«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسفة الوعى عند غير المسلمين
نشر في محيط يوم 19 - 02 - 2014

مع ظهور عصر النهضة اتجه التفكير الفلسفي الى البحث عن الحقيقة في الانسان نفسه بما هو مادة وفكر ان مفهوم الوعي لا في مفهومه الأخلاقي بل تلك العودة التأملية الى الذات والتي بواسطتها نفكر فالتفكير في الانسان وفي أبعاده أدى الى التفكير في الوعي باعتباره بعدا من أبعاد الانسان فمشكلة الوعي متمحورة أساسا حول اشكالية الذات الانسانية وكيفية تميزها عن بقية الذوات الأخرى.
قال ديكارت : أنا أفكر إذن أنا موجود
إن الوعي عند ديكارت لا يقوم على مبدإ الأشياء بقدر ما يقوم على اثبات وجودنا المفكر فماهية وجود الانسان هي التفكير أفلم يكن الشك عند ديكارت منصبّا على اثبات حقيقة هذا الجوهر البسيط المتمثل في النفس بما هي أنا ووعي إذ أن كل ماهية أو طبيعة لا تقوم إلا على الفكر وهو أمر لا يحتاج في وجوده إلى شيء آخر.
لقد عمل ديكارت على اثبات أهمية الفكر في تأسيس الوعي بالوجود إذ لا نقيس قيمة الانسان بما لديه من مادة وإنما نقيسه وفق حقائق الفكر والعقل ومن هنا كانت دعوة ديكارت الى وجوب استعمال العقل بما يعنيه من قدرة على الاستدلال وعلى استخلاص نتائج صادقة.
«تنطلق فلسفة ديكارت العقلانية من الأكثر بساطة الى الأكثر تعقيدا، مركّزا على دور الحدس، وهو حسّ ذهن نقي ويقظ يسمح بالتقاط الفكرة في حالة نقائها وفي كل مرحلة يجب التأكد والضبط بحيث لا نترك شيئا يفلت من يقظة الفكر وهكذا نصبح قادرين على الخلوص باستنتاج فلسفي».
تتضح لنا من خلال هذا التدرّج المنطقي للوصول الى الحقيقة رغبة ديكارت في تطبيق منهج رياضي لإثبات صحة الأفكار الفلسفية باللجوء الى الاداة الوحيدة القادرة على استنباط الحقائق ألا وهي العقل الواعي إذ من الخطإ حسب اعتقاده الوثوق بحواسنا كما قال أفلاطون.
ولعل فضل ديكارت على الفلسفة هو اكتشافه لحقيقة جديدة متمثلة في الكوجيطو «أنا أفكر إذن أنا موجود».
أو إن شئنا أنا أشك إذن أنا واع بوجودي. فديكارت يرى أنه من الممكن الشك في كل شيء لنكون على ثقة من صلابة الأسس الفكرية التي تنطلق منها فهو يريد أن يبدأ من الصفر لهذا كان الشك أساسيا بالنسبة له إذ يمثل قناعته الثابتة الوحيدة فهو «إذ يشكّ يتأكد من أنه يفكر وإذ يفكر يتأكد من أنه كائن مفكّر» يعي وجوده.
إن خصائص الوعي ليست من ذات الأشياء،
إن كل كوجيطو ذاتي من حيث هو فعل ينطلق من ذات خاصة فالوعي يعمل على طريقة خاصة تصدر عن الذات الفردية التي تدرك هذا الشيء أو ذاك. إن الأشياء التي ندركها تبقى دائما أشياؤنا بحيث تتحول الى وعي خالص أي انتقال من الخارج الى الداخل وبصورة أخرى تنتقل من الداخل وبصورة أخرى تنتقل من الداخل الى الخارج فكل وعي ندركه يجب أن يكون حصيلة منهج عقلي وأسس مبنية على الإتزان والصلابة.
