رئيس جامعة كفر الشيخ يتابع أعمال التطوير ورفع الكفاءة بمعامل ومدرجات الطب البيطري    لجنة التدريب والتأهيل تعقد أولى اجتماعاتها لتطوير الإعلام المصري    محافظ البحر الأحمر: تنفيذ ازدواج خط مياه الكريمات الغردقة قضى على أزمة مياه الشرب بالغردقة    تكريم ستة فائزين بمسابقة المنصور الجامعة للأمن السيبراني    خبير التنمية العمرانية: مفهوم المدن الذكية أدخل تقنيات وتكنولوجيات جديدة في صناعة التشييد    ترامب: حماس منظمة عنيفة وسيتم القضاء عليها إذا خرقت اتفاق غزة    خامنئي: اعتقاد ترامب أنه دمّر المنشآت النووية الإيرانية وهم    المغرب يستضيف بطولة للكرة النسائية بمشاركة تاريخية لمنتخب أفغانستان    بدأ حياته مُعلّما وعمل مساعدًا ل يانيك فيريرا.. 30 معلومة عن المدرب محمد وهبي بعد فوز المغرب بمونديال الشباب    الأهلي يضع رحيل جراديشار على المحك بانتظار المهاجم السوبر في انتقالات يناير 2025    سيراميكا كليوباترا: الأهلي فاوض أحمد هاني.. ولا مانع لانتقال القندوسي إلى الزمالك    حملات توعية لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي بمدن وجامعة كفر الشيخ    حبس مشرف مركز «توحد» غير مرخص بالغردقة في بلاغ بالتعدي الجنسي على طفل وإغلاق المركز    إحالة ممرضة للمحاكمة بتهمة إشعال النار داخل مستشفى حلوان    وزير الثقافة يهنئ محمد سلماوي لاختياره شخصية العام بمعرض الشارقة للكتاب 2025    أمير عيد يتلقى عزاء والدته بمسجد حسين صدقى فى المعادي    علي الحجار يبدأ البروفات استعدادا لحفل مهرجان الموسيقى العربية.. صور    افتتاح مركز «خوفو» للمؤتمرات بميدان الرماية أمام المتحف المصري الكبير    نساء 6 أبراج تجلبن السعادة والطاقة الإيجابية لشركائهن    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    نقابة الأشراف: السيد البدوى يتصل نسبه بالإمام الحسين بن على    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يوضح    «القومي للبحوث» يناقش تطوير علم الجينوم بمشاركة خبراء من 13 دولة    رئيس جامعة دمنهور: حريصون على توفير بيئة تعليمية بالجامعة الأهلية    قافلة طبية جديدة إلى مركز شباب شرق حلوان    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    مصدر من الأهلي ل في الجول: ننتظر حسم توروب لمقترح تواجد أمير عبد الحميد بالجهاز الفني    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    الأمين العام الجديد للشيوخ يجتمع بالعاملين لبحث أليات العمل    "بين ثنايا الحقيقة" على مسرح السامر ضمن ملتقى شباب المخرجين    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة غرب الإسكندرية لتيسير حركة المرور    ليست الأولى.. تسلسل زمني ل محاولة اغتيال ترامب (لماذا تتكرر؟)    لا تهاجموا صلاح.. انظروا ماذا يفعل مدرب ليفربول    حزن وبكاء خلال تشييع جثمان مدرب حراس المرمى بنادى الرباط ببورسعيد.. صور    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    وزير الخارجية: نقدر جهود الدكتور مجدي يعقوب في تسخير العلم والخبرة لخدمة الفئات الأكثر احتياجا داخل مصر وخارجها    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    اغلاق مزلقان التوفيقية في سمالوط بالمنيا لمدة يومين للصيانة    وزير الصحة يترأس الاجتماع الدوري للجنة التنسيقية لمنظومة التأمين الصحي الشامل    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    وكالة "وفا": مقتل 47 فلسطينيًّا بنيران الجيش الاسرائيلي في مناطق متفرقة من قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تأجيل محاكمة 3 متهمين بالتنظيم الثلاثي المسلح لسماع أقوال شاهد الإثبات الأول    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    «التنظيم والإدارة» يُعلن عن مسابقة لشغل عدد 330 وظيفة مهندس بوزارة الري    سعر الأرز الأبيض والشعير للمستهلك اليوم الإثنين 20اكتوبر 2025 فى المنيا    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    ضبط 3 أشخاص بالمنيا تخصصوا في النصب على أصحاب البطاقات الائتمانية    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي خطي نجيب محفوظ في الحارة
إدارة عموم الزير تكشف المستور فى الجهاز الإدارى

الحكمة والإبداع والوعي والإصلاح مختلطة ومتداخلة في قصة حسين مؤنس القصيرة إدارة عموم الزير. كتبها عام1975 وهو يشاهد تضخم الجهاز الإداري في وطنه لدرجة مخيفة ومعيقة لتقدمه, ولافتا النظر الي ضرورة معالجة الأمر قبل فوات الأوان.
