حرائق السياسة وحرائق الإهمال يجمع بينهما الغباء السياسي والفساد الإداري ورحم الله السادات الذي صك مصطلح الغباء السياسي واصفا به نخبة من القادة المناوئين له آنذاك والذين سهلوا عليه عزلهم باستقالاتهم الجماعية فقال قولته الشهيرة( دول يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي!)..أما الفساد الإداري, فقد صرخ منه في البرلمان زكريا عزمي( المحكوم عليه حاليا) واصفا توحشه بأنه للركب ولعله الآن وصل للأنوف. تجلي الفساد والإهمال الإداري في تلك الحرائق التي ضربت مصر مؤخرا وكانت نتاج تواطؤ الفاسدين مع المستفيدين دون نظر إلي جسامة المخالفة وأضرارها بالراشي نفسه والمرتشي وأضرارها علي المال العام وصورة الدولة وهيبتها. من هنا, نصف الفساد بالغباء الإداري لأنه يضر بالفاسد قبل إضراره بالدولة, هو يظن أنه حقق مكاسب بترخيصه عمارة أو( مول) أو( دكان) بالمخالفة للشروط..فإذا اشتعل المحل أو انهارت العمارة نال ما اقترفت يداه وكان أول الخاسرين. كما نصف الإهمال أيضا بالغباء الإداري لأنه يؤدي الي كوارث يومية تتمثل في طرق تحصد أرواح المصريين وخسائر بالملايين, فإذا نفذ الرئيس السيسي المشروع القومي للطرق للحد من الحوادث ولبناء نهضة عمرانية, كما يقول توينبي الحضارة طريق وعربة, هنا تجد الغباء مجسدا في إعلام يتجاهل الإنجاز فلا تجد قناة واحدة تتحدث عنه مشغولة بالصراخ من السلبيات دون توقف امام الايجابيات ومنح الناس الأمل في غدهم. وظاهرة الغباء السياسي تجلت في استمرار مبارك30 سنة في سدة الحكم ثم يعمل علي توريث المصريين لابنه من بعده, الغباء السياسي يتجلي في ادارة الاختلاف بين النخب السياسية علي خلفية ثورتي يناير ويونيو, الغباء السياسي تجلي في ممارسات سياسية بعد الانتخابات البرلمانية الحرة أدت الي هندسة البرلمان علي نحو أثار الاستياء. الغباء السياسي تجلي في تصارع أحزابنا, وفي خلافات نقاباتنا, وفي نخب لم تدعم وطنا يحارب معركة وجود لا حدود. كيف تعجز النخبة المصرية عن دعم اصطفاف وطني يحمي ظهر قواتنا في معركتها ضد الإرهاب؟ كيف تعجز النخب المصرية عن التواصل الفعال وتغذية ثقافة الاختلاف وأدب الحوار؟ كيف عجزت نقابة الرأي( نقابة الصحفيين) عن ادارة خلافها فيما بينها لنصل الي انشطار في البيت الصحفي الي فسطاطين علي قول بن لادن! كيف عجز أصحاب القلم عن ادارة أزمتهم مع الداخلية مسارعين الي الاحتشاد والتنادي بالويل والثبور وعظائم الامور دون نظر للعواقب ودون نظر الي بلد يحترق, يقاتل معركة البقاء في صراع خارجي وداخلي مفضلين قول الحطيئة:ألا ليجهلن أحد علينا...فنجهل فوق جهل الجاهلينا. رويدكم أيها النقابيون والإعلاميون فالوطن مثخن بالجراح..هل هناك أغبي من إعلام يدين حكومته في مقتل رجيني بفتاوي جهال برامج التوك شو, هل هناك من اعلام أغبي من فضائيات تدعي دعم السيسي فتحرجه وتسيء الي علاقات مع دول شقيقة مثل المغرب والجزائر؟ بحسب الفراهيدي( الغبي) هو من لا يدري.. ويدري أنه يدري, ويضع سيبولا- في كتابه القوانين الجوهرية للغباء البشري- الإنسان في أربع شرائح. فهو مغفل أو قرصان أو ذكي أو غبي: فإذا قاد تأثيرك علي الآخر إلي منفعته وإلي خسارتك في نفس الوقت فأنت مغفل.. إذا قاد إلي منفعتك وخسارتهم فأنت قرصان. إذا قاد إلي منفعتكم معا فأنت ذكي. وإذا قاد إلي خسارتكم معا فأنت غبي. ولعل مقولة آينشتاين:ثمة شيئان لا نهائيا الكبر: الكون والغباء الإنساني فيا نخبة مصر لا تكونوا نكبتها, وعودوا إلي الرشد فالوطن باق وأنتم ومصالحكم الشخصية إلي زوال.