هل حقا أن الشك يحيي الغرام كما تقول الست.. أتراه فضيلة أم خطيئة كبري.. يختلف علماء النفس وكذلك الفلاسفة كثيرا في تفسير الأمر.. لكنهم يتفقون علي أن الحياة اجتماعيا تبقي مستحيلة عند أي شخص يشك في كل شيء حوله.. حتي في أفعاله نفسها.. الفيلسوف رينيه ديكارت لا سامحه الله كان في ظني هو أول من ألقي بحجر الشك في مياهنا الراكدة وأورثنا همه علي الدوام مع أنه هو لم يتحمل طريقة تفكيره هذه فأراح نفسه وأراحنا حين قال أنا أشك إذن أنا أفكر.. أنا أفكر إذن أنا موجود.. فقد كان الرجل يشك كثيرا.. ويقول إن الإنسان يجب أن يشك ولو لمرة واحدة في حياته لكي تتأكد له حقيقة وجوده وقد كان هذا دافعه للشك المنهجي الذي توصل به إلي ما يشبه اليقين علي حد زعمه.. يري ديكارت أن كل ما تلقاه وأدركه ووثق به كان عن طريق الحواس ولكنه أكتشف أن الحواس قد تكون خادعة هي الأخري وأنه ليس من الحكمة أن نطمئن لمن خدعونا ولو لمرة واحدة.. فالعين مثلا عندما تنظر لكوكب ما في السماء تراه في حجم الدرهم فيما هو أصلا أكبر من حجم الأرض.. كما أننا ننام وحين نحلم نعتقد بأننا في عالم الحقيقة وعندما نستيقظ ندرك أننا كنا نحلم.. فما أدرانا أننا لسنا نياما وأن حياتنا كلها ليست مجرد حلم طويل! وهكذا حتي العقل الذي يميزنا عن باقي المخلوقات لم يسلم من شك هذا الديكارتي فهو يري أن هناك شيطانا ماكرا يضلله ويجعل عقله يوقعه في الظنون فيعود للشك والبحث من جديد عن نقطة بداية كل شيء باعتبار أن الشك هو المرحلة الأولي للتأمل والفلسفة وإثبات الوجود. هذا الرجل إذن يدعونا لأن نشك في كل شيء في الطبيعة والوجود هو يطالبني بأن أسأل نفسي الآن هل ما أفعله أدركه يقينا.. ومن أدراني أن ما أمامي هو جهاز كمبيوتر؟ كيف أعرف أن أنا هو أنا؟.. أن أصابعي هي التي تدق أزرار الكيبورد.. أن أحدا غيري يمكنه أن يفهم اللغة التي أكتبها.. وأنا من جانبي أبشرك جميعا بأنكم إن جلستم هكذا تفكرون.. فوعدا مني ستصابون باللوثة لا محالة. إن الشك قد يكون مطلوبا أحيانا تجاه تصرف ما لكنه في الأغلب الأعم ليس محمودا مثله تماما كالظن.. وقد فسر ابن كثير الظن المنهي عنه بالتهمة والتخون للناس في غير محله وذكر قول عمر رضي الله عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا, وأنت تجد لها في الخير محملا. فمن المستحيل أن تستقيم علاقة ما قواعدها تقوم علي الشك.. لاسيما فيما يخص العلاقات الإنسانية.. فالشك حين يدخل بين الشركاء يحيل حياتهم إلي جحيم ويبقي دليلا واضحا علي وجود خلل ما في مؤشر التواصل بينهم من الممكن أن يتصاعد إلي أن يصل لمرحلة انعدام الثقة بكل أمر.. صغيرا أو كبيرا ومن هنا تبدأ المأساة. إن بذور الشك غالبا تنمو مع تصرفات قد تكون بسيطة وعفوية يطالب الشريك بحقه في احترام استنتاجاته وقدراته العقلية بشأنها مع أنها قد تكون أهون كثيرا مما يظن لكنه يبقي مؤمنا باستنتاجه مطالبا بتفسيرها بما يوافق عقله هو مستندا في ذلك إلي خطأ أو اعتراف قديم قد يكون شريكه وقع فيه واعترف به يوما ومن هنا تكبر الأزمة ويحدث الشقاق وقد تنهار أشد قصص الحب تحت معول الشك.. فانتبهوا يرحمكم الله.