مفهوم إدارة عموم الزير يشبه مفهوم الحارة عند محفوظ. الحارة عند محفوظ هي الحارة التي نعرفها, وهي الوطن وهي الكرة الأرضية, وهي الملك كله. إدارة عموم الزير هي الإدارة البسيطة في أصغر مصلحة مصرية, وهي الإدارة في أكبر مصلحة في العالم أيضا.
الكتاب بعنوان إدارة عموم الزير وقصص أخري, حسين مؤنس, دار المعارف,.1975 أعيدت طباعته مرة أخري في سلسلة إقرأ عام.1998
في هذه القصة القصيرة المحكمة يقدم لنا حسين مؤنس, عملا أدبيا أصيلا نموذجيا رائعا, من أدب السخرية.
يقع الكتاب في246 صفحة ويشمل12 قصة قصيرة أهمها إدارة عموم الزير في22 صفحة, ملخصها:
إن واليا عادلا كان في جولة في بلاده في يوم حار ومعه حاشيته, وفي أثناء إستراحتهم تحت ظل شجرة, استرعي نظره طوابير لا تنقطع من الرعية يذهبون الي ضفة النهر ليشربوا, ولاحظ تعبهم ومعاناتهم لتحقيق ذلك,, فامر بوضع زير ماء بحمالة وغطاء وبضعة أكواز تحت شجرة كبيرة, ودفع من جيبه الخاص عشرة دنانير لشراء الزير وأمر بتعيين خادم من حاشيته لتولي أمر الزير علي ان يعاونه آخرفي ملئه حتي يتوافر للناس دوام الشرب في يسر وسهولة, ثم ذهب الوالي الي حال سبيله. ومرت الايام, وإذا بالحاكم يتذكرفجأة أمر الزير. فسأل وزيره, فاخبره ان الفكرة قد طورت وعدلت وصارت مشروعا كبيرا يساير متطلبات الزمن والتطور, وأنه تم إقامة بناء يحمي هذا المرفق الشعبي ثم تطلب الامر بناء غرفتين يستريح فيهما الخادمان, وتم تزويدهما باثاث بسيط لان هناك بعض المباني والاثاث للعهدة, وزودا بخزانة للوقود لان هناك رئيس قلم وكاتبين احدهما للشئون المالية والثاني للعهدة, كما زودت السلفة المالية لان الزير ربما ينكسر او يتلف الغطاء او يضيع الكوز, وعندما زاد اقبال الناس علي الشرب وصار الزير ينكسر كثيرا حولت المأمورية الي ادارة مركزية لها اربع ادارات فرعية هي: ادارة الفخار مختصة بشئون الزير, ادارة الحديد مختصة بالحمالات, ادارة الخشب مختصة بالغطاء, ادارة الصفيح مختصة بالكوز, وهناك نية لانشاء ادارة للماء. ولما ضاق مبني ادارة الزير, وسع المبني بزيادة طابقين كلفا حوالي مائة الف دينار,بالاضافة الي اربعين الف دينار لادارة عموم الزير كما اضيفت آلة لسحب الماء الي الزير, واوجب ذلك شراء سيارة خاصة للمدير العام, واثنين للتنقل السريع, وواحدة لنقل الماء حين تتعطل الالة, وصار للادارة اتصالات مع دواوين الدولة, واصبح المدير يتصل مع الادارات المماثلة في العالم, واقتضي ذلك مخصصات اضافية للتنقل والهدايا وبما اننا ندعي يجب ان ندعو بالمقابل للاطلاع علي هذه التجربة الفريدة, ولكي تكون التجربة رائدة لا بد من استحداث مديرية للاحصاء, استحدثت اربع استمارات:واحدة بيضاء يملؤها الذين يمرون بالزير مصادفة ويشربون مرة واحدة ولا يعودون, واستمارة حمراء للذين يشربون مرة واحدة بانتظام واستمارة صفراء لمن يعتمدون علي الزير في شربهم اما الرابعة فزرقاء ترسل الي الحاسب الالي.
