أكتب هذه الكلمات مع بداية زيارة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز لبلده الثاني مصر, وهي الزيارة التي وصفت بالتاريخية وذات الرسائل المتعددة. ولعل أهم هذه الرسائل هي أن علاقات البلدين أقوي من أية شائعات, وأقوي من أية محاولات سعت إلي شق الصف بينهما, أو تصورت أن وجود قيادة سعودية جديدة ممثلة في الملك سلمان سوف تدفع المملكة إلي التخلي عن الثوابت الراسخة في علاقات البلدين وفي ارتباطهما المصيري معا. وفي يقيني أن هذه الزيارة هي بمثابة صفعة قوية علي رؤوس هؤلاء الذين حاولوا أن يبثوا الفتنة والانشقاق بين البلدين, ونفخوا في أن وجود تباين في وجهات النظر أحيانا تجاه نقطة فرعية في ملف معقد كالملف السوري أو طبيعة الدور التركي وعلاقته بملف جماعة الإخوان الإرهابية كفيل بأن يبعد البلدين عن بعضهما البعض, أو أن الرياض- كما ذكر كاتب سفيه سوف تفرض عقوبات علي القاهرة. وفي الحقيقة فإن الزيارة من حيث التوقيت والنتائج تعد من الأحداث القليلة التي ينطبق عليها بالفعل معني الحدث التاريخي الذي يمثل نقطة فارقة بين ما قبله وما بعده. وكلنا يعلم أن علاقات البلدين ممتدة عبر الزمن ومتشعبة وتشمل مجالات عدة. ولا تقف هذه العلاقات عند بعدها الثنائي المتخم بالاستثمارات والتبادل التجاري والسياحة الدينية, بل تتخطاه إلي قضايا وملفات مصيرية تهم المنطقة العربية والشرق أوسطية ككل, ويعد التنسيق بين البلدين حجر الزاوية في ملفات ساخنة كسوريا واليمن وأمن الخليج في الوقت الراهن, وشملت من قبل ملفات خطيرة بكل معني الكلمة مثل حرب أكتوبر, ثم غزو العراق للكويت أغسطس1989 وتحرير الكويت1990, وأيضا الحرب الأهلية في لبنان, ومواجهة تداعيات هجوم القاعدة علي كل من نيويورك وواشنطن سبتمبر2001 وما تلاها من حروب وكوارث. والسؤال الذي يتبادر الي الذهن; إذا كانت علاقات القاهرةوالرياض تستند إلي رصيد ضخم من التنسيق والتعاون, فما الذي تضيفه زيارة الملك سلمان في هذا التوقيت تحديدا؟..والإجابة علي هذا التساؤل توضح بالفعل معني الحدث التاريخي الذي وصفت به الزيارة دون مبالغة أو تزيد. فالناظر إلي أحوال المنطقة العربية والشرق أوسطية يدرك أن هناك ترتيبات دولية بعيدا عن أي مشاركة عربية يجري تنفيذها, وسيكون لها تأثير مباشر علي شكل المنطقة ككل. كما يدرك أيضا أن مصر والسعودية باعتبارهما ركيزتين رئيسيتين في المنطقة سوف تتأثران بمثل هذه الترتيبات, بل أن بعض ما يقال في هذا السياق يمس مباشرة كلا البلدين, ومصالحهما العليا وأيضا وجودهما. وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون للقاهرة والرياض كلمة مباشرة وقوية في هذه الترتيبات, وهو ما ستوفره الزيارة والمباحثات المباشرة بين قائدي البلدين والتي ستناقش حتما المصير العربي وحمايته, والوقوف معا أمام مصادر التهديد الآتية من اتجاهات عدة. بعبارة أخري أن الزيارة تتعلق بالمستقبل أكثر مما هي مرتبطة بالحاضر, وسوف يكون لها كلمة قوية في ضبط الكثير من مسارات الأحداث لاسيما في المناطق شديدة السخونة مثل اليمن وسوريا وليبيا وأمن الخليج وتهديدات إيران. وجزء مهم من ضبط هذه المسارات يتعلق بتعزيز الدور الذي يمكن أن تلعبه القاهرة في هذه الملفات من خلال رفد الاقتصاد المصري بالمزيد من الموارد التنموية التي تساعد في إفشال المخططات التي تستهدف الاستقرار الداخلي المصري, وتؤدي لاحقا إلي نجاح العبور المصري من عنق الزجاجة الراهن والذي بدوره يعرقل الكثير من المساهمات المصرية الضرورية في الملفات المصيرية للعالم العربي. وهنا تظهر العلاقة الجدلية بين الدعم والمساندة الاقتصادية السعودية لمصر, وبين تعزيز الدور المصري في صد المخططات التي تستهدف البلدين مباشرة أو غير مباشرة.