في حياة الأمم والشعوب أيام عظيمة غيرت مجري التاريخ علي وجه الأرض, ولعل من أهم هذه الأيام في حياة المصريين يأتي52 يناير1102, يوم هب شباب مصر نافضين عن أنفسهم غبار سنوات من الاغتراب عن مشاكل الوطن وهمومه, والعزوف عن المشاركة في رسم ملامح المستقبل, بعد أن استشعروا بأنهم مهمشون وليس لهم دور في صنع مستقبل وطنهم الذين هم جزء منه. ومع إيمان الشعب بحقهم في الحياة وتحركهم لاسترداد هذا الحق واعتراف جميع طوائف الشعب بمشروعية مطالبهم, تحقق لمصر ما لم يستطع الآباء أن يحققوه. ولكن السؤال الآن: وماذا بعد؟! اعتقد أن إعادة بناء الوطن علي أسس سليمة وصحيحة كان في حاجة إلي ثورة سلمية حقيقية, ليس ضد النظام ورجاله فحسب, بل ثورة علي كل ما كان سببا في انهيار قيم وأخلاق ومبادئ وتقاليد المجتمع المصري, فلا يجب في ظل نشوة الانتصار الذي تحقق وزخم الأفكار والاطروحات التي تطالب بتغيير أو تعديل الدستور وغيره, لا يجب أن ننسي أن هناك قيما قد انهارت بفعل الفساد الذي استشري, تعرض خلالها الوطن لعمليات تحول رهيبة نحو مظاهر النفعية والانتهازية, ظلت تنخر كالسوس في عظام الوطن. ولعل أهم مكتسبات هذه الثورة الشعبية التي انصهر فيها جميع فئات الشعب المصري أنها ايقظت الضمير الوطني, واستعادت الوعي السياسي الغائب, داخل نفوس شرائح المجتمع المختلفة, وهو ما يجب استثماره جيدا في احداث صحوة ضمير في جميع قطاعات الدولة, والتعويل عليه لاستعادة القيم الغائبة, إن الأمر المؤكد أن مصر لن تعود أبدا إلي ما كانت عليه قبل52 يناير.1102 فهناك عهد جديد قد بدأ, ونحن في سبيلنا لبناء ديمقراطي حر, يسمح بتولي سلطة مدنية منتخبة انتخابا شرعيا, بإرادة حرة من الناخبين, تستمد قوتها من شرعيتها في الشارع, وتخضع لمحاسبة الشعب, وتحكم وفق إرادته, وتحترم القانون والدستور, وتعمل علي استغلال سلطة القضاء والحفاظ علي هيبته, وتصون كرامة المواطن بالعمل علي تنفيذ الأحكام القضائية حتي ولو كانت بحق برأس السلطة نفسه, وتعمل علي توفير المناخ الصحي الذي تنمو في ظله الحريات, وتحافظ علي حق المواطن في التعبير عن رأيه بالطرق السلمية, وكفالة هذا الحق دون المساس بأمن الوطن أو المواطن, ولابد من العمل علي احلال قيم العدل والمساواة بين أبناء الوطن جميعا في الحقوق والواجبات دون تمييز في توزيع الثروات أو في شغل الوظائف, وأن يأتي اختيار القيادات العليا علي أسس موضوعية, وطبقا لمعايير الكفاءة والتميز, للقضاء علي ظاهرة الوساطة والمحسوبية, وانعدام الشفافية. نحن نحلم بأن يتم اختيار المحافظين بالانتخاب الحر المباشر, وأن تخضع سلطاتهم لحكم الشعب لتسهل محاسبتهم إن اخطأوا حتي يكون ولاؤهم للشعب. نتمني أن يصدر قانون محاسبة الوزراء لاخضاعهم لسلطة الشعب, وحتي يمكن حسابهم وهم في السلطة, قبل أن يستفحل أمرهم ونسمع عن مليارات أخري قد نهبت وتم تهريبها إلي بنوك أوروبا. نريد أن يشعر كل مواطن يعيش علي أرض مصر بأنه حر يعبر عن رأيه بكل اطمئنان, ويشارك ويناقش, يقبل ويرفض, ويؤيد ويعارض, ويحتج دون خوف أو قلق. وفي خضم هذه الحقوق هناك واجبات علينا جميعا لابد أن نؤديها حتي يتم تغيير الصورة السلبية التي كنا عليها قبل ثورة يناير العظيمة, وهذا التغيير لابد أن ينبع من داخلنا نحن دون أن يطلبه منا أحد, لأنه الأساس في صنع التغيير. فعلي كل موظف متكاسل لم يكن يقوم بواجبات وظيفته لعدم شعوره بأنه شريك في صنع التنمية أو أن عائدها سوف يعم عليه أن يعلم الآن أنه الأساس في إحداث التنمية المنشودة. وعلي المعلم الذي لم يكن يؤدي دوره في إعداد الأجيال القادمة أن يؤمن بأنه شريك أساسي في صنع المستقبل. وعلي كل من يعزف عن المشاركة المجتمعية بسبب احباطات تولدت عن ممارسات قمعية وسياسية فاسدة في مرحلة سابقة أن يؤمن بأن مشاركته الآن ضرورية في ظل مناخ الحرية الذي صنعته إرادة شباب مصر الحر في52 يناير.