شاءت الأقدار فى المرحلة الراهنة التى تتحدد فيها موازين القوى فى المنطقة أن تكون الدول العربية الرئيسية فرادى أو مجتمعة فى وضعية لا تحسد عليها، فبداية تبدو الدول الصلبة كثيفة الإمكانيات المادية والبشرية وتمتلك مؤهلات القوة فى العالم العربى فى حالة ضعف وانتكاس محض، وكذلك تبدو محاور التعاون التقليدى على المستوى العربى والتى كانت تحدد بوصلة القيادة فى جزر منعزلة، وأخيرا تبدو الجامعة العربية كإطار للنظام الإقليمى والأمنى العربى كأنها والعدم سواء. فمصر القائدة والتى كانت الظهير القوى فى لحظات المحنة العربية تعانى أشد معاناة، وهى خرجت من مجال التأثير الإقليمى وفرطت فى جميع أرصدة قوتها بما جعلها فى النهاية فاقدة للقدرة والفاعلية. والخليج الذى ظل لسنوات يراهن على مظلة الحماية الأمريكية والفوائد البترودولارية ويرتكز على أنظمة سياسية هشة، وبنى مجتمعية مهترئة هاهو يواجه عواصف التغيير الإقليمى وحيدا بعدما بدا أن أمريكا فى غير حالة استعداد للاستمرار فى سياساتها الإقليمية التقليدية، وبعدما تهددت الاحتياطات النقدية، وبعدما أصبحت هذه الدول فى مرمى النيران الإقليمية والدولية. وسوريا بمكانتها وقوتها كدولة خرجت من التاريخ. خرجت على ما يبدو بلا رجعة منظورة فى المستقبل القريب. ما معنى أن يفشل العرب فى اختبار أى قدرة على التأثير فى مجريات الأحداث على الساحة العربية وفى قلب بلدانهم، وبصورة تهدد أى مستقبل للوحدات السياسية الموجودة بحدودها الراهنة؟. ما معنى أن يفشل العرب من خلال جامعتهم الضعيفة فى تمرير أى مشروع عمل مشترك لمواجهة التحديات؟. ما معنى أن تطرح السعودية مبادراتها خارج مجال الحركة التقليدى بين الدول العربية؟. ما معنى أن تمد مشروعات تعاونها الاستراتيجى والعسكرى شمالا لتضم تركيا، وشرقا لتجلب باكستان واندونيسيا؟. ما معنى أن تتقاطع مصالح مصر والسعودية وسوريا خلال المرحلة الراهنة؟. ما معنى أن يقف العرب كمتفرجين على مشكلات تهدد مصيرهم كتلك التى فى الصومال منذ عقود، وتلك التى فى اليمن وليبيا وسوريا منذ سنوات؟. ما معنى أن تملك كل القوى فاعلية فى الأزمة السورية بانتظار لحظات الحسم وتحديد نصيبها من النفوذ والتأثير، بينما ينتظر العرب من سوريا كيف سيكون مصيرهم ومستقبلهم دون أى تدخل فى استشراف هذا التغيير بتحدياته وفرصه؟ المعنى الواضح والأكيد أن لحظة نهاية نظام إقليمى تبدو مرسومة بخطوط تزداد وضوحا يوما بعد يوم، لحظة ستحدد فيها إيران حدود تأثيرها وفاعليتها، تأثيرها الذى لم يعد فقط موجودا فى عواصم العرب ومدنها، بل ذلك التأثير الذى اخترق قلب إفريقيا وأسس لعلاقات متشعبة دوليا، وفتح مسارا للتصالح مع الغرب وعلى وشك أن يكون صديقا مأمون الجانب، فى وقت نتحول فيه نحن إلى كتلة يأس، وعدوا موصوما بالإرهاب والعنف. المعنى الواضح أن الصراع العربى الإسرائيلى الذى ظل يحدد التفاعلات داخل النظام الإقليمى القديم، سيتغير ليتخذ الصراع الجديد أبعادا مختلفة، فهو صراع مذهبى سنى شيعى بين الدول وداخلها، صراع بين القوميات والأعراق صراع بين الغالبية والأقليات، صراع مناطقى بين الأقاليم، صراع دينى وتاريخى. المعنى الواضح أنه صراع متداخل ذو طابع تفتيتى، يضعف الأقوياء، ويقضى على مساحات الأمل أمام أى مشروع لبناء فاعلين مؤثرين. المعنى الواضح أن مرحلة اللانظام إقليمى التى كانت موجودة برسوم خافتة ستكون واقعا، وسيصبح الجميع أدوات فى يد القوى الإقليمية والدولية المؤثرة. لا يتحمل أحد ما آل إليه حالنا إلا أصحاب المسئولية الذين حددوا بوصلة الخيارات الإستراتيجية فى الدول وعلى مستوى العمل الجماعى. هؤلاء الذين تجاهلوا نبض الحركة الجماهيرية فى لحظات متعددة داخل الدول وعلى تخوم مشاريع التعاون. هؤلاء الذين شغلهم تثبيت أركان الكراسى والمراكز ومازالوا، بينما همشوا إرادة الجماهير ورغبتها فى التفاعل مع حركة التاريخ.