وزارة العمل: توفير 3209 فرص عمل جديدة للشباب في 14 محافظة    عقب أداء السيسي صلاة العيد، 10 معلومات عن مسجد مصر بالعاصمة الجديدة (فيديو وصور)    محافظ شمال سيناء يؤدي صلاه العيد وسط جموع المواطنين في مسجد الشلاق بالشيخ زويد (صور)    لأول مره في عيد الأضحى. . أسواق الأضاحى تبحث عن زبائن بسبب الغلاء المقيم    سعر الدولار والعملات اليوم الجمعة 6 يونيو 2025 داخل البنك الأهلي في عيد الأضحى    المجلس الأوروبي: يجب استقلال المحكمة الجنائية الدولية.. والقانون يسود على القوة    فرنسا.. وفاة 4 أشخاص جراء حريق في مدينة ريمس    حماس: مستعدون لمفاوضات جدية وهادفة لوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة    أرسنال يعلن توقيع جابرييل على عقد طويل الأمد    590 ألف مصلٍ يؤدون صلاة عيد الأضحى بمراكز الشباب بالإسكندرية    كرواتيا تواجه جبل طارق في تصفيات كأس العالم 2026    تكثيف أمنى لتأمين احتفالات عيد الأضحى بالقاهرة    محافظ المنيا يؤدي صلاة عيد الأضحى وسط جموع المواطنين بكورنيش النيل    الداخلية تكشف ملابسات وقوع حادث تصادم ووفاة أحد الأشخاص بالقاهرة    محافظ سوهاج يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد "الشرطة" بمدينة ناصر    فسحة ب 5 جنيه.. "نسناس مون وأسود" تستقبل المحتفلين بالعيد في حديقة حيوان الإسكندرية    أحمد العوضى يحتفل بعيد الأضحى مع أهل منطقته في عين شمس ويذبح الأضحية    2 مليون جنيه إيرادات فيلم المشروع x فى الوقفة والإجمالى يتجاوز 50 مليونا    وفاة الملحن محمد كرارة.. تعرف على موعد ومكان الجنازة    شباب قنا يوزعون بليلة بالكوارع والقرقوش في عيد الأضحى (صور)    نجوم الفن يستخدمون الذكاء الاصطناعي ل تهنئة الجمهور بعيد الأضحي    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى وسط أجواء احتفالية بالحسين    الرعاية الصحية: تشغيل خدمات القسطرة والرنين المغناطيسي بمجمع السويس الطبي    طبق العيد، طريقة عمل الكبد والكلاوي عقب ذبح الأضحية    وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية تتفقد مستشفى التل الكبير فى أول أيام العيد    قاض يوقف "مؤقتًا" حظر ترامب التحاق الطلاب الأجانب بجامعة هارفارد    جبران يستعرض جهود مصر في تعزيز بيئة العمل مع وفد "أصحاب الأعمال" بجنيف    التضامن الاجتماعى فى الفيوم تشرف على ذبح الأضاحى لتوزيعها على الأولى بالرعاية    فتح باب التقدم لجوائز اليونسكو الدولية لمحو الأمية لعام 2025    إقبال ملحوظ على مجازر القاهرة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    الداخلية تشارك المواطنين في احتفالات الأضحي بأغنية "بيصح علينا العيد"    الونش: الزمالك قادر على تحقيق بطولات بأي عناصر موجودة في الملعب    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    "إكسترا نيوز" ترصد مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى في مصر الجديدة    سرايا القدس تعلن تفجير آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة شديدة الانفجار في خان يونس    الإسماعيلية.. رفع حالة الاستعداد القصوى في المستشفيات الجامعية خلال عيد الأضحى    محافظ القليوبية يقدم التهنئة للمسنين ويقدم لهم الهدايا والورود - صور    اليوم ذكرى رحيل محمود المليجى "شرير الشاشة"    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    تعرف على الأصل الشرعي لصيغة المصريين فى تكبيرات العيد    محافظ الغربية يؤدي صلاة العيد بمسجد السيد البدوي.. صور    أجواء من المحبة والتراحم تسود قنا بعد صلاة عيد الأضحى المبارك وتبادل واسع للتهاني بين الأهالي    محافظ بنى سويف يُؤدي شعائر الصلاة بساحة مسجد عمر بن عبد العزيز    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    بالمخالفة للتحذيرات، الرجال بجوار النساء في صلاة عيد الأضحى المبارك بالدقهلية (صور )    فى أحضان الفراعنة ..آلاف المواطنين يؤدون صلاة العيد بساحة أبو الحجاج الأقصري    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    الرئيس السيسي يشهد صلاة عيد الأضحى من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية| صور    الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على الانتقادات    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    مها الصغير: كان نفسي عبد الحليم حافظ يحبني ويغني لي    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد جديدة بالمحافظات    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    «3 لاعبين استكملوا مباراة بيراميدز رغم الإصابة».. طبيب الزمالك يكشف    إسبانيا تهزم فرنسا 5 - 4 وتضرب موعدا مع البرتغال فى نهائى دورى الأمم (فيديو)    محافظ سوهاج يتفقد الحدائق العامة والمتنزهات استعدادًا لعيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة
لا شيء في المدي
نشر في الأهرام المسائي يوم 13 - 12 - 2015

سبع سنوات حملت في طياتها طعم الفراغ.. كل لحظة تشعرك وكأنك في مفترق طرق.. لم يكن لديها سوي موضوع واحد للنقاش.. سيطر عليها.
كبلها بقيود لم تستطع منه فكاكا. بل صار مسألة حياة أو موت.. سايرتها فيما انتوت علي أمل.. فاشتعال الرغبة عندها لا حدود لها.. رغبة متأججة طامحة ملكت كل جوارحها.. عرفتها أرملة تخطت الأربعين.. تمنت أن يصير لها بذرة جنين كامن. تتوهج في باطنها تبدأ منها الوجود.. يشتد عودها.. تتطاول فروعها.. تقف بجانبها في لحظات الوهن.. مرفأ أمان ترسو عندها.. امتدت الأيام والسنوات والحلم يتمدد في فراغات الحنين داخلا في دوائر المستحيل.. انتفضت من هول المفاجأة.. أصابها الذهول.. وراحت فيما يشبه الغيبوبة.. تلبستها حالة يصعب علي أن أصف أحاسيسها في تلك الحظة.. أفقتها.. خمدت ثورتها, وإن بقت تكابد الشوق.. تعاني قسوة الانتظار الذي كان يقودها أحيانا إلي شطط.. عجزت عن اقناعها بأننا لا حيلة أو مخرج إلا ترك الأمور للمقادير.. وقد نعثر علي وسيلة للخروج طالما مازلنا أحياء ولا معني لفقدان الأمل.. فلا يقين سوي الموت والحياة ليست سوي لحظة عابرة تكسرها النهايات الحتمية.. مع أني أدرك أن أحلامي تيتمت.. نحوم حول الحقيقة ولا نصب لبها.. متصورين أن سبيل الخلاص في متناول أيدينا.. فنفقد المشاعر! ؟ إلي شئ آخر.. في البداية خيل إلي أنها سحابة ما تلبث أن تتلاشي. لكنها دامت. أضحت كبركان علي حافة الانفجار.. صارت الأمور من سيئ إلي أسوأ.. الأجواء صفوها تعكر.. بحر الحياة صار فارغا رداءه في العلاقة.. تعطلت لغة الكلام.. وبدا العمر يزحف نحو مدارات الخوف من الآتي الذي لم أعد متيقنا من ملامحه.. حرت فيما تضمره, وتنوي عليه.. أخذت فترة من التأمل لأستعادة هدوئي وتوازني. علها تغير مسلكها.. ترمم مسارها وتثوب إلي رشدها.. وأن ما حدث تصرف غير محسوب دونما وعي أو تدبر.. وربما ضغوط نفسية واجتماعية كانت رازحة تحت تأثيرها. فالنفس البشرية ليست كتابا يقرأ.. ننهل منه ما يروق لنا, ونرمي الآخر علي قارعة الطريق.. وطاقة الإنسان مهما اتسعت لها نهاية.. بسطت حبل الود لعودة الجو العامر بالدفء الإنساني.. فهي الآن في حاجة ماسة لرتق جراحها.. ولا أخفيكم سرا أنني أيضا خشيت الولوج في براثن الوحدة.. أمر بالغ الصعوبة.. حيث لا رفيق إلا الصمت.. ومسحه من يقين ملموس كانت تصلني عبر حواسي بدنو موتي وحيدا, وحين يبحثون عني الأقربون يكون مكاني شاغرا.. أحيانا أشفق عليها لحنينها للأمومة.. رغم أن الأحلام ناءت عند التخوم حيث ينام المجهول.. مر وقت طويل وثقيل.. وهي كما هي.. كان لا شئ في المدي, وأنا كالواقف علي حد السكين. مدركا أنني في أزمة إذ كيف أداوي جراح امرأة مليئة بالحرمان؟.
