافت المكتبة مجموعة من شباب جمعية جيل المستقبل المتصلة بالحزب الوطني باعتبارهم من شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير. الا انهم توجهوا للجمهور بخطاب مغاير لقيم واهداف الثورة مما استدعي ثورة داخل قاعة المؤتمر الذي استمر لثلاثة ايام مع مقاطعة جماهيرية شبه تامة. النقطة ذاتها يثيرها الكاتب أحمد بهاء الدين شعبان احد اهم الناشطين في مجال مقاومة التطبيع الذي يقول: المكتبة تمتعت بحماية مؤسسة الرئاسة التي كانت تدعم التطبيع بكل قوة في مخالفة واضحة للارادة الشعبية المصرية وجعلت من هذه المؤسسة الثقافية التي كان يفترض فيها خدمة الشعب المصري بوابة لتلميع وجه هذه المؤسسة دوليا بصرف النظر عن الارادة الشعبية. لهذا فيجب علي المكتبة ان تراجع الآن هذه السياسة خاصة ان المؤسسة التي كانت تحمي هذه الممارسات قد سقطت لانها كانت ممثلة لأسرة حاكمة لا لمؤسسة رسمية وطنية. فمع رحيل السيدة سوزان مبارك زوجة الرئيس السابق لم تعد هناك يد تدير المكتبة وفق هواها ويجب الا تخضع المكتبة الا لسلطة القانون والدستور ومن غير المقبول ان تقوم مؤسسة علي ارض مصرية وترفض وفقا لقانونها ان تخضع للقوانين المصرية. ويري بهاء الدين شعبان ان اعادة صياغة القانون المنظم للمكتبة هو ضرورة وقتية يجب التعجيل بها تمهيدا لأن تعود هذه المؤسسة لدورها الوطني كما يأمل الناشط فيالحركة الشعبية لمقاومة التطبيع في ان تدعم المكتبة الثقافة الفلسطينية الواقعة تحت الحصار والتي يجري سرقتها بشكل منظم ونسبتها للمحتل الاسرائيلي. الفنان التشكيلي السكندري علي عاشور أكد انه حرص منذ قيام المكتبة علي الابتعاد التام عن انشطتها لكونها تتخذ صبغة احتفالية جعلتها غير فاعلة في المشهد الثقافي السكندري والمصري بشكل عام. بالاضافة لرفضه التعامل مع مؤسسة تدعم التطبيع مع( الكيان الصهيوني) علي حد قوله. قائلا ان المكتبة لم تخرج في السنوات التسع التي عملت فيها رسميا عن كونها فاترينة لتلميع وجه النظام. وحول رؤيته لمستقبل المكتبة يري عاشور ان استقلال مجلس الامناء يتم اختياره عبر ترشيحات دولية وتصويت من المثقفين والكتاب والفنانين سيضمن وجود استقلال حقيقي للمكتبة لتكون معبرة عن صوت الشعوب لا الحكومات, بالاضافة لوضع برنامج جديد للعمل تعاد فيه صياغة الاهداف والاولويات التي تقوم المكتبة علي تحقيقها. بالاضافة لاعادة تشكيل الهيئة المشرفة علي المكتبة وتخليصها من المستفيدين وان يتم وضع رؤية للعمل قائمة علي حوار حقيقي بين التنفيديين والمثقفين والاينفرد التنفيذيون بالقرار. وذلك وصولا لان تكون المكتبة جهة خدمية ثقافية حقيقية ولا تكون مكانا يجمع النخبة وتنظم فيه سياحة المؤتمرات. ولاتختلف تحفظات الصحفي والناشط السكندري محمد فرج عما قاله ابراهيم عبد المجيد وعبد الرحيم يوسف وعلي عاشور من كون انشطة المكتبة كانت منذ البداية احتفالية ولاتخدم الثقافة بشكل حقيقي. ويحمل تصور محمد فرج لمستقبل المكتبة رغبة في ان تقيم المكتبة جسور تواصل حقيقية مع غيرها من المؤسسات الثقافية العاملة داخل الاسكندرية او خارجها, بالاضافة لاقامة شراكة حقيقية مع المؤسسات الثقافية الدولية التي تتصل بها المكتبة ووضع تلك الامكانات جميعا في خدمة زوارها وباحقيها.