كان حلمهم بسيطا لا يزيد علي أن يعيش كل منهم مع فتاة أحلامه في شقة صغيرة و يقوم ببناء بيته في بلدته أو أن يحصل علي بعض الأموال ليعين والديه علي حياتهما الصعبة بعد أن عانوا الأمرين في حياتهم وأصابهم اليأس وتقطعت بهم السبل في الحصول علي فرصة عمل مثل أقرانهم من شباب القرية الذين سافروا للخارج. كان أملهم الوحيد معلقا في صورة ذهنية كونوها في مخيلتهم عن السفر إلي دول أوروبا وما بها من رغد العيش والنعيم ففي اليونان ذهب كثيرون من أبناء بلدتهم للعمل بعد أن أخذوا قرارا بالهجرة و عاشوا عدة سنوات هناك ثم عادوا محملين بالأموال والذهب ليتزوجوا ويستقروا ويبنوا مساكنهم مثل الفيلات تبهر كل من يراها و تذهب بلب أبناء قريتهم البسطاء الذين مازالوا يعيشون في كنف الطوب الطينية التي ورثوها عن الآباء والأجداد. ومع تدهور حال الفلاح وعدم جدوي الزراعة قرر سبعة من شباب قرية ميت زنقر التابعة لمركز طلخابالدقهلية السفر وبالفعل كان أحدهم قد سافر مرة سابقة عن طريق البحر الأبيض حتي وصل للشواطئ اليونانية ثم عاد ليبني منزلا له و لأهله و يشتري الذهب لخطيبته ولكنه قرر معاودة السفر مرة أخري لاستكمال التجهيزات إلا أن الأقدار لم تمهله هو وزملاءه و تقطعت أخبارهم ليومين وفجأة علم الجميع أن البحر قد ابتلعهم كغيرهم من مئات الشباب الذين تتحطم أحلامهم فوق الأمواج المتلاطمة وغرق خمسة من الأصدقاء السبعة وعاد ناجيان فقط يرويان المأساة الجديدة التي تنضم إلي غيرها إلي أرشيف حزين لدي كل أسرة من أهل القرية البؤساء. وفي كلمات حزينة قال إبراهيم منصور عمدة ميت زنقر للأهرام المسائي: إن هؤلاء الشباب السبعة كان حلمهم بسيطا فقد حصلوا علي شهادات متوسطة وقرروا السفر ليحققوا أحلامهم و جميعهم من أسر طيبة ولكن لسوء الأحوال الاقتصادية قرروا السفر ليعودوا في صناديق خشبية وكان قد وصل ثلاثة منهم منذ يومين وكان اثنان منهم مفقودين وذهب أهلهم للبحث عنهم حتي تم العثور علي جثث5 منهم في عرض البحر وعاد الاثنان الباقيان محطمي نفسيهما. وفي القرية المكلومة كان الأهالي يروون حكايات الضحايا الخمسة الذين غرقوا والشابين اللذين عادا لذويهم و هما محطمان نفسيا ومرضي جسديا من مصارعتهما الأمواج. ويروي كل من أحمد مقبول19 سنة وعبد الجليل طارق20 سنة وهما الناجيان الوحيدان من المركب الغارقة أن ما حدث أنهم عندما اتجهوا إلي المكان المحدد لاستقلال القارب المطاطي ليتجهوا إلي عرض البحر ليستقلوا المركب الكبير وكان القارب المطاطي قد أوصل دفعتين إلي المركب الكبير وهي لا تتحمل أكثر من سبعة أفراد ولكننا فوجئنا أنهم يدفعون ب14 فردا في نفس القارب المطاطي والتي لم تتحمل العدد وجاء الموج يتدافع بقوة ليسقط القارب ونحن عليه وكان منهم ابن عمي إبراهيم. وانهمرت الدموع من عيون عبد الجليل ليكمل بصوت متقطع وعندما جاءت موجة كبيرة شقت القارب نصفين وسقطنا في البحر والظلام يكسو المكان الموحش فقد كانت الساعة بعد الواحدة منتصف الليل وحاولت أن أتشبث بالقارب و كذا إبراهيم الذي امسك بي ولكن جاءت موجة كبيرة لتطيح به وبالآخرين وكنا7 من ميت زنقر و الباقون غرباء فتوفي خمسة من أصدقائي ومنهم ابن عمي ونجوت أنا وأحمد لينتشلنا قارب صيد ويعود بنا إلي الشاطئ ولم اشعر بعدها بالدنيا إلا وقد تم احتجازنا إلي أن تم إنهاء الإجراءات وجاء أهلنا ليعودا بنا إلي القرية ليكتب الله لنا عمرا جديدا. وفي القرية الحزينة كان لكل أسرة من التي فقدت ابنا منها حكاية فأحمد نجاح عبد الوهاب18 سنة حاصل علي شهادة متوسطة هو ابن لأب يعاني الإعاقة يعمل موظفا بالإصلاح الزراعي ووالدته ربة منزل وله أخ واحد يدعي محمد أكبر منه وكان يعمل ليساعد أسرته وكان هو سند أسرته أما إبراهيم فواز إبراهيم20 سنة وهو الشقيق الأوسط لشقيقين حاصل علي بكالوريوس خدمة اجتماعية و محمد في الثانوية العامة ووالده فلاح وكان إبراهيم قد حاول السفر أكثر من مرة بطريقة شرعية وكان طالبا في معهد خدمة اجتماعية وسافر مع ابن عمه عبد الجليل الذي حاول إنقاذه أكثر من مرة. ومحمد الصديق يوسف سند19 سنة وهو شاب مكافح عقد خطبته قبيل السفر وهو الأصغر لوالدته( سميحة فؤاد) وله ست شقيقات أكبر منه متعلمات ومتزوجات وكان حلمه بسيط وهو أن يجهز شقته ويوفر مبلغا لوالدته وهو من الشباب الذين يعتمدون علي أنفسهم وطبعه هادئ جدا ومحمد السيد21 سنة والده متوفي وكان يعمل إداري بالتربية والتعليم والسيد ماهر محمد الشافعي18 سنة فوالده بقال ووالدته ربة منزل وله أخ أكبر منه وهو معوق وفي القرية انتهت أحلام هؤلاء الضحايا وأسرهم بمصرعهم غرقا في البحر بينما مازالت أحلام أخري تنتظر وينتظر معها البحر.