وتنتظر مني أكثر مما أستطيع أن أعطي.. ملكت صبر أيوب.. حاورتها لكسر حاجز الصمت الذي يعلو بيننا.. فك الحصار المضروب حولها ممن يوشون بها بأفكار مغلوطة.. فالعقم الحقيقي في التفكير وليس....., والحياة المشتركة لا خسارة دائما.. لحظات وما توقعته وقع. علت بثوراتها إلي المنتهي.. متهمة إياي أن كل ما قلته من صنع خيالي.. وتصوراتي المريضة.. وعدم إتباع التعليمات وأشياء أخري.. أرادت أن تبرهن علي صحة أقوالها كأنما تستهدف تبرنتها.. انتهي الحديث دون رغبة مني في وصلة.. لم أجد شيئا في خيالي أقوله.. خلا ذهني تماما من أي جملة أو حتي كلمة.. جلست وعلامات الضيق شقت لها طريقا عبر وجهها الشاحب.. ضغطت علي شفتاها السفلي.. صاحبتها رعشة. ثم انغمست في نوبة بكاء حارة.. أدركت أنني قد صدمتها.. كان يجب أن أكون حذرا وأضع في اعتباري ذكري السنوات السبع التي شهدت إحباطاتها كل شهر.. لم تستطع أن تمحو انفعالها وارتباكها المتصاعد كلما أبديت ملاحظة, وأظنها الآن تلعنني, وتصفني بالرجولة الضائعة.. وتنعتني بكل النعوت التي تشتهيها, والأقدار التي رمتني في طريقها.. ساد صمت طويل فيما راحت رأسي تسترجع كل التفاصيل بشئ من الروية.. تفاصيل ظلت مؤجلة إلي حين.. حتي باتت علي قناعة ليس فيها لبث أو تأنيب للضمير.. بأن ما حدث ويحدث لا يجدي نفعا طالما مصيره الفناء.. بعد كل محاولات الإصلاح فكان منتهاي معها.. متحررا من عبء الهوس الذي ألحقته بي.. وليضمد كل منا جراحه بالطريقة التي تناسبه وبقيت وحدي في عزلة البيت الثقيلة.. الوقت يمر من عنق الزجاجة.. وتحول الصمت إلي كابوس, ونوم الليل إلي هاجس مس روحي لآخرها.. ظللت مسهدا حتي بدت حواسي تتهاوي كأوراق الخريف.. ومحيط تنفسي يختنق.. فتحت النافذة.. تنفست ملء رئتي.. الشارع ساكن دون دبيب خطوات أو أنفاس.. السماء مغلفة بالضباب.. القمر متواري خلف السحب.. شعرت بالبرد.. أغلقت النافذة.. وبقي الليل أطول من ساعاته.. كل ما حولي صار واجما.. ووضعتني الوحدة مع ذاتي وجها لوجه.. حدثتها لا تحقق من أنني لازالت علي قيد الحياة.. راودتها كي تنقب عن شئ يشغلني.. وكانت المفاجأة التي لم تخطر لي علي بال.. ومن حيث لا أدري ولا أحتسب وبلا سابق إنذار هوي طيفا يحمل شكل قوامها وملامحها كأنها ما فارقتني منذ أن رحلت إلي ما وراء الوراء.. اتسع مجال رؤيتي رغم الضوء الباهر الذي غشيني.. التقت العيون.. غنني شعو مراهق.. تمنيت أن أحس بها مستلقية بجواري.. أتت لحظة العناق. انفجرت ثنايا الصدر الممتلئة شوقا وحنينا.. رجوتها في نداء داخلي ومناجاة خفية ألا ترحل.. ألقيت بنفسي بين أحضانها.. اجتاحتني مثلما تجتاح المياه الأرض البوار.. شق صوتي جسد الكون كله.. وغفوت في ساحة الحلم الجميل.. وعندما صحوت رأيتها كسحابة تزين السماء.. أطلقت