لا يمكن ان تترك مصائر الدول رهينة للفورات الشعبية العشوائية، وترمي في المجهول لأن البعض يرفض الاستماع الي لغة العقل أو يريد تغيير سنن الحياة بطرفة عين، خصوصا اذا تعلق الأمر بمصائر الأمم، التي تمثل أمانة في أعناق الحكام، وأي تفريط بهذه الأمانة تحت ضغط الشارع من دون تأمين البدائل، يؤدي الي الفوضي كما جري في تونس وبعض الدول التي انزلقت إلي جنون العنف ويكون ذلك خيانة أمانة من القادة الذين يتحملون وزر المسؤولية امام الله والوطن... هذا ما أراد الرئيس المصري حسني مبارك قوله في خطابه الأخير، وهو يسعي الي وضع مصر في الايدي الوطنية الأمينة التي يختارها الشعب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تاركا للتاريخ أن يحكم له أو عليه. حسني مبارك الذي خاطب شعبه بكل شفافية، ايقظ الروح وجعل الدموع تنهمر حارة من المآقي، لعل تلك الدموع تغسل أدران سفاهة البعض الذين تحركهم نوازع السوء ولعلها تمسح الأخطاء والبذاءات التي اطلقها أولئك البعض الذين لا يشكلون إلا القلة من شعب مصر، وليس بالضرورة أن تجسد مطالبهم مواقف ال 85 مليونا الذين ذرفت غالبيتهم الدموع معتذرة من رئيسها عما فعله السفهاء ومن اندس بينهم. اعذرهم يا سيادة الرئيس، فهؤلاء لا يعرفون ماذا يفعلون، وان عرفوا فمعرفتهم قاصرة وملتبسة او مشوهة وغير يقينية، هؤلاء لم يتذكروا ماذا قدمت لهم من انجازات وكيف غيرت الصورة النمطية التي انطبعت في الأذهان عن الشعب المصري منذ ثورة عام، 1952 فأنت من فتح أبواب الاستثمار في مصر، وأنت من اقنع المستثمرين العرب والاجانب والمصريين ان يبنوا المشاريع ويؤمنوا فرص العمل لمئات الآلاف، وأنت الذي أتحت لهم كل وسائل العصر الحديثة ليتمتع بها الشعب، وأطلقت مسيرة الديمقراطية، وحرية التعبير وسمحت لهؤلاء ان يتظاهروا، لكن بعضهم تفوه بكلام بذيء وتجرأ علي كتابة تلك البذاءات علي دبابات الجيش التي انتشرت في الشوارع والميادين لحمايتهم وليس لقتلهم، هذه الحرية التي مارسها شعبك الي اقصي الحدود بشرط ألا تؤذي أحداً، استغلها أصحاب الأجندات المشبوهة وفعلوا ما فعلوا. اعذرهم يا سيادة الرئيس فالبعض لم يستوعب عظمة انجازاتك رغم الامكانيات المحدودة. لقد جعلت مصر قوة اقتصادية اقليمية مؤثرة، وأعدت إليها دورها العربي الكبير. نعم، انت من حافظ علي مصر الكبيرة بحنكتك السياسية، وأنت الذي وقفت إلي جانب الحق الكويتي انطلاقا من معدنك العربي الأصيل واستجابة لرغبات شعبك الذي تجمعنا به علاقات تاريخية راسخة جذورها المحبة والاحترام، وإذا صدرت أصوات نشاز من هنا أو هناك فهي لا تعبر عن الكويت ودول التعاون الخليجي, بل تعبر عن أصحابها فقط. اعذرهم يا سيادة الرئيس, لقد قسا بعض السفهاء عليك ولم يدركوا أنهم يقسون علي أنفسهم, وعلي مصر كلها. فهؤلاء الجاحدون اعماهم وهْمُ تكبرهم علي وطنهم فلم يرأفوا به. نحن نعرف مسارك طوال 30 عاما، ونعرف كم أنت كبير النفس والخلق ولست ممن يحقدون، ولست ممن تحني العواصف العابرة قاماتهم، ولذلك وقفت كالطود أمام شعبك وقلت بكبرياء الرجال الشجعان إنك من ارض الكنانة وإليها ستعود، وإنك لن تهرب من حمل الأمانة وانك ستسلمها لمن سيخلفك. لقد فهم شعبك الوفي الرسالة وعبر عن ذلك بتلك الاندفاعة الي تأكيد امتنانه لما قدمت لمصر، وترجمه بالدموع المنهمرة اعترافاً بالجميل، وبتظاهرات مؤيدة لوقفتك ولاستقرار مصر. اعذرهم يا سيادة الرئيس، فهم لم يتذكروا الظروف الصعبة التي وصلت من خلالها إلي سدة الرئاسة، وهي ظروف لا يغبطك عليها احد، فأنت دخلت بثوب نقي وستخرج بثوب أكثر نقاء، أنت العفيف الذي حمل مصر في قلبه ووجدانه وستخرج فارسا بإرادتك، كما يترجل كبار الفرسان. نعم, ستترجل فارسا، ميدانك حبك لمصر وأهلها متوجاً بأمانتك وحبك لأطفال وشباب وشيوخ ونساء أرض الكنانة، ولن تترك مصر في مهب نزوات الذين توهموا أن الوقت قد حان لينقضوا علي الحكم وعلي الاستقرار، وحاشا ان تسمح لهم، لأنهم قتلة ولصوص واصحاب اجندات خارجية، ورغم ذلك صبرت عليهم وعلي إفكهم وبهتانهم واضعاً مصر ومستقبلها نصب عينيك، فيما هم كانوا سفهاء، حاولوا استغلال انتفاضة الشباب المتحمس، لقطف ثمار تلك الاصوات العفوية التي لم تكن تمانع، في يوم من الأيام، سماعها، بل أنت من هيأها لتقول كلمتها بحماسة. اعذرهم يا سيادة الرئيس عن كل تلك الترهات التي جاء بها ناكرو الجميل, فنحن عزاؤنا هنا في الكويت والخليج أن أمة العرب كلها رأت في دموع شعبك كل الوفاء لك ولمصر، هذا الشعب العظيم الذي لم ينس سنواتك معه، ولم ينس كم هي عظيمة مواقفك الوطنية والعربية. أنا لست من شعبك, لكنني عشت إنجازاتك وكنت قريباً من مشاعرك تجاه وطنك وأمتك، وأتذكر دائما موقفك عندما غزا صدام حسين الكويت، حيث توهم حينذاك، ان الزعامة التاريخية تشتري، لكنك أثبت زيف وهمه ولقنته درساً بأن الزعامة لا تشتري ولا تباع، بل تصنعها المواقف المشرفة للقادة الانقياء الشجعان الأحرار. شعب مصر يعرف انه اتعبك وأنت تعبت معه ايضا، وحانت ساعة الراحة. والله من حقك يا سيادة الرئيس ان ترتاح والتاريخ سيحكم بما لك وما عليك، وسيجد أن ما لك أكثر مما عليك... فاعذرنا أيها الفارس... الكبير. كاتب المقال : رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية