أشرت في مقالي السابق إلي أن الصهيونية السياسية بنت خطتها للعودة إلي فلسطين علي استغلال مبدأ ويلسون ووعد بلفور وأن فكرها الاستيطاني ظهر وتبلور حين استغلت ما قام به اليهود من قبل مؤتمر بازل عام1897. حيث كانت الهجرة والاستيطان اليهودي وليد هجرة أفراد متفرقين وجماعات محدودة أطلق عليها( اليشوف القديم أي الحرس القديم) ودافعهم إلي ذلك يتمثل في دوافع دينية كالعبادة أو الموت في الأرض المقدسة حتي انهم كانوا يسكنون المدن( القدس-الخليل صفد طبرية) ولم يقيموا أي مستعمرات أو مستوطنات خاصة بهم ولكن البداية الحقيقية الجادة للاستيطان اليهودي في فلسطين كانت اعتبارا من عام1878 عند إقامة أول مستعمرة زراعية يهودية وهي مستعمرة( بيتج تكفة) وتعني( فاتحة الأمل) علي شاطئ نهر ليرقون ولكن الحال اختلف عند قيام الطلاب اليهود المتحمسين في روسيا واوروبا الشرقية وهم من رواد حركة( حب صهيون) وأطلق عليهم( اليشوف الجديد أي الحرس الجديد) بتنظيم الهجرة إلي فلسطين فقاموا بتكوين وإنشاء جماعة بيلو( كلمة بيلو هي الأحرف الأولي للكلمة العبرية بت يعقوب ليخ ونيلحا ومعناها يابيت يعقوب هلم فنسلك في نور الرب( سفر أشعيا الاصحاح) بغرض الاستيلاء علي الأرض العربية في فلسطين لصالح الأمة اليهودية وإقامة مجتمع عنصري انفصالي ونمط جديد من الحياة اليهودية باعتبار فلسطين أرض الأجداد( أرض الميعاد) متخذين مبدأ إن القوة هي السبيل إلي تحقيق العودة فكانت موجة الهجرة الأولي( العلياه الاولي) عام1882 وهو البداية الحقيقية للعودة الفعلية. ان الاختلاف الكبير بين اليشوف القديم واليشوف الجديد بقيادة أحباء صهيون ومعهم حركة بيلو هو الاستعمار والاستيطان في مستعمرات أو مستوطنات زراعية وعدم السكن في المدن بصفة عامة وكذا إنشاء المجتمع اليهودي المستقل واتخاذ القوة سبيلا للعودة مثلما قام الكولونيل البريطاني الصهيوني العنصريالبرت جولدن سميث بالمطالبة في عام1883 بإنشاء منظمة شبه عسكرية تعمل علي ضمان أمن المستعمرات بالإضافة إلي اليهودي الألماني بولفريدمان الذي قام بمحاولة تنفيذ مشروع استعماري لأرض مدين قليلة السكان( الساحل الشرقي لخليج العقبة وشماله) والتي تصلح كنقطة وثوب إلي فلسطين باستخدام القوة العسكرية حيث قام بتجهيز جيش صغير من اليهود المتحمسين وجمع له الأسلحة والمعدات ودربه في إيطاليا والمجر ثم أبحر إلي أرض مدين وذلك عام1893 وعند وصوله واجهته كثير من المشاكل والأزمات أدت إلي فشل مشروعه في مهده ولكن الحراك الصهيوني السياسي والقومي اليهودي استمر في نمو وتصاعد وساعد ذلك ظهور كثير من المفكرين والسياسيين اليهود وإصدارهم الكتب التي تعبر عن وجهة نظرهم في القومية اليهودية وما تولده من دوافع لإقامة الوطن القومي لهم وكان من أهمهم كتاب تيودور هرتزل( الدولة اليهودية) والذي رأوا فيه تجسيد لأحلامهم مما جعل اليهود في أنحاء أوروبا يجاهرون بمطالبهم بإقامة الوطن القومي لهم في فلسطين ومما دفعهم إلي تلبية نداء هرتزل بعقد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول( الكنيست الأول) في أغسطس1897 والذي كانت قراراته بمثابة المنهج والخطة التي تحقق أحلامهم وآمالهم في المستقبل فكانت بدايتها بصيحة المعركة التي أطلقها تيودور هرتزل في هذا المؤتمر الصهيوني الأول ببازل بسويسرا وقد وصفها الكتاب الصهيونيين ببدء معركة اغتصاب الأرض وطرد شعبها الفلسطيني. وكانت المؤتمرات الصهيونية من المؤتمر الثاني إلي المؤتمر الثامن وموجة الهجرة الثانية عام1904( العلياه الثانية) والعلياء الثالثة عام1919وكذا العمل علي تنفيذ القرارات الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول ومتابعة تنفيذها في المؤتمرات التالية هي أهم معالم الفترة القادمة حيث تلخصت وتحددت الغاية الصهيونية في المؤتمر الأول في خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين. الي اللقاء القادم. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا