عرضت في المقال السابق مفاهيم الصهيونية العالمية وبداية استخدامها منذ منتصف القرن الأول قبل الميلاد وكيف ترجم كل من النبيين عزرا ونحميا هذه المفاهيم الي واقع امتثالا لما جاء في أسفار العهد القديم ونتيجة حركة الهسكالاه بزعامة موسي مندلسون ظهر فريق من رجال الدين..أمثال الحاخام يهودا القلعي..(1798-1878م)..باعث الصهيونية الدينية في العصر الحديث في كتابه..الخلاص الثالث..والحاخام تسيفي هيرش كاليشر. (1795-1874م)..وكتابه البحث عن صهيون..والحاخام افراهام يتسحاق كوك..(1865-1935م)..وهم الذين طوروا مفهوم الصهيونية الدينية إلي أن العودة الي أرض الآباء( فلسطين) واجبة دون اشتراط عودة الماشيح المخلص..كما ظهر فريق من المفكرين اليهود بلوروا مفهوم الصهيونية السياسية في كتاباتهم ومنهم موسي هس..(1812-1875).. وهو يهودي ألماني وضع أفكاره في كتابه بعث إسرائيل..والذي عرف فيما بعد باسم روما والقدس..وأيضا الطبيب اليهودي الروسي ليوبنسكر..(1821-1891)..وكتابه التحرر الذاتي..وكان من مؤسسي جمعية أحباء صهيون وأول من بدأ الاستيطان الحديث في فلسطين, بالإضافة الي موشي ليلينبلوم وبيرتز سمولنسكن..وأخيرا تيودور هرتزل الصحفي النمساوي الشهير الذي جمع كل أفكار ما سبقوه, وأضاف اليها أفكاره في كتابه الشهير الدولة اليهودية ودعوته الأشهر الي مؤتمر بازل( الكنيست الأول لليهود) عام1897 في مدينة بازل بسويسرا. يمكننا أن نتصور تعريف الصهيونية العالمية وأشكالها كما توصل إليه كثير من المفكرين يهودا كانوا أو غير يهود كالآتي: تيودور هرتزل:هي حركة عقائدية عنصرية ذات أهداف سياسية تنادي بعودة يهود العالم الي صهيون وإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين باعتبارهم شعب الله المختار ويقومون ببناء هيكل سليمان وعليهم أن يحاربوا لتحقيق وعد الرب لهم بأرض كنعان ليقيموا فيها شعائرهم وإحياء لغتهم وثقافتهم. الدكتور المسيري:هي تعبير علماني شامل وانتشرت بين جماعة اليهود من مثقفي شرق أوروبا الذين اندمجوا الي حد كبير في حضارات البلاد التي يستوطنون بها وكما استوعبوا الحضارة الغربية الحديثة وآمنوا بمنطلقاتها- أي أن هويتهم اليهودية كانت قد ضعفت, ولكنها لم تختف- حولت كثيرا من المفاهيم الدينية والروحية الي مفاهيم فيزيقية بحيث تحولت العودة في نهاية الأيام الي الاستيطان الصهيوني هذه الأيام ودون انتظار لعودة الماشيح المخلص. ديفيد بن جوريون( أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل):لقد آمنا طوال آلاف السنين بنبوءات أنبيائنا وبيننا أشخاص يؤمنون بمجئ الماشيح الذي سيجمع يهود العالم أمواتا وأحياء في الأرض المقدسة, وان الصهيونية تستمد وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق عاطفي دائم وهو مستقل عن الزمن والمكان وقديم قدم الشعب اليهودي ذاته هذا المصدر هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة. الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي:هي مذهب سياسي لاستخدام هرتزل الصهيونية كمصطلح مرادف للحركة السياسية له ولمعاونيه..ومذهب قومي لأن الصهيونية من وجهة نظر هرتزل لم تولد من رحم الديانة اليهودية بل من النزعة القومية الأوروبية حيث لم تعترف بالمرجعية الدينية حين قال إنني لا أخضع لأي وازع ديني فأنا غنوصي..هي مذهب استعماري لأن هرتزل دعا في المرحلة الأولي من دعوته الي تأسيس شركة ذات امتيازات في فلسطين تحت حماية إنجلترا وذلك الي حين تحويلها الي دولة يهودية( نموذج جنوب إفريقيا). المفكر الأمريكي جاك سوستيل:هي جوهر اليهودية وظاهرة إنسانية وثقافية وتاريخية والدولة الإسرائيلية هي التعبير السياسي والإقليمي والدولي لها. وشهدت تلك الفترة الزمنية ولادة عدة أشكال من الصهيونية التي ساعدت بشكل كبير فعال ومؤثر علي تحقيق العودة الي فلسطين ولكل منها اسلوب ومنهاج ورواد أهمها:الصهيونية السياسية.. الصهيونية الاستيطانية( العملية/التسللية).. الصهيونية التوطينية.. صهيونية غير اليهود.. الصهيونية القتالية.. الصهيونية العمالية.. الصهيونية التوفيقية.. الصهيونية الوظيفية. وسيتم عرض هذه الأشكال للصهيونية العالمية تباعا إن شاء الله. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا