ربما لا تشكل التقارير الصحفية التي نشرتها بعض المواقع الالكترونية وعدد من وكالات الأنباء العالمية خلال الأيام القليلة الماضية عن الفساد في إيران غير قمة جبل الجليد وقد تكشف الأسابيع المقبلة تفاصيل مخيفة عن فساد يفوق التصور في هذا البلد تكفي لإدانة نظام الملالي بأكمله من قمة هرم السلطة السياسية والدينية الحالية في إيران إلي قاعدة المجتمع, ومن ثم تقوض فكرة الدولة الدينية التي تقوم عليها الجمهورية الإسلامية. الأمر الذي قد يعد نقيصة ووصمة عار لا تمحي في جبين ولاية الفقيه المطبق في دولة الملالي, وضربة قاصمة لعصمة الأئمة التي يؤمن بها الإيرانيون منذ وصول آيات الله إلي سدة الحكم عقب ثورة الخميني التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي العلماني القمعي, لا سيما بعدما فجرت تلك الواقعة حديثا مطولا عن جوانب فساد أكدت فيها تورط أركان النظام كله بمن فيهم المرشد الأعلي علي خامنئي. فالحكم الصادر بإعدام رجل الأعمال الإيراني المليارديربابك زنجاني واثنين من شركائه بتهمة الفساد والذي حظي بمتابعة واهتمام كبيرين داخل إيران وخارجها نكأ جرحا قديما وفتح الباب علي مصراعيه لتتبع جذور الفساد الحقيقي المتراكم والمسكوت عنه علي مدي عقود لأسباب معلومة, والذي كان يمارس علي نطاق واسع وعلي أكثر من مستوي, ليكشف زيف وهشاشة الفلسفة التي تقوم عليها تلك الدولة. ف زنجاني العضو السابق في الحرس الثوري الإيراني الذي كان مقربا من الرئيس السابق أحمدي نجاد مجرد رجل أعمال وليس مسئولا حكوميا, ومن دون مساندة مسئولين كبار في الدولة لم يكن ليتمكن من ممارسة فساده بأية صورة, فإذا خضع للمحاكمة فالمنطق يحتم أن يسبقه إلي قفص الاتهام كل من سهل له فساده من كبار المسئولين, وإلا تصبح محاكمته إجحافا بحق العدالة, فضلا عن أن الحكم بإعدامه رغم قسوته ليس هو العقوبة المعتادة علي كل من يمارس الفساد في إيران, والأرجح أن هناك من يريد إسكاته إلي الأبد لا عقوبته حتي لا يكشف أسرارا قد تتسبب في إهالة التراب فوق رؤوس الفساد الحقيقيين ممن لم تطالهم اتهامات بمساعدته والتربح من خلاله. الجدير بالذكر أن زنجاني الذي اعتقل نهاية2013 فور تولي الرئيس حسن روحاني مقاليد الحكم كان له دوره البارز في مساعدة الحكومة لتفادي العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها حتي يناير الماضي والمرتبطة ببيع النفط للخارج, مما يعني أن إعدامه لا يعدو كونه محاولة لتصفية حسابات قديمة مع المحافظين, فيما وصفته المعارضة الإيرانية في الخارج ب صراع العقارب, وما يعزز هذه الفرضية أن اتهامات الفساد طالت مقربين أخرين من نجاد بينهم محمد رضا رحيمي, النائب الأول له, إلا أن سوء الطالع هو من دفع بزنجاني وشريكيه لكي يكونوا أول من يدفع الثمن, والذي اتهم بالحصول بطرق غير مشروعة علي مليارين ومائتين وخمسين مليون دولار من وراء مبيعات النفط نيابة عن حكومة نجاد, إضافة إلي اتهامات أخري بالفساد والاحتيال وغسل الأموال بالتعاون مع قيادات إيرانية كبيرة, ورجال سلطة بعضهم مازال في موقع المسئولية حتي الآن, ما يشير إلي أنهم إما سيلقون المصير نفسه, أو يكون زنجاني هو كبش الفداء لهم جميعا. ويبقي من غير المفهوم المبالغة في محاسبة بعض الفاسدين السابقين إلي حد التطرف بإصدار حكم بإعدام أحدهم مثلما تم مع زنجاني فضلا عن الانتقائية الجائرة في تلخيص الفساد في شخصه والسكوت المتعمد عمن كان لهم الدور الأكبر في تسهيل الفساد له واقتسام الأرباح الحرام معه, بينما كشف تقرير لوكالة رويترز البريطانية أن المرشد الأعلي علي خامنئي يتربع علي عرش الملالي الأثرياء من دون منازع, لاستحواذه علي إمبراطورية مالية تقدر ب95 مليار دولار, رغم تحذيراته المتواصلة للمسئولين من الفساد المحتمل أثناء تنفيذ برامجهم الحكومية, ورغم انتقادات روحاني المتكررة من تزايد الفساد في بلاده بقوله أن المال كان يقدم من تحت الطاولة, والآن يقدم من فوق الطاولة!! فإن صح ما نشرته رويترز عن حجم الفساد لدي رأس النظام في الجمهورية الإسلامية يمكن القول أن عين العدالة الإيرانية عوراء لا تري إلا ما تريد أن تراه, وتغمض عينها الأخري عن عمد عن أصول الفساد وتكتفي بمحاسبة الفروع. الأسوأ أن منابع الفساد الأصلية لم تجفف في هذا البلد ولا سبيل إلي تجفيفها ولا محاسبتها بأي صورة من الصور لارتباطها بمؤسسات فوق مستوي الحساب, فوفقا لخبراء اقتصاديين تتبع أكثر من700 مؤسسة اقتصادية وصناعية للحرس الجمهوري الإيراني ولا تخضع للمحاسبة القانونية, من ناحية أخري هناك مفارقة عصية علي الحل تتمثل في أن تمويل مشروعات جماعات موالية للرئيس الإصلاحي حسن روحاني يشكل الجزء الأكبر من عجز الموازنة الحالية للبلاد, مع اعتراف الرئيس شخصيا بوجود فساد ونشاط ربوي واحتكارات اقتصادية في نظام الملالي تعيق أي تقدم اقتصادي وفيما يسعي روحاني إلي تحقيق تقدم اقتصادي حقيقي من خلال تفعيل منظومة الجمارك وإنعاش البنوك ودفعها لأداء واجباتها الرئيسية في توحيد أسعار العملة واستكمال المشروعات الحيوية, إلا أن ذلك يستلزم تغييرا شاملا في مسار منظومة الاقتصاد بعيدا عن المؤسسات النهابة ذات النفوذ التي تعيق تحقيق أي تقدم بسبب هيمنتها الطاغية وتأثيراتها السلبية التي لا يجرؤ أحد علي مواجهتها.