أنا سيدة بسيطة فى بداية الأربعينيات من عمري، تزوجت وأنا صغيرة من قريب لى وأنجبت بنتين وولدا، بعد الزواج اكتشفت عنف زوجى وعصبيته لكننى تحملته لأن هذا هو المعتاد فى بيئتنا الفقيرة وسارت الحياة محتملة بيننا إلى أن حصلت ابنتى الكبرى على الإعدادية وشبت عن الطوق وتحولت إلى صبية جميلة، فأجبرها والدها على ترك الدراسة رغم تفوقها وبدأت بالعمل فى محل كوافير، لكنه لم يكتف بما فعله فيها وأصبح يضربها بعنف شديد كلما تأخرت فى عملها أو ارتدت ما ترتديه الفتيات فى مثل عمرها، وتحولت الحياة إلى جحيم وأنا أحاول كل يوم التصدى لعنف أبيها وتلقى الضربات عنها حتى إننى نقلت إلى المستشفى مصابة بكسر فى إحدى تلك المرات، وخشيت على ابنتى التى اعتادت الهرب إلى صديقاتها خوفا من بطش أبيها، فطلبت منه الطلاق حتى يبتعد عنا ويتركنا فى سلام لكنه رفض فحصلت على الخلع منه لأنقذ أبنائى من وحشيته. المشكلة الآن أننى أخشى على ابنتى أن ينفلت عيارها، ولا أدرى ماهى الطريقة الصحيحة للتعامل معها، فأنا حائرة بين معاملتها بلطف لتعويضها عما لاقته من قسوة، وبين معاملتها بعنف وحزم حتى لاتقع فريسة للإغراءات من حولها.. فبماذا تنصحنى؟
سيدتى الفاضلة
أنا أتفهم تماما مخاوفك على ابنتك من التعرض لضغوط الحاجة والتى قد تدفعها بعيدا عن الطريق القويم الذى تريدينه لها، وللعلم فإن مشكلة ابنتك ليست فى الفقر وقلة ذات اليد لكن مشكلتها هى التفكك الأسرى والعنف الذى تعرضت له من والدها منذ الصغر، مشكلتها تكمن فى الاحتياج العاطفى والبحث عن الاحتواء والشعور بالأمان الذى حرمت منه فى وجودك ووجود والدها وهى معكم، فقد أثبتت دراسة حديثة أعدتها الأمانة العامة للأمم المتحدة عن الوقاية من انحراف الشباب أن معدلات انحراف الشباب والفتيات خصوصا، تزيد فى البلاد التى بلغت حدًّا كبيرًا من النمو عنها فى البلاد الفقيرة !! أى أن الفقر ليس هو السبب الرئيسى لكن بناء الفرد نفسيا وسلوكيا أثناء فترة الطفولة بغض النظر عن المستوى المادى هو الأهم، فالشباب بصفة خاصة له احتياجات نفسية والتى تعد أساسية لبناء الشخصية وهى: -1 الاحتياجات البيولوجية: كالحاجة إلى المأكل والمشرب والتى بدونها لا يستمر الجنس البشرى وبدونها ينقرض ويختفي. وهو أيضاً يحتاج إلى السكن الآمن، والدخل المادى الذى يكفل له الغذاء والدواء وهذه الاحتياجات تسمى الاحتياجات الأساسية التى بدونها لا تقوم الحياة. -2 الاحتياجات النفسية: وهى احتياجات تشبع النفس أكثر من الجسد، وإن كانت لا تنفصل عن الاحتياجات البيولوجية، لأن الإنسان كله عبارة عن كيان واحد يتأثر كل مكون فيه بالمكونات الأخري. مثل احتياج النفس الى الحب والنجاح، والتقدير، والخصوصية، والانتماء، وأهم احتياج نفسى هو الاحتياج الى المرجعية!! أى القدوة التى يلجأ إليها الإنسان عندما يتعثر فى حياته أو عندما يكون فى مفترق طرق! -3 الاحتيياجات العقلية: وتتلخص فى حاجته إلى المعرفة والفهم، والحكمة والدراسة والثقافة والقدرة على التفكير السليم المنطقى (الإدراك السليم) والذى يتميز به الإنسان عن الحيوان! -4الاحتياجات الروحية: وهى الاحتياجات الكامنة فى أعماق الإنسان، صوت الضمير الهادئ المطمئن الذى أودعه الله فى روح أجسادنا، والتى بها نتصل بالله سبحانه وتعالى وبها نتقرب منه. -5 الاحتياجات الاجتماعية: فالإنسان مخلوق اجتماعى لا يحيا بمفرده لكنه يكتمل بوجود الآخر سواء الآخر العائلى فى محيط الأسرة أو الآخر الإنسانى فى محيطه ككل. وفى حالة ابنتك ستجدين أنها فى أمس الحاجة إلى إشباع الاحتياجات النفسية والعقلية، وهذا يتطلب منك مساعدتها وتشجيعها على العودة لاستكمال دراستها فورا كخطوة أولى فى سبيل استعادتها وتصحيح أوضاعها، ثم إشباع احتياجاتها الروحية وذلك بتذكيرها بدينها وتعليمها أهمية التمسك به والتقرب من الله، ثم محاولة تلبية احتياجاتها الاجتماعية. بتكثيف وجودك معها وبقربها لإعطائها الدفء الأسرى وبث روح الطمأنينة بأن هناك من يقف بجوارها ليحميها من احتمال غدر الناس ولتكونى سندا لها يعوضها عن غياب والدها.