لقد سعى ديكارت الى إيجاد منهج دقيق وموثوق به قصد الوعي بالوجود وبالطبيعة فكان بذلك رائد ومؤسس منهاج التفكير الفلسفي اذ عمل على أن يكون الوعي بالذات وبالكون واكتشاف المعلوم والحقائق بواسطة أفكار واضحة ومتمايزة وجلية.
هيقل : الوعي بالذات يستوجب الوعي بالآخر
لئن قامت فلسفة ديكارت بإنشاء منهج فلسفي قادر على استنباط الحقائق واكتشاف المعرفة ومن ثمّة الوعي بالوجود فإن فلسفة هيقل مبنيّة على المنهجية الجدلية وهي طريق تأخذ بمبدإ صراع الأضداد الذي قال به هيروقليدس، فالكون عند هيقل قائم على الحركة والحركة مصدرها التناقض. إن القول بالتناقض يؤدي الى حقيقة أولية تتمثل في الإيمان بأن جميع أشكال الوجود سواء كانت مادية أم روحية تتحرّك من الأدنى الى الأرقى وتتخذ أشكالا مختلفة عندما تمر بأطوار متعاقبة «فالزهرة لو كانت زهرة لبقيت زهرة الى الأبد».
يقول هيقل بالصيرورة ويطبّق هذه الرؤية الجدلية على مفهوم الوعي مبينا المسارات التي يقطعها وهي مسارات منعرجة لا خطيّة، تبقى مسألة الوعي وهي مرتبطة بمسألة البدء أي متى يكون الوعي وعيا حقيقيا؟
يعتقد هيقل أن الوعي في بدايته وعي فقير فهو في نفس الذات والموضوع إذ لم يشمل الآخر وهو ما يعني افتقاده الى الشمولية وبالتالي الموضوعية. ومن هنا يتضح لهيقل أن كل وعي يظهر للآخر كما لو أنه موضوع فنظرتنا الأولى موسومة بالسلبية والآخرليس وعيا وإنما موضوعا وهو بدوره أي الآخر ينظر إليّ لا بوصفي وعيا وإنما باعتباري موضوعا.
فطبيعة الحياة تحتّم على الانسانية تبادل التأثير والتأثر ولا يمكن لأي كائن بشري أن يعلو فوق الصراع ومن داخل هذا الصراع ومن خلاله يتشكّل وعي الانسان كوعي بالذات وبالكون. فالوعي هو وعي بالحياة أولا ومن خلالها يدرك الإنسان ذاته بإدراكه للآخر، ألا يصبح الآخر مرآة ذاته وبالتالي يخرج من دائرة الذاتية الخالصة ليدخل في كل ما هو جماعي إذ أن الوعي لا يصير وعيا حقيقيا إلا في نطاق «حركة التجريد المطلق».
يتحول الوعي عند هيقل إلى وعيين، وهي بالذات ووعي بالآخر وهنا بالذات يركز جورج ويلهلم فريدريك هيقل على مقولة الصراع لتعاقب مراحل الوعي وتطوّره اذ لا يبدو الوعي ثابتا وغير متحرك حتى وإن بدا كذلك فهو لا يعني إلا لحظة زائلة يعقبها التطور فوعينا ضيّق يرى أن الزهرة زهرة والبرعم برعم وهو ما يعني أن الصراع يظلّ القانون المسيطر على الوجود المادي والروحي إذ لا مندوحة كما يقول هيقل أن تخوض كل الكائنات صراعا من أجل الحياة والموت، صراع تستعمل فيه كل الطرق والحيل لتحقيق الحرية «فالمغامرة بالحياة هي السبيل إلى الحفاظ على الحرية».
إن الوعي بالحرية وبالحقيقة ينتزعان انتزاعا ولذلك يعتبر هيقل عملية الصراع المجال الموضوعي لتكوّن الوعي وتطوره وبلوغه اليقين لذاته واليقين للآخر. ماركس : الوعي نتاج اجتماعي
ماركس لا ينظر الى الانسان إلا من زاوية واقعية أي أن أشكال الوعي والنشاط البشري تنتج عن تغيّرات المجتمع من نمط انتاج معيّن إلى نمط انتاج جديد بمعنى أن الوعي لا يظهر إلا من خلال صراع القديم مع الجديد في المجتمع الواحد.
يركّز ماركس على الناحية الاجتماعية كمفتاح لتفسير الوعي من حيث هو ظاهرة مكتسبة بالممارسة، ممارسة أثناء علاقة الإنسان بالطبيعة وممارسة في أثناء العلاقات الاجتماعية، فالوعي الانساني في بدايته لم يكن مجرد ادراك حسّي ووعي بالصلة المحدودة بالأشخاص وبالأشياء الموجودة في العالم. إن الممارسة هي التي تولّد الوعي إذ أن العمل الانساني هو الذي أخرج الإنسان من حيوانيته وحرّره من الطبيعة التي كانت تقف أمامه كقوة جبارة لا تقهر. فالوعي هو بالأساس وعي اجتماعي حتى وإن كان في مظهره وعيا فرديا.
يركّز ماركس تحليله لظاهرة الوعي بالاعتماد على مقولة الانتاج بوصفها الأساس الذي تنبثق عنه كل أشكال الوعي وتنمو وتتطور بتطوره فإذا «تغيّر نمط الإنتاج تغيّر الوعي».
وعلى هذا الأساس أي أساس علاقة الوعي بالإنتاج يفسر ماركس الوعي على أنه البداية التي مكنت الإنسان من التحرر من الحالة الحيوانية إذ يقول ماركس «لا يتميز الانسان على الخروف إلا بحضور الوعي لديه محل الغريزة أو بتحول غريزة لإلى غريزة واعية» فالوعي يمثل أرقى ما تصل اليه الحيوانات وأساسا الإنسان باعتباره «حيوانا ناطقا» على حد قول أرسطو وهو وكما جاء على لسان ابن خلدون «حيوان اجتماعي».
إن جدلية الإنسان والطبيعة وعلاقة الإنسان بالإنسان هي التي غيرت من الانسان ذاته ففصلته عن وعيه الأول الذي سماه ماركس وانقلز ب»الوعي القطيعي» أو «القبلي» وهذا الوعي نما بنمو الإنتاجية والحاجات البيولوجية وغيرها للإنسان وهو أثناء عملية الإنتاج يكتسب مهارات معرفية تجعله قادرا على السيطرة على الواقع وعلى نفسه.
لقد تطورت الإنتاجية ومنذ ذلك الحين «صار الوعي قادرا على التحرّر من العالم وعلى الإقدام على انشاء النظرية المحض وعلم الياهوت والفلسفة والأخلاق».
يبرهن، إذن، ماركس على أن الوعي الانساني لا ينمو ولا يتطور إلا بتطور الانتاجية، والقول بالإنتاج هو بالأساس قول بالعمل والمجاهدة الانسانية التي تجعل من الانسان كائنا واعيا قادرا على التأثير والتأثر. «فما التاريخ كله الا تاريخ صراع الطبقات ولا يفعل التاريخ إلا رسم خط هذا الصراع لامتلاك وسائل الانتاج» بامتلاكها يكتسب الانسان قيمته بما هو كائن واع وفاعل فعل «اليد» و»الفكر».
الوعي الإنساني بما هو وهم إذ «الحقائق أوهام نسينا أنها كذلك»
إن الفلسفة كمجال حيوي للاشكاليات المطروحة والأطروحات المؤشكلة قائمة أساسا على الوعي بمفهومه الابستمولوجي السائد المنتمي الى جملة المسلمات التي لم يسبق أن أخذت مأخذ الشك والذي ينبثق في أجلى تعبيراته عن كوجيطو ديكارت لكن ضمن الاستمرار التاريخي للتطور الفلسفي يصير هذا الوعي الذي تنبثق عنه كل المحتويات الفلسفية والعلمية والذي تنبثق عنه جميع المظاهر الحياتية المعقدة والمختلفة موضوع بحث بل ويتجاوز ذلك إلى أن يكون متهما في أغلب مراحل تطوره.
ولئن اختلف فلاسفة كثيرون حول قدرات الوعي الانساني على ادراك العالم و»انقسموا الى وثوقيين (يثقون في قدرات العقل على ادراك العالم) وإلى ريبيين (يشكون في امكانية ادراك العالم ادراكا يقينيا) الى مقيدين للمعرفة (أي يضعون للوعي حدودا تجعله لا يدرك إلا ظواهر الأشياء لا جواهرها)» فإن علماء النفس ساهموا في اثراء التراث الفلسفي في كيفية تحليله لظاهرة الوعي واللاوعي وكشفه عن متطلبات ابسيمولوجية كانت ترى في الوعي مسملة لا يمكن الطعن فيها.
نيتشه : الوعي باعتباره زيفا وقناعا
يقطع نيتشه في تحليله للعقل الواعي مع الرؤية السائدة التي تعتبره وسيلة المعرفة وأساس الفضيلة والحكمة إذ أن تطور الصراع بين البشر أفضى الى موقف جديد من العقل أي اعتباره مجرد وسيلة لتحقيق حاجيات بيولوجية وقد كان يستخدم من أجل المحفاظة على البقاء.
القوة بالنسبة لنيتشه هي التي تسمح له بأن يعي وجوده ويحافظ عليه إذ لا مكان للضعيف لأنه عاجز عن خوض معركة من أجل الوجود فالإنسان الضعيف على حد قوله ينتشه «يفتعل التملق الدائم طلبا لشيء من بريق الزهو الزائف».
«لقد حبس الانسان في أوهامه كما تحبس الحيوانات في الزريبة» ومن ثمة يسهل عليه تقبل الأوهام واستعمالها، ألم يكن الانسان ميالا الى الطاعة أكثر منه إلى الامتثال، ألم يكن يعتقد أنه يملك الحقيقة والحال أن «العين تنزلق على سطح الأشياء فلا ترى منها إلا الأشكال». لقد أغرقت الحضارة الإنسان وقادته الى سبيل جعله يعزف على ظاهر الأشياء فوعي العامي هو وعي متشبث بأوهامه ظنا منه أنه وجد الحقيقة وفي المقابل فإن الوعي الحقيقي كما أبرزه نيتشه هو الذي يخضع الى الحياة ويخدم قانونها الأساسي، الاستمرار.
إن هدف الوعي بما هو ثقافة وأخلاق يتمثل في الانتقام من تصرفات القوي وبالتالي من مجرى الحياة لأنها بلا مبرروكل هذا من شأنه أن يؤثر على آليات تفكير الانسان وأسلوب حياته ويحوله من انسان عفوي وتلقائي الى كائن عدائي وتاريخ الانسانية عند نيتشه ليس إلا تاريخ حرب دائمة بين القوي والضعيف، بين الصحيح والمريض، بين السيد والعبد.
لقد أصبح الوعي عند نيتشه قناعا يخفي هدفا أهم وأعمق من المصلحة الفردية فما هو مستور وراء الايديولوجيا هوغل المستضعفين وضحايا الحياة، ذلك الغل الذي خلق عالما أعلى، عالما وهميا بجانب العالم الذي نعيش فيه لأنه يعادي الطبيعة والذي أي الغل اخترع الثقافة والحضارة لأنه يعادي واقع الأشياء الحياتية واختلق النفس التي قد تستحيل الى «الشكل الأساسي من الوعي والمعرفة» لأنه يعادي سيول النفس الطبيعية.
