فى الثمانينيات سمعت لأول مرة عن دونالد ترامب وذلك اثناء حوار له مع إحدى المجلات الأمريكية الشهرية. لفت انتباهى وقتذاك اعتداده الخارق بنفسه وتعبيره عن أفكاره بطريقة جريئة ولكنها أيضا سمجة وتفتقد للباقة حتى ممن يستفيد منهم. مثلا: سخر من عرب الخليج الذين يزورون كازينو تاج محل الذى يملكه فقال: "الثرى منهم يحضر ويقامر ويخسر مئات الآلاف من الدولارات ثم يرجع الى بلده ويرسل لى خطابا يشكرنى فيه بشدة على عطلة نهاية الأسبوع الرائعة التى قضاها!"، فى نفس الحوار ذكر الكويت (وكان ذلك قبل غزو العراق) وقال: "نحن نحمى دولا بدوننا لن يكون لها وجود على خريطة العالم، فلماذا لا نأخذ أجرا لتلك الحماية". فى التسعينيات قرأت مقتطفات من كتابين لترامب كان أحدهما هو "فن عقد الصفقات" وأذكر نصيحة لترامب التى اعتقد انه طبقها لاحقا على نفسه وكان ملخصها هو "كن شديد الطموح" "think big". تحت هذه النصيحة ذكر ترامب مقابلة له مع جيمى كارتر عندما زاره الأخير فى مكتبه فور تركه رئاسة أمريكا ليقنعه بالتبرع لمكتبته، ويذكر ترامب: اندهشت بشدة من المبلغ الذى طلبه منى كارتر، وكنت دائما أتساءل كيف أمكن لهذا الرجل ان يصبح رئيسا للولايات المتحدة، ولكن عندما قابلته علمت الإجابة. ان هذا حدث لأن كارتر برغم تواضع قدراته كانت لديه دائما الشجاعة لأن يطمح فى أمر خارق للعادة وقد نجح. أما نصيحة ترامب فكانت: فليكن طموحك إذن أكبر من قدراتك فهناك فى العالم من هم أفضل صوتا من فرانك سيناترا ولكن لم يجربوا حظهم وهناك من هم أكثر موهبة من توم كروز ولكن لم يأخذوا فرصتهم. ثم يضيف: انه من حسن حظى انه فى هذا العالم هناك الكثير من الموهوبين ولكن ليس لديهم طموح متواز مع قدراتهم وهذا يفتح فرصا عديدة للطموحين من أمثالى. أيضا فى ذلك الكتاب كان ترامب يتباهى انه من اصحاب "الجينات المحظوظة" فهو يمكنه العمل بهدوء تحت أشد الضغوط وربما كان هذا صحيحا. غير أنى اعتقد ان هناك خيطا فى التفكير يربط بين أفكار ترامب التى عبر عنها فى كتابيه وبين ترشحه للرئاسة، فهو مثل كارتر، طمح فى شئ خارق للعادة وهو مثله يقترب الآن من البيت الأبيض. أجل لن تكون معركته النهائية مع هيلارى كلينتون بالسهلة أبدا، ولكن يخطئ من يعتقد ان فرصه فى الفوز هى منعدمة أو حتى ضئيلة. يبدو وكأن ترامب قد استعدى الكثير من الكتل التصويتية: الأمريكان من أصل مكسيكى، المسلمين، العرب الأمريكان، فهل هو من الغباء بحيث يخسر تلك الكتل بأكملها ثم يظن انه يمكنه الفوز برغم هذا؟..ألم تكن المهادنة والدبلوماسية هى الأفضل له؟..لا تبدو الأمور بهذه البساطة فاعتقادى أن أفكاره الجريئة والمتطرفة قد جعلته يخسر كتلا تصويتية ولكن يكسب كتلا أخرى من المتطرفين والمحبطين من السياسة الأمريكية، فهو يحارب المنظومة السياسية الحالية بأكملها: "الساسة يحتاجون للمال لتمويل الانتخابات ويقدمون تنازلات للحصول على المال..أما أنا فلن أمول حملتى بنقود أحد ولن أقدم تنازلات..سوف أنهى ظاهرة داعش..سوف ألغى الاتفاق النووى الإيرانى..سأمنع الهجرة غير الشرعية..سوف أبنى حائطا على الحدود على حساب المكسيك..سأمنع التطرّف الإسلامى من تهديدنا على أرضنا..سأمنع تدفق المنتجات الصينية والكورية وأحمى صناعتنا الوطنية". فى النهاية ترامب يشكل ظاهرة يعلمها جيدا من درسوا مساوئ الديمقراطية وهى "التلاعب بمشاعر الغوغاء"، ترامب يركز فى خطابه على كتل الغوغاء وقد نجح حتى الآن نجاحا ساحقا، فهل سيستمر حتى النهاية..فلننتظر ونرى.