تجديد الخطاب الديني أصبح من أبرز القضايا الأساسية التي تهم الشأن الإسلامي في الآونة الأخيرة إن لم يكن أبرزها, الإسلام في عمقه حوار مستمر بين النصوص الدينية الثابتة من جهة , والحياة الواقعية المتغيرة من جهة أخري, أو هو جدل دائم بين ثابت أزلي ومتغير متجدد, الفرق واضح بين الثابت والمتغير, والمنطقة المحرمة لا يختلف عليها اثنان, من هنا لابد أن نضع المفاهيم والضوابط والمحددات أمام المسلم حتي لا يختلف في أي قضية, إذ أن باب الظن هو الذي اجتهد فيه المجتهدون. هكذا بدأ الدكتور جمال رجب سيدبي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة قناة السويس حديثه ل الأهرام المسائي حول الخطاب الديني وقال: هناك فرق بين القواعد الكلية في المقاصد, وبين الاشتغالات في بعض أحكام العلم. قال تعالي: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم, إذن نحن نقول لله وللرسول سمعنا وأطعنا: هذه واحدة, لذلك حتي لا يختلط الأمر علينا لابد أن نحدد الفرق بين الثابت والمتغير, حيث أن المنطقة المحرمة لا يختلف عليها, ولكن نري من ينادي بتجديد الخطاب الديني, وهو لم يقرأ في علوم الدين وبضاعته مفلسة.. كيف؟! لذلك لابد أن نضع المفاهيم والضوابط والمحددات أمام المسلم حتي لا يختلف في أي قضية, فباب الظن باب عظيم اجتهد فيه المجتهدون. ماذا تقصد بباب الظن؟ أي باب المتشابه في القرآن الكريم مثل النظر في وجه الله الكريم, وهنا ندرك أن لله وله المثل الأعلي يد, ولكن ليس ككل الأيدي, وهذا موضوع كبير عند علماء الكلام في تأويل النص المتشابه, وليس النص المحكم. أشرت إلي المنطقة المحرمة بماذا تقصد؟ المنطقة المحرمة عند علمائنا الأوائل الذين كانوا يعرفون معني الدين, ومعني الشريعة الغراء هي التي لا يجترئ عليها ولا يقترب منها أحد أبدا أما في باب الاجتهاد سواء في علوم الدنيا أم علوم الدين فنحن مأمورون بالاجتهاد ولا يوجد فصل بين الدين والدنيا, ولكن نحتاج إلي البحث عن فقه المقاصد في الشريعة الغراء, وهناك من يجتهد في استنباط الحكم الشرعي, ولابد أن يكون عالما بالمقاصد والقواعد الأصولية التي تضبط اجتهاد الفقيه مثل النحو عندما يضبط لغة المتحدث, والنحو والصرف عندما يضبطان لغة المتكلم, والقواعد الأصولية مع المقاصد تضبط استنباط الحكم الشرعي. لنضرب مثلا للقاعدة الأصولية؟ قاعدة لا ضرر ولا ضرار وفي ضوء هذه القاعدة يجتهد العلماء في حكم التدخين, هل له ضرر؟ فنجد بعض العلماء يقول هو في مرتبة الكراهة, والبعض يقول انه في مرتبة التحريم, وفي ذلك يجتهد المجتهدون, ومثلها قاعدة الضرورات تبيح المحظورات عند أصول الفقه. وما قولك فيمن يدعي أنه عالم ويفتي بغير علم؟ هذا هو الضرر بعينه وهم كثر وبضاعته من العلم مفلسة, ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه, كان العلماء الأوائل عندما يسأل أحدهم كان يفتي في مسألة ويعتذر عن مئات المسائل لأنه يعرف أن الفتوي في الدين أمر جلل وسيحاسب عنه. ألا تري أن الدعوة لتجديد الخطاب الديني تفتح الباب لهؤلاء أن بدلوا يدلوهم بغير علم؟! الإسلام لا يريد إنسانا متبلدا يأخذ ويتلقي فقط ثم ينفذ, لكن يعطيه لمحة للتأمل ودعوة للنظر والبحث, قال تعالي قل سيروا في الأرض فانظروا ونحن ندعو إلي تجديد الخطاب الديني لكن لابد أيضا من عدم إطلاق العنان لمن لا يعرف أن يتحدث باسم الدين. وما مواصفات الداعية في رأيكم؟ لابد للداعية أن يكون رصينا, يعرف لغة عصره وأمته وقضاياها, ولديه ثقافة متنوعة وثرية من علم النفس والفلسفة, وأن يكون متخصصا في بابه الأصيل ومتمكنا فيه حتي يستطيع أن يقتحم عقل ونفس الانسان المعاصر حيث أن لديه تحديات من النظريات العلمية وإبداعات الحضارة الجديدة, لذلك لابد لمن يتصدي للخطاب الديني أن يواكب العصر ويواكب الرأي والرأي الآخر, ويستفيد من علوم العصر لا أن يكون متخلفا. إذا قلنا أن الخطاب يتضمن ثلاثة عناصر عالما ورسالة ومتلقيا ألا تري أنه لابد أن يكون هناك نوع من التفقه في الدين أو الفقه العام لأحداث العصر بالعلم؟ هذا صحيح, لكن هناك دعوة, وفقه الدعوة ليكون علي علم بما يقال للعامة ولا يقال للخاصة ومتي يقول الكلمة, وفي أي موضع يقولها, فيكون العالم واعيا بقانون التوازن في الدعوة, ما بين الترغيب والترهيب, فتجديد الخطاب الديني يحتاج إلي لغة جديدة في الخطاب, وطرح القضايا والموضوعات التي تساهم في بناء عقلية إسلامية معاصرة تجمع بين الدين والدنيا. ولكن البعض يفهم تلك المرونة بفهم خاطئ عن الدين؟ الفهم الخاطئ أن نقول للدنيا وداعا ويكون ذلك منافيا لقول رسول الله) صلي الله عليه وسلم) اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا بمعني أن نملك الدنيا في أيدينا, وأن نسخرها ونوظفها للعمل لله سبحانه وتعالي, ومن أجله لأن عليها ثوابا وعقابا, وهذا المنهج العظيم الذي في لغة الخطاب فيه توازن وتناغم قال تعالي وابتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسي نصيبك من الدنيا فتلك التعادلية بين الدنيا والآخرة لابد أن تتضمنها لغة الخطاب حتي نستطيع أن ننتج جيلا متوازنا ومتناغما يستطيع أن يساهم في إبداعات الحضارة. ألا تري أن هذا ينافي أيضا ما يظنه البعض من أن الخطاب الديني بمعزل عن التقدم العلمي والتكنولوجي؟ أضرب مثالا واضحا من خلال ابن الهيثم أحد علماء المسلمين في الضوئيات والبصريات, وأيضا ابن النفيس في الدورة الدموية, وغيرهما ممن كانوا يقدمون للعلم بأخلاقيات ونسق قيمي عال جدا, لأنه يعلم أن المنهج متكامل, ولا يمكن لأمة تخلت عن قيمة الأخلاق ومنظومة القيم وتحقق نهضة, حتي الأمم الوضعية التي بلا دين, وقد سألت أحدهم ما رأيك في الكذب؟ فقال الكذب جريمة ونجد الإسلام يجرم الكذب وحديث رسول الله( صلي الله عليه وسلم) يؤكد ذلك في الحديث الشريف المعروف إذن المنظومة القيمية مع التطور التكنولوجي عندما صار العقل والدين في خط واحد تقدمت الأمة. وعندها أصبح العالم العربي والإسلامي هو العالم الأول لا العالم المتخلف أو العالم الثالث كما هو عليه الآن. وهذا يعني أن تجديد الخطاب يجمع بين العلم والأخلاق في بوتقة واحدة؟ مناط الدعوة الإسلامية أو القرآن الكريم مبني علي النظرية الأخلاقية أو القيمة الأخلاقية يقول رسول الله( صلي الله عليه وسلم) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق, ومنظومة العلوم عند العرب والمسلمين كان لها باع طويل في مزج القصة الأخلاقية بالعلم, لذلك لابد من العقلية العلمية والإسلامية أن تجمع بين الأخلاق والعلم في لغة الخطاب. لماذا الخطاب الديني بالتحديد وليس الخطاب الثقافي أو الإعلامي أو الاقتصادي؟ الدين هو المحرك للشعوب.. المحرك للأمة ولا يمكن أن يتقدم المجتمع ويحقق الآمال بدون التمسك بالدين, بعبقريته وبعظمته وبجماله, الأمة تعاني من انهيار أخلاقي ولابد من تجديد في الخطاب الديني حتي ننقذ الأمة, وذلك من خلال هدفي النبي( صلي الله عليه وسلم) وإنك لعلي خلق عظيم ولابد أن ننتقل من التنظير إلي التطبيق, ومن الكلام إلي السلوك وهذه تحديات. هل تجديد الخطاب الديني مسئولية الخطيب وحده؟ الآن الفرصة سانحة من خلال وسائل التقنية المعاصرة من وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها, فلو أجرينا إحصائية علي مستوي العالم الإسلامي لوجدنا أن الأمة الإسلامية تضيع أوقاتها للأسف فيما لا يثمن ولا يغني من جوع, والخطاب يجب أن يرشد الأمة نحو استثمار الوقت, نحو المحافظة علي ممتلكات الدولة والأمن العام, حيث إن تلك الممتلكات يجب أن تكون جزءا من تجديد الخطاب. برأيك هل توجد مرجعية للأئمة حاليا في النهوض بهذه المهمة؟ طبعا الأزهر الشريف يعتبر مرجعية مهمة حيث يمثل الوسطية للأمة والمسلمين في العالم وتعقد الآن دورات لشباب الدعاة نحو آليات التجديد للخطاب وثقافة الداعية. هذا يدفعنا إلي الحديث عن كيفية إعداد الخطيب والداعية الجيد فبماذا تنصح؟ لابد من إعداد الخطيب نفسيا وثقافيا وتربويا ونمده بالكتب والمراجع ولو الأمر بيدي لأعطيتها له مجانا, ولغة الخطاب تكون من خلال التطبيق العملي في سلوكه, وأن يكون أمينا فيما يقول وما يفعل, أن يكون متنوع الثقافات, ولنا في ذلك مثل أعلي في الشيخ الشعراوي رحمه الله نراه كيف يدخل في علم الكيمياء والفيزياء والأحياء أو الكون والفلك والأجمل أنه يربط الأشياء بالدين ويظهر جمال الدين فيها.