يكشف تاريخ العلاقات التركية الإيرانية عن صراع وتنافس في المنطقة يلقي بظلاله علي التطورات التي يشهدها الإقليم, وتلعب فيها الطائفية دورا مؤثرا, كما هو حادث في سورياوالعراق واليمن ولبنان. ورغم هذا الصراع يحرص الجانبان التركي والإيراني علي الحفاط علي إقامة أفضل العلاقات الاقتصادية, وبناء مصالح مشتركة مهما بلغت درجة الخلافات السياسية. وفي هذا السياق جاءت زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إلي طهران, في مطلع الشهر الحالي, والتي أثارت عدة تساؤلات عما إذا كانت تشكل تحولا في التفاهم بين البلدين بشأن القضايا الخلافية, وتأثير ذلك علي الأوضاع في المنطقة. لا شك أن الزيارة وما نتج عنها يؤكد نجاح أنقرةوطهران في البناء علي قاعدة قوية وفرتها العلاقات الاقتصادية, للانطلاق نحو تفاهمات بشأن التعامل مع التطورات التي تشهدها المنطقة, وهو ما بدا واضحا في رفض إقامة نظام فيدرالي في سوريا, لأنه يعني بالنسبة للبلدين, إقامة إقليم كردي في شمال شرق سوريا علي غرار ما جري لإقليم كردستان العراق لأن كلا منهما سيكون المتضرر الأكبر علي اعتبار أن هناك أكرادا في الدولتين, وستتأثر قضيتهم بلا شك بما يجري كرديا في سورياوالعراق. ويأتي هذا التفاهم بينما تقف تركياوإيران علي النقيض من الأزمة السورية, فمنذ بداية الأزمة, أعلنت طهران دعمها الكامل لنظام بشار الأسد, وعلي العكس تماما, تحركت أنقرة في كل الاتجاهات لإسقاط نظام الأسد, ولكن من الواضح أن الأزمة السورية التي تحولت إلي حرب باردة بين تركياوإيران في بداياتها, وخلال التعامل معها, تفرض عليهما الآن منهجا جديدا يتطلب إقرار تفاهمات لم تكن مطروحة من قبل في ظل الاتفاق الأمريكي الروسي علي كيفية التعاطي مع الصراع في سوريا. الأمر الآخر الذي يرتبط بالتقارب التركي الإيراني يتعلق بتأثيره علي علاقات تركيا مع دول الخليج, ومع المملكة العربية السعودية تحديدا, وأيضا علاقات إيران مع روسيا, فهناك من يري أن طهران تنظر إلي أنقرة باعتبارها البوابة التي يمكن أن تسعي من خلالها للحد من توتر علاقاتها مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي, وفي الجانب الآخر تنظر تركيالإيران باعتبارها أفضل قناة لتخفيف حدة التوتر في علاقاتها مع روسيا. إلا أن هذا التصور تقابله تحليلات لا تضع هذا التقارب إلا في إطار محدود للغاية لا يتجاوز الأمنيات التي يصعب تحقيقها عمليا, باعتباره لا يتعدي مجرد رغبة تركية إيرانية قد لا تجد صداها في الرياضوموسكو, وكذلك واشنطن. وقد يؤثر هذا التقارب بالسلب علي علاقات السعودية, ودول الخليج الجيدة مع تركيا, خاصة أنها تحصر مشكلتها مع طهران في سياساتها ومشروعها التوسعي في المنطقة.. كما أن موسكو التي رفضت كل الدعوات لإعادة الدفء إلي علاقتها مع أنقرة لن تتحرك في هذا المسار من خلال إيران, خاصة أن الرئيس الروسي يصر علي استجابة نظيره التركي لشروطه قبل التفكير في إعادة العلاقات بين الدولتين إلي طبيعتها. وإذا كانت المؤشرات تؤكد أن هناك تقاربا تركياإيرانيا بدأت خطواته العملية تتشكل مع زيارة رئيس الوزراء التركي إلي إيران, وما تشهده المنطقة من تغيرات وتحولات في المواقف, فإن ما ستكشف عنه الأيام المقبلة هو تأثير هذا المحور الجديد علي التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط, ومستقبل الصراعات التي تدور في العديد من دول المنطقة.