لأننا في مصر علينا أن نطرح كل حسابات المنطق وأحكام العقل جانبا وندرك أننا نحلق خارج السرب، نمر بمراحل تجاوزتها غالبية دول العالم منذ عقود، ونعيش وفق قواعد وقوانين وضعها أفراد لخدمة مصالحهم وضرب منافسيهم والتنكيل بأعدائهم بصرف النظر عن كون هذه القوانين والأعراف لا تتسق وأدني درجات التحضر والمدنية بل والإنسانية. مصر التي تعاني اضطراب الهوية السياسية، والتي تحيا علي خليط من القوانين الليبرالية والاشتراكية والرأسمالية والدينية، باتت بلا شكل واضح ولا سمة مميزة، كل القوانين تخدم واضعها، وكل السلطات تخضع لرئيسها، وكل رئيس يدرك أنه سيحكم حتي آخر نفس، وعليه أن يدرك أن حسابه لن يكون في الدنيا. كان قرارا متأخرا جدا، ذلك الذي أصدره الرئيس مبارك قبل أيام بطرح الأراضي المملوكة للدولة بنظام حق الانتفاع ومؤهلا للانضمام إلي قائمة طويلة من القرارات والتدخلات الرئاسية التي تأتي بعد فوات الأوان، فالقرار متأخر لدرجة أن تطبيقه سيكون علي أضيق الحدود لأنه ببساطة لم تعد هناك أراض مملوكة للدولة، بعد سنوات باعت فيها الحكومة كل ما وقعت عليه أعينها، وبعد سنوات ضاعت فيها أصوات المعارضين، مطالبة باتباع نظام الانتفاع الذي يضمن للدولة موارد مالية حالية، كما يضمن عودة الأرض إليها في المستقبل لتكون ملكا للأجيال المقبلة عسي أن تجد شيئا يعينها علي الحياة. لكن كالعادة اتخذ الرئيس قراره عندما أراد ذلك وعندما يئس العقلاء من المطالبة ليثبت للجميع أن أحدا لا يمكنه لي ذراعه أو مزاحمته في سلطاته، وهو ما عبر عنه بوضوح وصراحة يحسد عليها الدكتور علي الدين هلال - أمين الإعلام بالحزب الوطني الحاكم - عندما كشف عن أن الرئيس حسني مبارك رفض الاستماع لحمدي خليفة - نقيب المحامين -، في أزمة المحامين والقضاة أثناء اجتماعه بأعضاء مجلس الشوري، وأكد هلال أن مبارك هو من يحدد الوقت الذي يتدخّل فيه لحسم القضايا، كما يختار طريقة التدخل سواء كانت علنية أو سرية. ما قاله وزير الشباب السابق الذي يعد أحد الكوادر التاريخية للحزب يكشف عن حقيقة يعلمها الجميع هي أن الرئيس مبارك يتدخل عندما يريد أن يتدخل لا عندما يطالبه الناس بأن يتدخل، لكن أحدا من أقطاب النظام الحاكم لم يجرؤ علي التصريح بذلك قبل أن يفعل هلال ربما بتوجيهات من الرئيس نفسه. لا سيما أن أزمة القضاة والمحامين مؤهلة حاليا وأكثر من أي وقت مضي للانضمام إلي التدخلات المتأخرة بعد أن اقتربت من الوصول إلي نقطة اللاعودة في ظل حالة العند التي تتملك جناحي العدالة. المفترض في كل كيانات العالم التي تطلق علي نفسها لقب «دول» أن تكون هناك مؤسسات تحكم ووزارات تخطط ومجالس نيابية تراقب ومؤسسات مدنية تعمل ثم في النهاية يجلس رئيس علي قمة الهرم يتابع ويفصل بين السلطات وينظم علاقات الدولة بغيرها من الدول، ولكن في مصر الوضع مختلف ومقلوب تماما. فالرئيس هو الهرم نفسه بينما تتناثر حوله أحجار صغيرة دورها أن تبرز جمال وضخامة الهرم. تملأ الحكومة الأرض فسادا ثم يظهر الرئيس ليعلن عملية التطهير.. يفرض الوزراء الضرائب ويرفعون الأسعار ثم ينتصر الرئيس للمواطن محدود الدخل.. يقتل أفراد الأمن الشباب في أقسام الشرطة فيصدر