إن ما ذهب اليه نيتشه هو شك في قيمة العقل والوعي ومن هنا أراد أن يقيم منهجا جينيالوجيا لفهم ظاهرة اللاوعي والأكيد أن هذا النوع من التصور «يقتضي فكرا ارتضى أن ينزاح عن مركزية الوعي بالتفكير في اللاوعي».
فرويد : كل وعي يقوم من حيث الأساس في اللاوعي
قام فرويد بتأسيس قراءة جديدة للذات الانسانية تجاوزت الأطروحات الفلسفية القديمة، تلك الأطروحات التي أثبتت أن الإنسان أصبح سيدا على نفسه بالإرادة والوعي (كانط وهرسل) فديكارت اعتقد أن الذات الانسانية تقوم أساسا على التفكير لأن التفكير أو الوعي يؤدي الي اليقين بالذات أمّا هيقل فإنه تجاوز هذا الموقف الديكارتي مؤكدا على قيمة الآخر في تأسيس الوعي بالذات وصولا الى المطلق لكن هذا المنطلق انزلق الى تبرير تعسفي لنظرية فلسفية متعارضة مع منهجها الذي يقول بالتطور فكان لماركس أن أعاد للمنهج أساسه الصحيح فبين كيف أن الوعي الانساني لا ينبثق إلا في اطار علاقات موضوعية والتي تكون أساسا لظهور كل أشكال الوعي البشري ورغم هذا التقدم التاريخي فإن الوعي يبقي في حالات كثيرة زائفا نتيجة للصراعات فالطبقية تولد صراعات ايديولوجية، ومن هنا أوضح ماركس ان الايديولوجيا خاصة ايديولوجيا الطبقة الحاكمة زائفة وهذا منعرج فلسفي وثقافي أحدث رجّة على مستوى وجهات النظر في الوعي فأصبح التساول قائما حول حقيقة وموضوعية هذا الوعي.
اكتشف فرويد أهمية اللاوعي الذي أحدث انقلابا في مفاهيم علم النفس من حيث الموضوع والمنهج والغاية ولعلّ هذه القطيعة المعرفية هي التي تبين لنا كيف أن الانسان كان يجهل حقيقة ذاته ألم يقل فرويد ان «الانسان لم يعد سيّدا حتى في بيته» وهذا يعني أن ما يتحكم في وعيه وحياته الواقعية هو لاوعيه وحياته الباطينة.
يقوم النشاط النفسي على طبيعة العلاقة القائمة بين القوى النفسية الثلاث، ألا وهي الوعي واللاوعي وحسب تعديل نظرية فرويد الأنا، الهو والأنا الأعلى يعتبر الانسان قبل كل شيء كائنا اجتماعيا تضبط سلوكه مجموعة معايير أخلاقية وثقافية وحتى ايديولوجية والتي تفرض عليه أوامر قد تجعل جميع رغباته ملتزمة بأن تكون مناسبة لمحتوى القيم السائدة فإذا كانت الرغبات لا تتوافق مع ما ذهبت إليها التشريعات فإنها تقمع وبالتالي تتحول الى كبت وما نجده في الأعراض والأحلام ليس إلا تجسيدا للرغبات المكبوتة اذ تمثل هذه الهفوات أعمق أسرار الإنسان الشخصية على حد قول فرويد.
لقد برهن سيجموند فرويد «بطريقة متقنة أهمية الوعي لدى الانسان حيث انتهت ممارساته العلاجية التطبيقية الى اقناعه بأننا نخبئ في مكان ما من وعينا كل ما رأيناه وعشناه بحيث يمكن له أن يصعد من جديد الى السطح. فعندما نقول (هذا يذكرني بشيء ما) أو (هذه العبارة على طرف لساني) فإننا لا نفعل أكثر من التعبير على الطريق التي يسلكها كل ما كان كامنا في اللاوعي ووجد أخيرا بابا مفتوحا يعبر منه إلى الوعي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.