أصدر القضاء المصري مؤخرا حكما بسجن الأستاذ إسلام بحيري الذي كان يعمل مقدما لبرنامج مع إسلام علي قناة القاهرة والناس لمدة عام, ومنذ أن صدر هذا الحكم خرج علينا الكثير من الإعلاميين عبر برامجهم يدافعون دفاعا مريرا عن هذا الرجل, وينتقدون هذا الحكم باعتباره مقيدا لحرية الكلمة, وهدما لتجديد الخطاب الديني, وقد تناسي كل هؤلاء ما كان يسببه هذا الرجل بكلامه عن الفقهاء والمفسرين والمحدثين من إيذاء وجرح لمشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم, الأمر الذي جعل الأزهر ينتفض لما سببه هذا البرنامج من هذا الجرح والإيذاء, ولم يكن انتفاض الأزهر بسبب انتقاد هذا الرجل لبعض نصوص الفقهاء القدامي أو الكلام عن بعض الأحاديث, فهذه الانتقادات والمناقشات والاعتراضات موجودة منذ آلاف السنين حتي من الفقهاء للفقهاء, وهذه الانتقادات والاعتراضات موجودة في مقررات جامعة الأزهر, ولكن لم يكن يتعرض أحد لشخص الآخر ويصفه بالنصاب أو المحتال أو الإرهابي أو يتهمه بأنه يكفر هذا أو ذاك أو أنه سبب لظهور الإرهاب, وكأن الإرهاب الذي يعلم الجميع من يصنعه ينتظر حديثا للبخاري أو مسلم أو نصا لأحد الفقهاء القدامي, الكل يعلم من صنع تنظيم القاعدة, ومن صنع داعش, ومن يصنع من يهدد أمن واستقرار العرب والمسلمين ويحافظ علي أمن إسرائيل, هل سمع أحد عن عملية استشهادية قام بها تنظيم الدولة الإسلامية كما يطلقون عليه ضد إسرائيل; تطبيقا لباب الجهاد الذي تمتلئ به كتب الفقهاء القدامي. إذا كان المقصود بتجديد الخطاب الديني هو تشويه ونسف وحرق كل ما تركه لنا هؤلاء الفقهاء والمحدثون والمفسرون فليذهب هذا التجديد إلي الجحيم. وإذا كان المقصود من تجديد الخطاب الديني هو الشتم والسب والقذف للعلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين استشهد الله عز وجل بهم علي أجل مشهود به وهو التوحيد وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته, فقال تعالي(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)( آل عمران18) فليذهب هذا التجديد إلي الجحيم. وإذا كان المقصود من تجديد الخطاب الديني هو تشويه النصوص الفقهية باجتزائها لتكون كقوله( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة)(النساء:43) وقوله تعالي( فويل للمصلين)(الماعون:3) فليذهب هذا التجديد إلي الجحيم. وإذا كان المقصود من تجديد الخطاب الديني أن يخرج علينا أي شخص غير مؤهل ولا يملك إلا عقدا في إحدي القنوات الفضائية ليصرخ ويهاجم ويزرع الفتن ويتعصب لموقفه ولا يقبل الرأي الآخر الذي يحاول التصحيح وفقا لقواعد وأصول علمية فليذهب هذا التجديد إلي الجحيم. وإذا كان المقصود من تجديد الخطاب الديني هو تشويه الأزهر وإمامه الذي يوضع علي الرأس في جميع أنحاء العالم الإسلامي فليذهب هذا التجديد إلي الجحيم. وأخيرا: فإن اللجوء إلي القضاء لإخماد الفتنة ومحاربة هذا الفكر الشاذ الذي لا يقبل المناقشة ولا محاولة الفهم ليس جريمة ولا عيبا في حق الأزهر, كما أن الدفاع عن العلماء وعما تركوه لنا من علم ليس جريمة بل هو حقهم وعمل بسنة نبينا صلي الله عليه وسلم; فقد كان من أحوال السلف الصالح توقير العلماء, واحترام أهل الفضل, قالتعائشةرضي الله عنها:أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم, وعنجابر بن عبد اللهرضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلي أحد ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن, فإن أشير إلي أحدهما قدمه في اللحد. والتطاول علي العلماء قد يهون من قيمة العلم وأهله, وفي هذا من المفاسد ما لا يخفي, قالابن عساكر رحمه الله:...إن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة, وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالي قبل موته بموت القلب( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)(النور:63). فقد حث الإسلام علي توقير العلماء وإجلالهم; ففي سننأبي داودعنأبي موسي الأشعريقال: قال النبي صلي الله عليه وسلم:إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم, وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه... ومن ثم: فليعلم الجميع أن اللجوء إلي القضاء ليس سبة, ولا إهانة للكلمة, ولا لحرية الكلمة, بل كل عمل في الحياة له ضوابط سواء كانت شرعية أو قانونية أو عرفية, فإن لم يقيد هذا العمل بهذه الضوابط فهو جريمة يقصد منه الهدم لا البناء. أستاذ الفقه المقارن المساعد بكلية الشريعة والقانون- جامعة الأزهر