الرئيس توجيهاته بمحاسبتهم. لكن مفارقتين شديدتي الغرابة في هذه القضية، أولاهما أن الرئيس لا يحاسب المسئولين الكبار الذين وصلوا بالأمور إلي مرحلة التفاقم قبل تدخله، وإن كانت هناك محاسبة فتكون لصغار المسئولين ممن يصلحون كأكباش لفداء كبار النظام الذين لا يتركون أماكنهم ويمارسون عملهم حتي تصدر توجيهات جديدة أو يشكلون خطرا علي بقاء النظام، وقتها يحين وقت التخلص منهم. أما المفارقة الثانية فتتمثل في أن المسئولية لا تقترب أبدا من قصر العروبة الذي يسكنه الرئيس الذي اختار المسئولين الذين أساءوا استخدام سلطتهم أو فشلوا في أداء الدور المكلفين به. هاتان الإشكاليتان تؤكدان عمق الأزمة النفسية التي تعيشها مصر، بين النظر للرئيس علي أنه أب لا يخطئ ويسامحه الجميع إذا قسا علي أولاده، وبين حقيقة أنه الممثل الحقيقي والوحيد للنظام وما دونه يأتي ويروح. تدخل الرئيس ومطالبته بوقفة حاسمة ضد نواب العلاج علي نفقة الدولة أنهي حالة من التسويف والتعتيم علي القضية، فبدأت إجراءات محاسبتهم أمام النيابات والمحاكم، كما قضت توجيهاته علي محاولات إنقاذ مخبري قسم سيدي جابر من العقاب بعد اتهامهما بقتل الشاب السكندري خالد سعيد وتم تحويلهما للمحاكمة أمام الجنايات، وكذلك تدخل الرئيس مبارك لإنصاف الطالبة آلاء التي تم إلغاء امتحانها لمجرد أنها كتبت رأيها بصراحة في موضوع تعبير، إذ أمر مبارك بمراجعة ورقة إجابتها فلم يكن أمام مسئولي التعليم الذين تمسكوا بموقفهم واستأسدوا في مواجهة أسرة الطالبة البسيطة سوي السمع والطاعة! الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يري أن الأزمة الحقيقية التي تؤدي إلي تدخل الرئيس ترجع إلي الفشل الذي يلاحق أداء النظام غالبا، لذلك يحاول الرئيس أن يصحح الأخطاء في اللحظات الأخيرة بعد أن يدرك أن الأمور وصلت إلي طريق مسدود، معربا عن اعتقاده أن الموضوع ليس له علاقة بالرغبة في الظهور لكنه نتيجة طبيعية لاختيار مجموعة من عديمي الكفاءة في مواقع مهمة يخطئون طوال الوقت، وإذا كانت هذه الأخطاء لا تهدد بقاء النظام كأن تؤدي إلي وفاة مصريين أو حدوث أزمات اقتصادية أو انهيار التعليم والصحة يتم التغاضي عنها ومسامحة المقصرين ولا تكون هناك أزمة. أما إذا تسببت الأزمة في تهديد النظام بشكل مباشر هنا يكون التدخل قوياً وحاسماً وإن كانت المحاسبة أيضا في هذه الحالة لا تطال المناصب الكبري وتكون علي نطاق ضيق، ويستشهد الشوبكي هنا بحالة وفاة الشاب خالد سعيد علي يد بعض أفراد الشرطة، والتي تسببت في ردود أفعال قوية داخلية وخارجية أدت إلي إحراج النظام، لذلك أعطي الرئيس توجيهاته فورا بمحاسبة المخبرين، كذلك موضوع بيع أراضي الدولة الذي كان وصل إلي مرحلة السخط العام من التفريط في الأراضي بسهولة وبثمن بخس أوجب تدخل الرئيس لإنهاء هذه الحالة حتي لو كان تدخلا متأخراً فنتائجه حتما ستكون أفضل من ترك الأمور تسوء إلي ما لا نهاية. ويضيف الخبير بمركز الأهرام أن تدخلات الرئيس مبارك تكون دوافعها إنقاذ المنظومة وليس بناء علي رغبة حقيقية في إصلاح الوضع السيئ، والقاعدة في مصر هي عدم محاسبة أي مخطئ علي جرم ارتكبه في حق الشعب أو في حق