هاجم بيرني ساندرز, أحد المرشحين عن الحزب الديمقراطي الأمريكي للانتخابات الرئاسية أمام هيلاري كيلنتون, استخدام المال في الحملة الانتخابية للرئاسة, ووجه هجوما شرسا لهيلاري كلينتون لروابطها مع المتبرعين الأثرياء ومع بنوك وال ستريت. وإن كان الهجوم الذي شنه ساندرز ضد كلينتون يعكس مثالية كبيرة, فهو أيضا يعكس مبادئه التي ليس فقط يتحدث عنها, ولكنه أيضا يعيش بها. لقد أثارت المناظرة بين المرشحين التي جرت قبل يومين مسألة تمويل الحملات الانتخابية الرئاسية في الولاياتالمتحدة بشدة, وخاصة أنها تجاوزت كل الحدود التي يسمح لها بأن تظل داخل محيط الديمقراطية; وأصبح حجم الأموال التي تنفق في الحملات الانتخابية للمرشحين أهم من الأفكار التي يطرحونها وأهم من شخصيتهم التي يقدمونها للناخب, بل تطغي الأموال فتغير صورة المرشح في ذهن الناخب وتلونه وتحسنه أمام ناخبية بحيث لا يرون أخطائه. ولقد ظهر بيرني ساندرز مرشحا في الحزب الديمقراطي ليكون المثل علي الاستغناء عن التمويل الكبير في الحملة الانتخابية, ولقد استطاع بميزانية بسيطة يمولها صغار المتبرعين أن يصل ليكون المرشح الرئيسي الثاني للحزب, بالرغم من أن العديد من المراقبين, إن لم يكن معظمهم, لا يجد له أملا في الفوز بالترشيح, ناهيك عن الانتخابات ذاتها. بينما اتهم ساندرز, كلينتون بالحصول علي675 الف دولار من شركة واحدة هي جولدمان ساكس, مقابل لقاءات معهم, منها225 الفا مقابل كلمتها في جولدمان ساكس. وهاجم كلينتون علي اعتمادها علي مصالح أصحاب الأموال الكبري كما وصفهم, متسائلا كيف لها أن تحقق التغيير في أمريكا إن كانت ستظل مقيدة بديونها لأصحاب المال طوال فترة رئاستها إن هي فازت بالانتخابات. وتحول هجوم ساندرز علي كلينتون الي هجوم علي بنوك وال ستريت التي باتت تعاني من الكساد والفشل في توقع حدوثه. ولكن بالرغم من المبادئ السامية التي يعبر عنها بيرني ساندرز, إلا أن فرصه في الفوز تتراجع كثيرا أمام كلينتون, أو أمام المرشح الجمهوري فيما بعد; وذلك ليس بسبب أفكاره النبيلة التي لا تروق إلا للفقراء والطبقة المتوسطة من الناخبين, وهم الأمريكيون من أصول أفريقية والقادمون من أمريكا اللاتينية, والشباب والليبراليون; ولكن لأن أفكاره تلك إن طبقت فهي تهدد القاعدة التأسيسية التي قامت عليها البلاد منذ نشأتها, وهي المال والتشجيع علي الإثراء. كما تهدد مصالح كبار المؤسسات المالية والاقتصادية في البلاد, تلك التي تضع الخطوط العريضة للسياسات الاقتصادية الامريكية وبالتالي السياسات الخارجية أيضا. وفي نظر الخبراء فإن أصحاب المصالح الكبري لن تقبل أبدا أن تري مصالحها تتقلص, ولن تقبل أبدا أن تتغير الأسس التي قامت عليها الولاياتالمتحدة منذ أكثر من مائتي عام. لهذا السبب فإن فرص ساندرز في الفوز تتضاءل كل يوم; ولهذا السبب يتخوف الجميع من أنه حتي ولو فاز في الانتخابات النهائية وأصبح رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية فإن فرصته في أن يطبق سياساته وأفكاره ضئيلة, وإن أصر فإن هناك دائما احتمالا أن يقتل أو يقال. التساؤل الثاني الذي يطرح نفسه هو: إن لم يستطع ساندرز وأمثاله من تطبيق مبادئهم السامية وإن لم يستطع رغم تلك المبادئ أن يحصل علي أصوات كافية ليصبح رئيسا, فأين هم من الديمقراطية؟ وكيف تهيمن المصالح الاقتصادية والمال الي حد التأثيرعلي الناخب الواعي والمثقف الذي يعيش في الدولة التي من المفترض انها تطبق الديمقراطية علي أكبر نطاق؟ وهل ذلك معناه أن الديمقراطية في حد ذاتها, أي حكم الشعب من الشعب ولأجل الشعب, غير قابلة للتطبيق؟