بعد هذا الوصف التفصيلي للمشروع اشتاق الوالي ان يزور المنطقة ويعاين المكان بنفسه, عندما وصل وجد بنيانا شاهقا وحركة دائبة وحين استدعي المدير العام وجده في مؤتمر في الخارج في زيارة تسويقية, وفي ادارة الخشب وجد غرفة مدير الخشب وغرفة السكرتير الخاص بالمدير وسكرتارية الادارة, والمكتب الفني وخبير الاخشاب ولاحظ كثرة المكاتب والموظفين والفراشين والاوراق والمراسلات ثم طرح السؤال المرتبط بالهدف اين الزير؟ فقيل انه في الطابق الارضي, فنزل اليه فوجد خادما إسمه صابر هو الذي قام بتعيينه في البداية رث الملابس فسأله اين الزير ياصابر؟, فأجاب صابر: الزير ليس هنا منذ سنتين سيدي, وانني لا اتقاضي راتبا منذ سنتين ايضا, انني اموت جوعا, عندها سأله الوالي:لماذا لم يصرف لك راتب؟, فأجاب الخادم: لان لجنة التطوير قررت وضع اسس لكيفية صرف الرواتب.
عندها قال الوالي: اشتر زيرا فورا وضعه تحت الشجرة التي كان تحتها في البداية, وعندما وصلوا الي الشجرة تلك وجدوها قد قطعت لان البناء اقيم فوقها وحين حاول زميل صابر منعهم من قطعها فصلوه لان الدماء الجديدة تقتضي ذلك شغلا ومضمونا.
يبدأ الدكتور مؤنس مشخصا لنا دور الناس في إفساد الحاكم, فيقول:
الناس في الولاية لايخاطبون الوالي إلا ب(سيدنا) وكان يحب هذا الخطاب منهم, لأنه كان يحب الناس والناس تحبه, لأنه يعتقد أن سيد القوم هو خادم البلد وأهلها.
كان الوالي عادلا وعندما شاهد معاناة الرعية في اليوم الحار, والشمس حارقة تكاد تزهق الأنفاس قال موجها كلامه للوزير المسئول:
أري الناس يقاسون من العطش ألم تفكر في شيء يخفف عنهم مشقة النزول إلي النهر من أجل شربة ماء؟ فقال الوزير: سيدنا صاحب الأفكار النيرة والموهبة الخارقة يجب أن ننشئ صهريجا أو حوض ماء, لكن سيدنا قال إن خير الأمور أبسطها إذا قررنا إنشاء حوض ماء أو صهريج مات الناس من العطش قبل أن يتم البناء, الأفضل وضع زير ماء تحت الشجرة, وزير الماء يجب أن يكون بحمالة وغطاء
عندها نظر الوالي إلي حرسه وقال مشيرا الي واحد منهم يعرفه: ياصابر هذه عشرة دنانير اشتر بها زيرا واغسله واملأه ماء وضعه تحت الشجرة واختر أحد أصحابك ليساعدك في ملء الزير مرة بعد مرة, وأنت أيها الوزير عليك الإشراف علي هذا الموضع, لأني أريد الزير أن يكون نظيفا دائما والناس يشربون منه ماء صافيا زلالا.
أخد صابر الدنانير وذهب لشأنه وصار الوزير يكيل المديح لسيدنا: والله ما أعطاك الملك إلا لأنك أذكي الناس وأطيبهم وأكرمهم, تم حل أزمة الماء ببساطة وسهولة بواسطة زير بحمالة وغطاء, واسترسل الوزير في كلامه المزوق وسيدنا يعرف أن كله نفاق ومداهنة.
ومرت السنون, وكان سيدنا الوالي يتحدث مع الوزير في شئون البلاد فتذكر الزير الصغيرا الذي أمر به ليقام تحت الشجرة فالتفت إلي الوزير وقال: هل تذكر الزير الذي وضعناه تحت الشجرة ليشرب منه الناس, أما كانت فكرة لطيفة, وقال الوزير: لطيفة إنها فكرة عبقرية ياسيدنا لقد طورناها وعدلناها.