الوطن، فإذا كانت محاسبة مسئول ما ضرورة للحفاظ علي أمن النظام واستقراره واستمراره كان بها وإن لم يكن كذلك تمر المخالفات مرور الكرام ويكتفي الرئيس بالتدخل الوقتي لإصلاح الوضع القائم دون التنقيب في أخطاء الماضي، ويشير إلي عدم محاسبة أو محاكمة أي من أقطاب النظام طوال الثلاثين عاما الماضية، بينما تتركز المحاسبة علي مجموعة من صغار الموظفين والمسئولين قليلي ومتوسطي الشهرة رغم كم الأخطاء التي ارتكبت طوال هذه الفترة، بل علي العكس هناك مسئولون ثبت تجاوزهم ومخالفتهم وعلي الرغم من ذلك تمت ترقية بعضهم، فحتي محاسبة الفساد في مصر فساد في حد ذاتها ! ويختتم الدكتور عمرو الشوبكي حديثه بالقول «إن الدعاية الإعلامية والثقافة السياسية الموجودة في مصر لا تحمل الرئيس مسئولية المخالفات، وظلت الأمور لفترة طويلة تسير في اتجاه أن المشكلة في بطانة الرئيس والمحيطين به والوزراء والمسئولين وليست في الرئيس نفسه، لكن هذا الوضع تغير نسبيا في الفترة الأخيرة ليدرك قطاع عريض من المصريين علي استحياء أن الرئيس مسئول بدوره ولو حتي لمسئوليه عن الاختيار، لكن هذا الأمر يصبح بلا جدوي في ظل عدم وجود أي آلية لمساءلة رئيس الجمهورية». لا تستغرب كثيرا إذا وجدت الرئيس يصدر توجيهاته في مسائل لا تستحق أبدا أن يتدخل الرئيس لحلها، ويجب أن تحلها جهات وأشخاص مبرر وجودهم علي مقاعدهم أن يتصرفوا في هذه القضايا البسيطة تاركين لمقام الرئاسة الرفيع عظائم الأمور. فإبان الأزمة التي اشتعلت علي خلفية هروب عصام الحضري حارس مرمي منتخب مصر للاحتراف في نادي سيون السويسري تاركا فريقه - الأهلي - في منتصف الموسم، أصدر الرئيس مبارك توجيهاته لسمير زاهر رئيس اتحاد الكرة بالتوصل لحل ودي في أزمة الحضري. وكان الحضري قد طلب من الرئيس أثناء تكريمه المنتخب بعد حصوله علي لقب البطولة الأفريقية في 2008، التدخل لحل القضية بشكل ودي دون أن يتأثر مستقبله، بعد أن أدرك خطأه ووضع نفسه تحت تصرف ناديه. أي نعم تصريح الرئيس لم يترجم لخطوات فعلية بدليل أن الأهلي رفع قضية ضد الحضري أمام المحكمة الرياضية ما زالت منظورة حتي وقتنا هذا ولم يتم حلها بشكل ودي كما طلب الرئيس، لكن تدخل الرئيس بنفسه في أزمة مثل هذه كان شيئا غريبا وإن لم يكن مستغربا في ظل حرص النظام علي تسويق الانتصارات الرياضية كأحد إنجازاته ومن ثم أحد مبررات استمراره ودعائم استقراره. كذلك خرج المهندس علاء فهمي بتصريح غريب بعد اجتماع وزاري ترأسه مبارك أكد خلاله أن الرئيس أعطي توجيهاته بسرعة حل أزمة المرور التي تفاقمت بشدة في القاهرة الكبري، وقال فهمي إن الرئيس مبارك أمر بضرورة الإسراع باتخاذ عدد من التدابير اللازمة لتخفيف حدة الكثافة المرورية بالقاهرة الكبري، بما في ذلك دراسة إنشاء محور أوسط يربط ما بين الطريق الإقليمي الذي يجري إنشاؤه حاليا، وبين الطريق الدائري، مع الاهتمام بزيادة وتحسين كفاءة وقدرة مشروعات النقل الجماعي، سواء عبر الحافلات، أو شبكة مترو الأنفاق، والمترو السطحي. الغرابة هنا لها سببان أولهما أن تحرك وزير النقل والسلطات المختصة لحل أزمة المرور لا يحتاج إلي توجيهات الرئيس شخصيا، لكنها ضرورة توجبها مقتضيات