شهدت الأراضي السورية ولادة نظام عالمي جديد, أطاح بالقطب الأمريكي الأوحد, عندما أرسل القيصر الروسي الجديد فلاديمير بوتين قوات عسكرية, تدخلت في الحرب علي الإرهاب, ليضرب مخطط التحالف الأمريكي في مقتل, ويغير السيناريو المرسوم لمستقبل سوريا والمنطقة. كانت الولادة قيصرية, لأنها قطعت التطور الطبيعي لكل من منظمتي شنغهاي وبريكس في التحول إلي حلف منافس,وهو ما كانت تتوقعه أمريكا وأوروبا, ووصف أمين عام حلف الناتو منظمة شنغهاي بأنها أخطر من حلف وارسو المنحل بعد تفكك الاتحاد السوفييتي,وأن لدي المنظمة أهداف تتجاوز التعاون الاقتصادي, مشيرا إلي المناورات العسكرية العديدة بين بلدانها, ومخطط توسعها لتضم دولا أخري,مثل الهندوإيران وباكستان وأفغانستان ومنغوليا. منظمة شنغهاي,تحمل اسم أكبر المدن الصينية,التي شهدت مولد المنظمة, التي تضم كلا من روسياوالصين وكازاكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان,ثم انضمت أوزبكستان, والدول الأربع الأخيرة من بين الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي,وجميعها تقع في آسيا مع الصين,ولهذا فالروابط بينها قوية,بحكم القرب الجغرافي,واستمرارها الطويل ضمن دولة واحدة. الخطوة الروسية في سوريا جاءت لتنهي تفرد أمريكا بقيادة العالم,منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات, وهو أسوأ ربع قرن تشهده المنطقة,وربما العالم, حيث كان بمقدور الدول خارج القطبين أن تستغل الفراغ الناشئ بين الجانبين, وتتبع سياسة مستقلة بدرجات متفاوتة,وأن تحتمي بأحدهما عند التعرض لخطر غزو أو حصار الطرف الآخر. وجاء اعلان مولد منظمة شتغهاي للتعاون في15 يونيو2001, تحت لافتة التعاون في مختلف المجالات,وعلي رأسها الاقتصاد, لكن السبب غير المعلن كان الحيلولة دون تمدد حلف الناتو بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية, والذي سعي إلي ضم الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي ليطوق روسيا, ويمنعها من محاولة إعادة ضم هذه الدول,وعدم عودة العدو الأول لحلف الناتو, حتي لو تخلت دوله عن الشيوعية. أما الصين فكانت أكثر ريبة من التحركات الأمريكية لحصارها,أو محاولة إسقاط نظامها, بنفس طريقة الثورات الملونة التي أسقطت دول شرق أوروبا في أحضان أمريكا, عندما شهدت انتفاضة طلابية واسعة عام1989, والمعروفة باسم أحداث الميدان السماوي,التي واكبت الهزة السياسية العنيفة التي تعرض لها الاتحاد السوفييتي,وحملت نفس الأهداف,وكادت تعصف بحكم الحزب الشيوعي الصيني,لولا التدخل العنيف من جانب الجيش. جاءت الخطوة الروسية في ظل القلق من اعتماد مبدأ حق تغيير الأنظمة بالقوة,وأن تنفرد مجموعة دول بتحديد من يصلح أو لا يصلح لقيادة هذه الدولة أو تلك,والإطاحة بالقانون الدولي الذي يقر سيادة الدولة علي أراضيها,وحقها في تقرير مصيرها. كما أوقفت استغلال الجماعات الإرهابية في الهجوم علي الدول,ثم ابتزازها مقابل وقف النشاط الإرهابي ضدها,وهو ما يمكن أن يتكرر في دول أخري في الشرق الأوسط وآسيا الوسطي. لقد جاء إعلان التحالف العسكري العملي بين روسياوإيرانوسوريا والعراق ليدشن مرحلة جديدة في العلاقات الدولية,خاصة مع تأييد الصين للخطوة الروسية,وقرب انضمام إيران لمنظمة شنغهاي,وهو ما يعجل بتحول المنظمة إلي حلف أكثر قوة من حلف وارسو. كشفت خطوة بوتين مدي ضعف التحالف الدولي الذي شكلته الولاياتالمتحدة بزعم محاربة تنظيم داعش,رغم أنه يضم36 دولة,لكنه كان هشا,جري تشكيله علي عجل,دون وضوح في أهدافه,ودخلته بعض الدول علي سبيل المجاملة,أو تحت الضغط الأمريكي,بينما التحالف الروسي الذي ضم4 دول فقط كان الأكثر فاعلية,لتوفر الإرادة السياسية والمصلحة المشتركة في الحاق الهزيمة بالمخطط الأمريكي. ستكون للخطوة الروسية تداعياتها العميقة والطويلة,ليس علي المنطقة فحسب,بل علي خريطة التحالفات الدولية, خاصة علي أوروبا التي أصبحت أقل ثقة في القيادة الأمريكية المتخبطة, والتي قد تلحق الأذي بمصالحها,كما ستشجع دولا أخري بكسر طوق الطاعة والتبعية لأمريكا, أو علي الأقل ستحسن شروط ودرجة تبعيتها, مما يزيد من ضعف القطب الأمريكي, الذي سيجد الكثير من المزاجمين. حلايب مرة أخري