فور سقوط الطائرة الروسية منذ عشرة أيام, ظهرت ثلاثة احتمالات لتفسير الحادث: عطل فني أدي لانفجار في خزان الوقود, انفجار داخلي نتيجة لعبوة ناسفة تم دسها علي متن الطائرة, أو صاروخ أرض جو تم إطلاقه من إرهابيي سيناء. سرعان ما تم استبعاد فرضية الصاروخ لاستحالتها تقنيا فضلا عن سخافتها, ثم تراجعت احتمالية العطل الفني, وتم ترجيح فرضية العبوة الناسفة وإن لم يتم تأكيدها حتي تاريخ كتابة هذه السطور. كان رد الفعل العالمي يتغير بسرعة مع تغير الاحتمالات, فبعدما أعطت بعض الدول تعليمات لشركات طيرانها بتجنب التحليق فوق سيناء, فوجئنا برد فعل درامي وعنيف تمثل في ترحيل رعايا بعض الدول بطائرات تم جلبها من بلادهم مع شحن حقائبهم علي طائرات أخري في إشارة واضحة علي شكوكهم بأن الطائرة الروسية تم إسقاطها بعبوة ناسفة تم دسها مع حقائب الركاب. رد فعل الإعلام المصري كان عنيفا وصارخا وتلخص أن الغرب الشرير يواصل مؤامراته ضد مصر والمصريين, وبالتوازي كان هناك ترحيب بموقف بوتين الذي تصدي للمزاعم الغربية بل ووبخهم علي استباق نتيجة التحقيقات الرسمية. ووسط حفاوة إعلامية بالموقف الروسي الذي فهم ابعاد الملعوب الغربي الشرير وتصدي له, فوجئنا بصدور قرار من بوتين- بناء علي توصية من مدير مخابراته- بسحب جميع الرعايا الروس وإيقاف جميع الرحلات السياحية من وإلي مصر. عفوا.. لست من أنصار الإسراف في نظرية المؤامرة ولكني أؤمن أن العلاقات الدولية تحكمها مصالح وتوازنات سياسية دقيقة. وأعتقد أن هذا ما تؤمن به أيضا مؤسسة الرئاسة والدليل رد السيسي حينما حاول صحفي ماكر توجيه سؤال محرج لديفيد كاميرون أثناء المؤتمر الصحفي حيث سأله: ألم يكن من الأجدر تأجيل إعلان قرار سحب السياح من شرم الشيخ لبعد انتهاء زيارة الرئيس المصري؟, عندئذ أجاب الرئيس المصري بالنيابة عن كاميرون وأوضح أنه يتفهم الإجراء الاحترازي فرئيس الوزراء البريطاني يهمه في المقام الاول حماية أرواح مواطنيه. كان هذا ردا ناضجا ثم أنه حقيقي. زيارات الرئيس المتتابعة للعواصم الغربية, دعواته للاستثمار في مصر وتصريحاته المتزنة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية, بل دعوته في نيويورك لتوسيع نطاق معاهدات السلام مع إسرائيل لتشمل دولا أخري, كل هذا يعطينا الانطباع أنه لا يؤمن بنظرية المؤامرة, وربما هذا يفسر غضبه الأخير من الإعلام الذي يتحدث ليلا ونهارا عن مؤامرات لا يملك عليها أي دليل وهي لا تفيد وإنما تضر كثيرا بالعلاقات الدولية, فضلا عن أن كثيرا ممن يكتبون عن المؤامرة لا يجببون علي سؤال واحد بسيط: طب لو العالم متآمر ضدنا هكذا, نعمل ايه؟! حادث الطائرة من أسوأ الكوارث التي مرت بمصر هذا العام, لكن لعل الطريق الوحيد للخروج من الأزمة هو الشفافية المطلقة, لو كان هناك تقصير أمني فلنعترف به ولنعمل علي تلافيه مستقبلا. لا مانع من الاستعانة بالخبرات الأمنية الدولية, لا بد من تطوير مطاراتنا بأحدث وسائل مكافحة الإرهاب, لا مفر من تصوير وتوثيق كامل لكافة رحلات الطيران, لا مناص من الدبلوماسية الناعمة والإعلام المتزن وأن نعترف بالخطأ إن وجد ولا نضاعفه بالهجوم من باب العزة بالإثم.. والله الموفق.