منصب وزير النقل والمسئولين عن المرور الذين طبعا لاحظوا الأزمة الحقيقية في طرق مصر قبل الرئيس باعتبار هذا عملهم المباشر الذي عينهم فيه الرئيس ليوجه نشاطه وطاقته لقضايا أعمق وأهم. أما الوجه الثاني للاستغراب فما نقله وزير النقل عن الرئيس يعكس وجهة نظر فنية هندسية بحتة. وناهيك عن أن هذا التدخل متأخر جدا لكونه جاء بعدما اختنقت واشتبكت طرق مصر وشوارعها بملايين السيارات والمركبات بصورة تراكمية، إلا أن شيئا لم يتغير أيضا منذ صدور هذه التوجيهات، فلا أزمة المرور تم حلها ولا حتي ظهرت مؤشرات تؤكد اقترابها من الحل! الدكتور حسن نافعة - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة - يري أن الوضع القائم في مصر حاليا غير صحي إطلاقا، فالسلطات التي يتمتع بها الرئيس عندنا تبدو مطلقة وبلا حدود ولا تعادلها أي سلطات أخري حتي في النظم الشمولية والأكثر استبدادا في العالم، فحتي في دولة مثل كوريا الشمالية يلعب الحزب الحاكم والأيديولوجيا دورا ما في حكم البلاد لكن في مصر سلطة الرئيس لا تحدها أي عقبات أو عراقيل لا أيديولوجية ولا غيرها، إذ يستطيع أن يقرر داخل الحزب ما يشاء ويحكم كيفما يشاء دون أن يراجعه أحد. ويضيف نافعة أن النظام السياسي المصري يرتفع بالرئيس إلي درجة الأنبياء المنزهين عن الخطأ والتقصير، لذلك يتم الإيحاء دائما بأن الرئيس ليس مسئولا عن الخطأ وأنه فقط يتدخل لإصلاحه وحل الأزمات التي تعجز أمامها الحكومة، وهذا أمر غريب جدا لأنه في واقع الأمر الحكومة لا تتحرك إلا بتعليمات مباشرة من رئيس الدولة، فهو الذي يرسم السياسة العامة لكل شيء والحكومة مجرد جهة تنفيذ وليست طرفا سياسيا، لذلك عندما يقال إن الرئيس أصدر تعليماته وتوجيهاته بأن يلغي قرارا ثبت أنه فاسد وغير صالح كما حدث مثلا في موضوع أرض جزيرة آمون، عندما ألغي الرئيس البيع ولكن دون أن يحاسب وزير الإسكان أو يقيله رغم أنه المسئول المباشر عن جميع المخالفات. ويشير أستاذ العلوم السياسية إلي أن المقصود من هذا التدخل في الغالب تعمق فكرة أن الرئيس هو المسئول عن الحلول فقط وليس مسئولا عن المشاكل والأزمات، وهي حالة شديدة الخصوصية بالنسبة للنظام المصري، معربا عن قناعته بأن الرئيس هو المسئول وهو الذي يجب أن يوجه إليه اللوم ومحاولة تبرئته من المسئولية عن الأزمات والبحث عن مسئول آخر مشهد عبثي لا علاقة له بما يجري علي أرض الواقع. وعن التوقيت الذي يختاره الرئيس مبارك للتدخل وإصدار التوجيهات والتعليمات والقرار يقول نافعة: أنه من خلال مراجعة الحالات السابقة نصل إلي أن الرئيس يتدخل عندما يجد أن الرأي العام بدأ في الاهتمام بقضية كبري أو إذا بدأت رائحة الفساد تفوح بشدة وتهدد موقع الرئاسة نفسه ونظام الحكم فيتم الفصل في هذه الحالة بين أداء الحكومة وأداء الرئيس ويبدو الرئيس كمقدم للحلول بينما الحكومة وكأنها هي التي تقدم المشاكل وينسي الجميع أن الرئيس هو الذي اختار هذه الحكومة وهو القادر علي تغييرها وقتما يشاء وهؤلاء المسئولون قليلو الكفاءة وهي مسئولية في حد ذاتها، إضافة إلي أنه أيضا يضع السياسات التي تنفذها الحكومة، وأن شلل النظام نابع من استمرار الرئيس في