بين تفسير البوسطي للقرآن الكريم الذي يعود إلي القرن الرابع الهجري ومدونة فقه المالكية المكتوبة علي الرق الجلد تستطيع التجول في ذاكرة حضارتنا الإسلامية من خلال المخطوطات النادرة للتعرف علي ذخائر من التراث المخطوط في متحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية, الذي يرعي ويحافظ ويرمم ما تلف من مخطوطات تعدي عددها ال5 آلاف وتخطي عمرها الألف عام, و16 ألف كتاب نادر يحتضن أوائل المطبوعات من القرون الوسطي. إلتقت الأهرام المسائي الدكتور محمد سليمان, مدير إدارة متحف المخطوطات, للتعرف عليالذخائر التراثية ونوادر المخطوطات والكتب, وخطط تدريب الكوادر البشرية في مجال الحفظ المتحفي وترميم المخطوطات وسبل نقل الخبرات إلي صغار المرممين في المؤسسات المماثلة..وإلي نص الحوار. -ما مدي تأثر مكتبة الإسكندرية ومتحف المخطوطات بصفة خاصة بالأحداث التي شهدتها مصر منذ عام2011 ؟ بالطبع تأثرت المكتبة كما حدث مع المؤسسات المختلفة, ولكن يجب الاعتراف أن المكتبة لها مكانة خاصة عند مواطني الإسكندرية ففي الوقت الذي كانت تتعرض فيه بعض المؤسسات إلي هجوم وتخريب, شكل المواطنون دروعا بشرية حول المكتبة لحمايتها من أي عدوان, وما حدث هو وجود بعض التلفيات البسيطة نتيجة اشتباكات وقعت في الساحة الخارجية البلازا أما مبني المكتبة ومتحف المخطوطات علي وجه التحديد لم يشهد أي تخريب. وبخصوص الإقبال الجماهير فقد تأثر خلال تلك الفترة, إذ كان متحف المخطوطات يستقبل قبل عام2011 ما يقرب من18 ألف زائر في العام, وخلال فترة الثورة وما بعدها انخفض العدد حتي وصل إلي حوالي10 آلاف زائر, وبدأت النسبة في الزيادة التدريجية حتي عادت إلي المعدل الطبيعي في نهاية العام الحالي2015, فالآن نحن في مرحلة التعافي ونهدف إلي رفع نسبة الزائرين خلال الفترة المقبلة. - ما هو عدد المخطوطات الأصلية في المكتبة؟ عدد المخطوطات الأصلية يصل لحوالي5000 مخطوط أصلي, بالإضافة إلي النسخ المصورة التي تم الحصول عليها من مكتبات العالم, من بينها مخطوطات من المتحف البريطاني, من مكتبات مختلفة من إيران وأوروبا والفاتيكان وبعض دول الخليج. وجميع هذه الصور متاحة للباحثين فوق المستوي الجامعي سواء الماجستير أو الدكتوراه ويتم طبعها بسعر التكلفة, في حين أن المكتبات الأخري تحصل علي مقابل مادي عالي مقابل الحصول علي نسخ منها, والهدف من ذلك فتح آفاق جديدة للبحث العلمي في التراث. -حدثنا عن أهم المخطوطات النادرة الموجودة في المتحف؟ في قاعة العرض يوجد مخطوط يعود تاريخه إلي القرن الرابع الهجري وهو تفسير البوسطي للقرآن الكريم, ويوجد مخطوطة أخري مكتوبة علي الرق الجلد وهي المدونة في فقه المالكية ويتضمن4 أجزاء, وديوان سلامة بن جندل من شعراء الجاهلية, وتلك المخطوطات يطلق عليها الألفية, بالإضافة إلي المخطوطات المزوقة والمزخرفة بماء الذهب والأحجار الكريمة من بينها سنن ابن ماجة من القرن13 الهجري. - كم يبلغ عدد المجموعات الخاصة والكتب النادرة في متحف المخطوطات؟ وصلت أعداد الكتب النادرة إلي حوالي16 ألف كتاب أصلي نادر, تضم أوائل المطبوعات في القرون ال15 و16 و17 الميلادية, وحوالي70 ألف دورية, و22 مجموعة خاصة من بينهما مجموعة السنهوري وعبد الرحمن البدوي والدكتور محمد حسين هيكل والدكتور بطرس غالي ومجموعة السلطان قابوس, والرئيس الراحل أنور السادات. -وما هي أحدث المجموعات المنضمة إلي المكتبة؟ هناك مجموعة خاصة تم الاتفاق عليها من قبل الدكتور خالد عزب, رئيس قطاع المشروعات الخاصة بالمكتبة, مع الفنانة بوسي من أجل الحصولعلي مكتبة الفنان الراحل نور الشريف ومقتنياته الشخصية لعرضها بالمكتبة, ومشروع التوثيق مازال في طور العمل, إلا أن الفريق العمل انتهي من حصر2500 كتاب حتي الآن, ومن المتوقع أن يبلغ عدد الكتب أربعة آلاف, متنوعة ما بين مجالات الاقتصاد والاجتماع والأدب وجزء كبير من بينها عن المسرح. وتحتوي الكتب علي تعليقات بخط اليد من الفنان الراحل وهو ما يؤكد اهتمامه بالقراءة المتعمقة وليس مجرد جمع الكتب, كما ستتضمن المجموعة وثائق وسيناريوهات أدخل الشريف عليها تعديلات بخط اليد أيضا, وصورا تذكارية. - وكيف حصلت المكتبة علي هذه المخطوطات؟ في افتتاح المكتبة طلب اللواء محمد عبد السلام المحجوب, محافظ الإسكندرية الأسبق, أن تنقل جميع المخطوطات الموجودة في مكتبة البلدية إلي مكتبة الإسكندرية, وهي كانت خطوة جيدة جدا فالمخطوطات هي ذاكرة الأمة والحضارة الإسلامية وبدونها ليس لنا ذاكرة, ومن المعروف أن التراث المخطوط تحقق منه حتي الأن ما لا يزيد علي7% من أجمالي التراث المخطوط -هل هناك تواصل مع الدول التي تشهد حروب في المنطقة العربية لمعرفة مصير المخطوطات الموجودة بها؟ لا نعلم مصير مخطوطات العراق وسوريا, بالإضافة إلي مالي التي تعد من أغني الدول في المخطوطات, وكان هناك اتصال من مكتب اليونيسكو في الأردن بإدارة متحف المخطوطات من أجل تنظيم دورات تدريبية وإنشاء معمل ترميم للوقف السني في العراق, إذ لديهم ما يقرب من خمسة آلاف مخطوط في حاجة إلي إنقاذ, إلا أن هذا الأمر مازال في طور المباحثات. -ماهي المشروعات التي يعمل عليها متحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية ؟ نعمل علي مشروع ال100 ألف مخطوط, والذي بدأ في عام2005 وكان يهدف إلي الحصول علي صور100 ألف مخطوط من مكتبات حول العالم, وهذا العام وصل عدد المخطوطات إلي107 آلاف, وهو ما دفع إدارة المتحف إلي رفع سقف المشروع إلي150 ألف صورة مخطوط, وهو أمر بالغ الصعوبة إذ هناك تدقيق وصعوبة من قبل المكتبات العالمية لإخراج صور المخطوطات, ولكننا تمكنا في المكتبة من الحصول علي نسخ من هذه المخطوطات. -حدثنا عن معمل الترميم التابع للمتحف ؟ يعد من أهم المشروعات التي يتبناها المتحف هو مشروع ترميم المخطوطات والكتب النادرة والمساعدة في تأسيس معامل مماثلة خارج مصر للمؤسسات المماثلة, وتنظيم تدريبات للعاملين في هذا المجال. وقد تم اختيار معمل الترميم كأفضل معمل ترميم في مصر من اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولي للمتاحف, للمشروعات التي قام بها والدورات التدريبية التي قام بها في هذا المجال وعنايته بالتراث العربي. وهناك قسم أبحاث كيميائي وظيفته هي المعالجة الكيميائية لأوراق المخطوطات والكتب النادرة, ونمتلك أجهزة حديثة في هذا المجال, ونسعي إلي الحصول علي جهازين قيمتهما حوالي مليوني جنيه لتحليل الأوراق والمخطوطات دون اقتطاع جزء من المخطوط وبالتالي إتلافه, إذ تستخدم الأشعة فوق البنفسجية -ما أهم المخطوطات التي انقذها معمل الترميم من التلف؟ يقوم المتحف بترميم مخطوطات أصلية نادرة تابعة لبطريركية الروم الأرثوذكس في الإسكندرية, وهو مشروع ممتد لمدة6 سنوات, تتكلف حوالي مليون و800 ألف جنية مصري, ويتم المشروع علي دفعات إذ كل6 أشهر يتم تسليم5 مخطوطات عقب ترميمها, وتم تسليم6 دفعات حتي الأن, وتتناول موضوعات مختلفة منها تقاليد الكنسية اليونانية الأرثوذكسية والتفاعل الحضاري الإسلامي المسيحي متمثلا في إدراج اللغة العربية في هوامش متون الصلوات اليونانية وهم حوالي100 مخطوط. كما تم التعاون مع دولة الكويت في ترميم بعض الكتب بدار الأثار الإسلامية وبعض السجلات الخاصة بالديوان الأميري, ومن المتوقع أن يتم التعاون مع المملكة العربية السعودية لترميم ما يقرب من5 ملايين وثيقة, وتم إرسال فريق متخصص لعمل تقرير شامل عنها ونحن في انتظار رد عليها. ويعمل المعمل علي إنهاء مشروع ترميم المخططات هندسية لمقبرة أغاخان والذي انطلق في2013, إذ تم الانتهاء من140 خريطة من إجمالي260 رسما هندسيا, وتلك المقتنيات كانت بحوزة المهندس أنيس سراج الدين, أحد رواد الهندسة المصرية الحديثة, والذي قام بإهدائها إلي المكتبة. ومن أهم المشاريع التي قام بها المعمل ترميم الوثائق الخاصة بالرئيس أنور السادات والموجودة حاليا بالمتحف الخاص بالرئيس الراحل, والتي أهدتها للمكتبة السيدة جيهان السادات بالإضافة إلي مقتنياته الشخصية من أقلام وبايب والبدلة العسكرية التي تم اغتياله بها, واشترطت علي أن يكون الدخول إلي المتحف مجانا. ويقول الدكتور محمد سليمان أنه تم انشاء وحدة خاصة لتدريب المرممين في المؤسسات المشابهة, إذ تشهد مصر نقصا في أعداد مرممي المخطوطات, ونستهدف طلاب كلية الآثار وكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية والمعهد العالي بالترميم. واستقبلنا متدربين من جامعة أم القري في السعودية ومن دار الكتب الوطنية في ليبيا ومن جامعة نزوي من سلطنة عمان وجامعة أب في اليمن ومن الخزانة الملكية في المغرب, ومن كازاخستان ومن لبنان, حتي أصبحت لنا خبرة كبيرة في هذا المجال, كما أسهمنا في انشاء معمل ترميم خاص بمكتبة الأزهر الشريف بعد أن قمنا بترميم المكتبة. كما نظمنا دورات تدريبية مع وزارة الآثار في مجال كيمياء الوثائق الأثرية, لمدة عام كل شهرين دورة مشتركة, وتستهدف العاملين علي المنافذ البرية والبحرية علي مستوي الجمهورية, تتضمن التعريف بالمخطوطات والكتب النادرة وكيفية تقيمها, وبدأ الموظفون بعدها بالتواصل معنا وإعلامنا بضبط مخطوطات. -وماذا عن ورش العمل التي تستهدف الأطفال؟ قدمنا خلال الصيف الماضي62 ورشة عمل تستهدف النشء, وتعد هذه الورش فعاليات مستحدثه علي متحف المخطوطات, وتهدف إلي تثقيفهم وتعريفهم بتراثهم, إذ أن أغلب الأطفال لا يعرفون شيئا عن الحضارة العربية وإسهامات العلماء العرب والمسلمين في الحضارة الإنسانية, وشملت1000 طفل من سن12 إلي18 سنة, كما ونظمنا زيارات إلي المدارس وطالبوا بتكرارها نتيجة النجاح الكبير الذي حققته.