يقول المثل الشعبي:الأدب فضلوه علي العلم..ويبدو أن هذا المثل لم يطلق اعتباطا بدون حجة أو منطق, حيث أثبتت دراسات حديثة صحته الأمر الذي فجر علي شفتي ضحكة مريرة حين تذكرت المقولة التافهة التي روج لها الإخوان لاستعداء الشعب علي الشرطة لإهانة خريجي كليات الشرطة والجيش بوصفهم بأنهم بتوع ال50% اللي بيتمنظروا علي المتفوقين بتوع99%, وذلك قبل أن يكتشف الجميع أن صاحب ال50% يموت شهيدا بواسطة قنبلة يصنعها ويزرعها بدون رحمة ولا شفقة صاحب ال90%, لتكشف لنا الأحداث أن معظم هؤلاء الإرهابيين درسوا بالكليات العلمية, ولم يكن الأمر مقصورا أبدا علي الفقراء أو الجهلاء والسذج, الأمر الذي دفعني لتوجيه سؤال مباشر للدكتور جابر نصار حين كان في ضيافة الأهرام المسائي عن تفسير مقنع لكثرة عدد المنتمين للجماعات الإرهابية من بين دارسي كليات القمة, فأجاب بأن الأمر بالفعل ظاهرة لها أسباب علمية, وهي أن طلبة الكليات العلمية تفكيرهم أحادي الاتجاه ولم يعتادوا التفكير الناقد, فدراستهم للعلوم التجريبية تجعل من عقولهم عقولا نمطية تقبل ما يلقي عليها طالما اتسم بحجة ظاهرة دون تفكير, الأمر الذي دفعه كمسئول لتغذية هذه الكليات بأنشطة فنية وأدبية لتدريب الطلبة علي التفكير الإبداعي والنقدي والانفتاح علي فنون الحياة والعلوم الإنسانية حتي لا يسقطوا فريسة استغلال التوجهات المتطرفة. لقد بدا التفسير مقنعا لي, ولكنه لم يكن كافيا, فبحثت عن مزيد من التفاصيل, لأجد بالفعل دراسة علمية نشرت العام الماضي تثبت سهولة استقطاب دارسي العلوم التطبيقية للتطرف والإرهاب لمجرد اقتناعهم بما يقدم إليهم من حجة تبدو منطقية في ظاهرها حتي لو كانت مزيفة في الحقيقة, ولكن المحير في الأمر أن من أعد الدراسة هو مارتن روز كبير مستشاري المجلس البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا,الأمر الذي توقفت عنده قليلا,لاتساءل عما إذا كانت هذه الدراسة جاءت كتحليل لظاهرة انتشرت مؤخرا,أم أنها كانت منهجا سارت عليه بريطانيا حين مولت جماعة الإخوان التي خرجت من تحت عباءتها كافة الجماعات الجهادية والإرهابية ثم احتضنت رموز جماعات الإرهابية,خاصة وأن الباحث استعان في دراسته بسلسلة من الدراسات الأكاديمية وبعض ملفات المخابرات البريطانية التي تصف المجند المثالي بأنه ذكي وفضولي لكنه يطيع الأوامر من غير جدال. المهم في الأمر الآن هو التفسير الذي قدمته الدراسة لسهولة استقطاب هؤلاء من جانب المتطرفين دون غيرهم من دارسي العلوم الأدبية,حتي إن البعض سخروا من جماعة الإخوان لأنها لم تضم يوما كاتبا أو مبدعا أو مفكرا بين كوادرها,كما أكد الكاتب ثروت الخرباوي أن الجماعة كانت تحرص علي اختيار معدومي الفكر وتعمل علي إقصاء من يحاول استخدام عقله,وقد كشفت الدراسة أن48.5% ممن انضموا لهذه الجماعات في الشرق الأوسط تلقوا نوعا من التعليم العالي,وأن44% منهم حصلوا علي درجات في الهندسة. وتصل هذه النسبة بين الجهاديين الغربيين إلي59%, ويرجع مارتن روز السبب إلي أن تعليم العلوم الطبيعية فشل في غرس التفكير النقدي في أذهان الطلاب لاعتماده علي الحكم علي الأشياء بمعيار الصحة أو الخطأ فقط بدون النظر لاحتمالات أخري أو مراعاة للفروق والمعايير المتغيرة في كل حالة,بخلاف ما تفعله النقاشات في التخصصات. لذلك تصبح العقلية الهندسية لدارسي العلوم الطبيعية أكثر سهولة للوقوع في أيدي مجنديهم الإرهابيين. لقد قدمت الدراسة البريطانية تفسيرا من وجهة النظر الغربية,ومع ذلك أعتقد أنه لا يجب علينا الاكتفاء بذلك,وأن مؤسساتنا البحثية في مجالات العلوم الاجتماعية عليها دور في إجراء الدراسات حول هذه الظاهرة وتقديم حلول لها للحفاظ علي شبابنا حتي يتخرجوا علماء مبدعين ولا ينتهي بهم الحال إلي مجرمين وإرهابيين. [email protected]