الحكم مدي الحياة وحدوث حالة من الانسداد السياسي والفساد المجتمعي نتيجة ذلك، فضلا عن أن أهم معايير اختيار المسئول في ظل النظام الحالي ضعف شخصيته ومدي قدرته علي تنفيذ الأوامر وعدم قدرته علي قول «لا». من أهم القرارات المتأخرة التي اتخذها الرئيس مبارك كان قراره بفتح معبر لأجل غير مسمي لإدخال المعونات الإنسانية والطبية اللازمة إلي قطاع غزة واستقبال الحالات الإنسانية والجرحي والمرضي التي تتطلب عبورها إلي الأراضي المصرية بحسب توصيف وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، هذا القرار علي أهميته اتخذه الرئيس بعد قيام إسرائيل بمهاجمة أسطول الحرية وقتل عدد من النشطاء المرافقين له لمنع السفن من الوصول إلي القطاع. وقتها اتجهت أنظار العالم العربي والإسلامي إلي تركيا التي ضحت بمواطنيها من أجل توصيل المساعدات إلي القطاع الآخر، ولكي لا تغيب مصر عن المشهد في ظل انبهار العالم بالشجاعة التركية اتخذ الرئيس قراره بفتح المعبر مطلع شهر يونيو الفائت. لكن القرار جاء متأخرا جدا وفي وقت خفتت فيه المطالبات بفتحه إما يأسا من استجابة النظام المصري لهذا المطلب أو رغبة في البحث عن طريقة أخري لدعم الأشقاء، فبعد قيام إسرائيل بالعدوان الوحشي علي غزة وقتل المئات من النساء والأطفال العزل طالب الجميع مصر بفتح معبر رفح لأجل غير مسمي لاستقبال الجرحي وإدخال المساعدات. هنا انطلقت أبواق النظام سبا في كل من يطلب بفتح المعبر مع بعض اتهامات الخيانة والدفع بالوطن إلي الخطر، وتحجج الجميع بوجود اتفاقات تمنع مصر من فتح المعبر دون موافقة إسرائيل، وبات الفلسطينيون بين شقي رحي، طائرات تقصفهم ودبابات تهرسهم إلي جانب حدود مغلقة وعجز حتي عن مداواة الجرحي، لكن كل هذا لم يدفع النظام المصري إلي الاستجابة لصرخات العالمين العربي والإسلامي وحتي الداخل المصري واستمر في العند حتي جاء له «مزاجه» وقرر فتح المعبر ربما رغبة في الحصول علي جزء من كعكة التلميع الإعلامي التي استحوذت عليها تركيا، وخوفا من سحب الملفات الإقليمية المهمة من القاهرة إلي أسطنبول وطهران ودمشق والدوحة. «تدخل الرئيس ليس رغبة منه في الظهور في ثوب البطل، لكنه اعتراف بعجز الدولة عن تسيير أمورها، وكثرة الفساد الذي تغلغل في ربوعها» هكذا علق عبد الغفار شكر - القيادي بحزب التجمع - علي مسألة التدخل المتأخر للرئيس، مضيفا أن مصر لا تعرف شيئا عن دولة المؤسسات التي تدار بطريقة ذاتية وآلية لا بتدخلات وتوجيهات فوقية، وأن الرئيس عندما يدرك أن مسئوليه فشلوا تماما في التعامل مع الأزمة يتدخل شخصيا كورقة أخيرة خوفاً من تصاعد غضب الشارع، الذي يقتنع غالبا بأن الحكومة فاسدة ومفسدة وأن الرئيس وحده المخلص الذي يملك الحلول. وشدد شكر علي أن الرئيس منذ البداية نحي المؤسسات جانبا وقرر أن يدير الدولة كما يري، مستعينا في ذلك ببعض الموظفين والمنفذين الذين لا يحق لهم التفكير أو التخطيط بل ينحصر دورهم في تنفيذ توجيهات السيد الرئيس دون أن يجدوا أي غضاضة في ذلك، مشيرا إلي أن الحل الوحيد أن تقوم علي المؤسسات التي يمكن محاسبتها علي الأخطاء والتقصير لكي لا تكون كيانا هشا يتأثر كليا بتغيير رئيسه.