عندها قال الوالي مندهشا: ماذا تعني بتطويركم إياها؟! زير وغطاء وماء وكوز.. ماذا وكيف يمكن أن تتطور هذه؟ عندها قال الوزير:
سيدي تعرفون أننا دائما في تطور وتحسن نحن في مقدمة البلاد النامية, وكل شيء لابد أن يساير الزمن, فقال الوالي: وكيف ساير الزير الزمن؟ فأجاب الوزير بعد مدة: وجدنا الإقبال علي الزير يزداد واستعذب الناس شرب الماء من الزير, وعندما كسر الزير, وطلب صابر نقودا لشراء واحد آخر, ولكن رأيت أن الإقبال علي شرب الماء من الزير يزداد والناس تتزاحم حوله, فقررت تحويله إلي مرفق عام شعبي. فأنشأنا غرفتين لصابر وزميله ووضعنا أثاثا بسيطا, ووفقا للقواعد المالية تقرر إنشاء جهاز إداري للزير, صار له مبني وأثاث, وعينا رئيس قلم, وكاتبين واحد للعهدة, وواحد للشئون المالية, فتعجب سيدنا وقال: شئون مالية, ماذا تقول يارجل؟! زير ماء وغطاء وكوز تصبح شئونا مالية؟! فقال الوزير: حلمك ياسيدنا, للإدارة أصول وللضبط والربط قواعد والدولة لن تدع مالها وممتلكاتها سائبة, مادام للدولة مبني لابد من موظفين وإدارة مالية, فاقتضي الأمر أن نفتح اعتمادا ماليا لمأمورية الزير, ووضعنا خزانة للنقود أودعناها سلفة, لأن الزير قد ينكسر, والغطاء يتلف, والكوز يضيع.
فقال الوالي:
ما شاءالله.. ثم ماذا؟
فقال الوزير:
إننا خدمك نسير في عملنا علي أحدث الطرق في الإدارة والضبط المالي. لأننا سننتقل من عالم الدول النامية إلي عالم الدول التي تم نموها.
قال الوالي: كنت تتكلم عن الإدارة المالية والخزانة والسلفة, فأجاب الوزير:
نعم ياسيدنا لقد أنشأنا أربع إدارات فرعية إدارة للفخار وإدارة للحديد وإدارة للخشب وإدارة للصفيح, فقال الوالي: والماء ليس له إدارة؟ فقال الوزير: نعم ياسيدنا إنك صاحب الأفكار الذهبية, غدا بإذن الله ننشئ للماء إدارة, ثم ذكر الوزير أنه أمر بإنشاء مبني بكلفة مائة ألف دينار من أجل إدارة عموم الزير, وقال الوالي: وماهو المبلغ المخصص لإدارة عموم الزير؟ قال الوزير: بالضبط لا أذكر, ولكن حوالي أربعين ألف دينار, لأن إدارة عموم الزير مرفق خدمات, الاعتبار الأول لما يؤديه للأمة من نفع, وفي سبيل النفع يهون أي مبلغ يتكلفه.
فقال الوالي: ماذا عن الماء؟. قال الوزير: من أجل الماء ركبنا طلمبة حديثة لرفع الماء وتنقيته وفق أحدث الأساليب, وأن إدارة عموم الزير علي اتصال مع مختلف دوائر الدولة, ومع وزارة الأشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية, فتعجب الوالي وقال: مع وزارة الخارجية, ماعلاقة إدارة عموم الزير مع وزارة الخارجية؟! من أجل المشاركة في المؤتمرات لأن إدارة عموم الزير أصبح لها شهرة عالمية, ومديرها يحضر مؤتمرات في باريس ولندن ونيويورك. قال الوالي: هل يوجد في الدول الأخري إدارات لعموم الزير؟! قال الوزير: لا ياسيدنا نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة.
وفي اليوم التالي قرر الوالي أن يقوم بزيارة إلي إدارة عموم الزير وطلب من الوزير أن يلحق به هناك, وعندما وصل الوالي شاهد مبني شاهقا فخما مكتوبا عليه بخط أنيق علي مدخله, إدارة عموم الزير, وأناس في خروج ودخول, وسيارات تتحرك وحركة كبيرة متصلة وعرض حالات وأوراق دمغة, فقال الوالي: أحيطوا بالمبني فلا يدخل ولا يخرج منه أحد. وعندما دخل المبني طلب أن يأخذوه إلي مكتب المدير العام, ولم يجده في مكتبه ولكن وكيل الإدارة استقبله وراح يتدحرج أمامه فصادف رجلا طويل القامة عرف بنفسه أنه مدير إدارة الخشب فشاهد غرفة المدير وسكرتير الإدارة, والمكتب الفني. وغرفة خبير الأخشاب إلي آخره..إلي آخره.. فدخل الوالي إلي أحد المكاتب فشاهد خلية نحل مكاتب.. ومكاتب.. ومكاتب موظفين يقرأون الجرائد, وموظفات يقرأن المجلات الملونة ويثرثرن وفراشين ذاهبين بالقهوة والشاي والساندويتشات وآخرين عائدين بالصواني الفارغات, فشاهد الوالي أكواما من الأوراق عليها أوراق ودفاتر وسجلات, فتناول ورقة وقرأ عليها: كتاب من إدارة الحديد إلي إدارة الخشب, وآخر من إدارة الخشب إلي إدارة الحديد, فوجد أن مضمون الكتاب بشأن طلب الإفادة بتخانة خشب غطاء الزير للاسترشاد به في تحديد تخانة حديد حمالة الزير.