صرخة مكتومة.. تضاعف عجزي عن الإدراك.. فما يحدث ما هو إلا صدي لذاكرة تضيع.. بين جدران الوحدة والاغتراب وكوابيس آخر الليل.. في ظل مناورات النوم المستحيلة.. صراغ غير متكافئ, ولكي لا أفقد توازني نهائيا.. أحضرت ورقة وقلما.. قسمت الوقت والمهام علي مدار الأربع والعشرين ساعة.. ما بين شراء لوازم البيت.. تنظيفه وترتيبه.. غسيل الملابس وتعليقها.. إعداد الطعام.. في بعض الأحايين كنت اتعمد نسيان بعض الاشياء. لانتزع بعض الوقت كنوع من التسلية.. ثم اغسل اسناني, وامام المرأة احلق ذقني, وانتهي بحمام دافئ.. قبل الذهاب لاستهلاك بعض الوقت عند جبريل وعلاء علي شاطئ البحر.. جلسات الفضفضة ونحن نحتسي الشاي.. نراقب الموج وصراعه مع النفايات والمخلفات التي تلوثه.. بقوارب الصغيرة رائحة غادبة بحثا عن ارزاقها, وعند انسحاب الشمس راحلة الي العالم الآخر.. اعود لمشاهدة التليفزيون.. علني اسمع واشاهد نجاة او فيروز او صباح فخري.. فلا أجد غير الصراعات الدائرة.. عنف وراهاب.. مشردين في الخيام.. غرقي في البحر.. موت مجاني علي الطرقات المتوحشة.. نعيق غربان واصوات طيور جارحة.. عبت لايوجد من يوقفه.. اصابني التمزق مثل جسد تقطعت أوصاله.. اغلقته ولجأت الي القراءة وانا اقول لنفسي التي تضخمت هواجسها: كيف وصل العالم الي هذا الحد من التردي؟ وهل أصبح مثل التوحيدي في عزلته وخيبته؟ وتظل ايامي مرصوفة بالإخفاقات!! حار عقلي من علامات الاستفهام التي تدق رأسي بجنون وتوازني الذي صار في مهب الريح.. حاولت الهرب من هذا الغزو الي النوم ربما يضعني تحت تصرفه.. مختبئا من النفس اللوامة.. وما بين لحظة الوعي واللاوعي ارتفعت أسوار العزلة.. وظهر الوسواس الخناس من مكان اجهله. هل أغلقت مفتاح الغاز؟.. بقايا الطعام وضعته بالثلاجة, وانت عائد ألقي نظرة علي الباب الخارجي ربما يكون مفتوحا.. نهضت مفزوعا.. شممت ورائحة عرقي.. صرخت من عمق ذاتي.. فملأ الطنين رأسي.. وأنا في محاولة مضنية للتخلص من قيودي.. تناولت ألبوم الصور الذي بجواري لعله يخرجني مما أعانيه.. أشعلت سيجارة.. لم أعرف منذ متي بدأت أدخن؟ لكني متذكر أول من اعطاني إياها. تسلل إلي بعض الهدوء.. جبت أرجاء البيت فألفيت كل شئ في غير مكانه وما عدت أعرف إن كانت المكتبة هنا أم هناك, والدولاب لصق الحائط أم العكس,, والأنتريه هناك أم هنا.. حتي السرير كان في المنتصف أم بجوار الباب.. وساعة الحائط خيل إلي أنها تسير ببطء كأن قوة ما تجذبها إلي الوراء.. فكرت في إعادة ترتيب كل شئ.. من أنت؟
ليست أنت. بل أنا, وربما الآخر جالسا يستعيد شريط حياته كله.. آملا في خيط أمل ينجيه ليتأكد أن كل ما حدث لم يكن إلا كابوسا يحمل في طياته طعم الفراغ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.