وهنا وصل الوزير فقال له الوالي أين المدير العام؟ فقال إنه في بودابست, قال الوالي: كيف عرفت بهذه السرعة؟! فسارع أحد الواقفين وقال: إن المدير العام ابن شقيقة أخت الوزير وصهره, فقال الوزير: والله ياسيدنا ماعينته إلا لأنه المتخصص الوحيد في هذا المجال. وأخذ الوالي ينتقل من مكتب لمكتب ومن غرفة لغرفة ومن طابق لآخر يتفرج ويتعجب وقال للوزير: الزير أين الزير؟ فقال الوزير: إنه في قاعته الخاصة ياسيدنا في الدور الأرضي. وحاول أحد أتباع الوزير أن يسبق الوالي الذي لاحظ ذلك, فناداه لاتسبقنا لا داعي لذلك, ففي الدور السفلي دخلوا قاعة واسعة متربة يغطي الغبار كل مافيها, لها باب يفتح علي الطريق من الناحية الخلفية من المبني. وعلي الباب جلس موظف ينطق مظهره بالتعاسة, أمامه أربع مجموعات من الاستمارات بيضاء وحمراء وصفراء وزرقاء وإلي جانبه سجل ضخم مفتوح والموظف يتحدث مع صاحبه, قال الوالي: هذه قاعة الزير؟ فقال مدير الشئون العامة: نعم إننا ننشئ الآن قاعة أخري. قال الوالي: والزير, أين الزير؟ فنظر مدير الشئون العامة ووكيل الإدارة أحدهما للآخر ثم إلي الوزير, ثم قالا: لاندري كان ينبغي أن يكون هنا, فقال الموظف الجالس إلي جانب الباب: أرسل الزير إلي الورشة الأميرية ياسيدنا, قال الوالي: منذ متي؟ منذ أربعة أشهر أو خمسة.. كان الماء يتسرب منه وجاءت لجنة من الخبراء فقررت نقله إلي الورش الأميرية لإصلاحه. فضرب الوالي كفا بكف, إذن هذا كله ولا زير؟! فقال مدير الشئون العامة: الزير موجود فقط في الإصلاح, فنظر الوالي فوجد رجلا مسكينا هزيلا ينهض علي كرسي غير بعيد من موضع الزير, فقال الوالي: صابرا؟! نعم ياسيدنا أنا صابر لقد كذبوا عليك ياسيدنا, الزير ليس هنا منذ سنتين, فقال الوالي: وأنت لماذا شاحب الوجه ضعيفا كما أري؟ قال صابر: إني لا أتقاضي مرتبا منذ سنتين ونصف ياسيدنا, إنني أموت جوعا.
فقال الوالي: سبحان الله.. الوحيد الذي له عمل لا يتقاضي راتبا, وكل هؤلاء يتقاضون مرتبات, فالتفت الوالي إلي وكيل الإدارة العامة فقال: لماذا هذا لا يتقاضي راتبا؟ فقال: إن له إشكالا إداريا ماليا إنه ليس معه مؤهل علمي. لذلك لا نستطيع إعطاءه راتبا.
فسار الوالي خطوات حتي جلس مهدود الجسم من هول الواقع الذي صدمه, قال: ياصابر تعود إلي قصرنا كما كنت لتتولي أمر الزير, وهذه العشرة دنانير لشراء الزير ووضعه تحت ظل شجرة ليشرب الناس منه الماء, ثم أصدر الوالي حكمه علي الوزير بأن يدفع رواتب الموظفين الذين عينهم من ماله الخاص, وإذا نفد ماله فمن مال زوجته وأولاده وأقاربه الذين أكلوا المال العام سحتا في بطونهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.