لعلها المرة الأولي التي يجتمع فيها هذا العدد من مثقفي إفريقيا والعالم العربي, ولم تكن النداهة هي القاهرة, بل الأقصر, طيبة, عاصمة الدولة المصرية في عصر الإمبراطورية(1567 1085 قبل الميلاد) بعد أن تمكن أحمس من تحرير البلاد وبسط النفوذ الوطني.. وبعد نحو3500 عام علي تألق طيبة القديمة, تزدان طيبة الجديدة بأهلها سمر الوجوه بيض القلوب, وبضيوف مهرجان طيبة الثقافي الدولي الثالث(18/16 يناير2011) الذي جمع عربا هم أشقاء اللسان, وأفارقة هم أشقاء الدماء, يصلنا بهم نهر النيل, أطول أنهار العالم, وأكثرها إثارة للجدل في الأونة الأخيرة.. النهر الذي كان إلها مقدسا, يقسم المصري القديم في الأخيرة أنه لم يلوث مياهه, ويتطهر به من ذنوبه أصبح موضعا للتهديد, وهو ما نبه إليه الكاتب اللبناني أسعد السحمراني, محذرا من التفاف صهيوأمريكي علي دول منابع النهر, بهدف التأثير علي دولتي المصب وبالذات مصر. وقد حمل المهرجان عنوان النيل في ثقافة الشعوب الإفريقية وللدقة يفترض أن يكون ثقافات لا ثقافة, فالقارة تثريها ثقافاتها المتنوعة, وحظيت مصر والسودان واثيوبيا بكثير من الدراسات والبحوث, وغابت صورة النهر في الخيال الشعبي في دول أخري من حوض النيل, مثل أوغندا ورواندا وبوروندي وتنزانيا وكينيا علي الرغم من وجود كتاب وشعراء من هذه الدول في المهرجان.. والمفارقة أن بعض الباحثين العرب بدوا غيورين علي النهر, وعلي مصر, لدرجة تثير الشجون علي دور مصر الإفريقي الذي ذكرنا به بهاء طاهر ضيف المهرجان في الافتتاح, حين كانت القاهرة منتهي آمال كثير من الحالمين بالتغيير في بلادهم, قبل أن تنتهي ساعة العمل الثوري, ويبدأ تحرك إسرائيل مشبوه يقضم الأطراف, ويسعي لاختراق الجسد العربي من القلب( مصر) أو الاجنحة ذات الطموح( كما في بعض دول الخليج) أو البعيدة عن الاهتمام( موريتانيا وجنوب السودان). ومن طيبة سينبض القلب, تمهيدا لضخ دماء في عروق مازالت تحتفظ بحيويتها وعافيتها, عبر لقاء عربي/ إفريقي مازال في أول الطريق, وليس أفضل من الثقافة جسرا بين مصر وإفريقيا, وهو ما انتبه اليه غاز مثل الاسكندري تلميذ أرسطو حين اقترب من المصريين عير الدين والإله الذي انحني له الاسكندر, وكاد نابليون يسلك الطريق ذاته, مؤمنا بأن بطش القوة والتفوق العسكري وحده لا يكفي.. وقد كانت مصر ملهمة وفاعلة ومؤثرة بقوي ليس بينها السلاح ولا المال. في البدايات لا نتوقع أن يكون هناك اجماع, علي فكرة, أو تصور, ومن الطبيعي أن تحدث اختلافات ومناوشات من شأنها ألا تثير الفرقة, بل تحفز علي التجويد, مثل ذرات الرمال التي تحفز المحار علي منح اللؤلؤ, ولا تغني القاهرة عن طيبة التي تزدان بضيوفها من ممثلي اتحاد الكتاب ومن العرب والأفارقة, وتستطيع الأقصر بثقلها التاريخي والحضاري, ومثقفيها أن تنهض بعبء استمرار نجاح هذا المهرجان, في ظل خطة طموح تعيد إلي الأقصر روحها القديمة المتجددة, وقد استعرض الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر في لقاء مطول استراتيجية الاحياء, مؤمنا بأن الخطة المدروسة ينجزها وينفذها المسئول, أي مسئول مهما يتغير, وخطة إعادة الوجه الحضاري للأقصر, وإزالة غبار مئات من السنين من فوق آثارها, اعتمدت علي دراسات علمية شاركت في انجازها منظمات دولية وهيئات مصرية. وفي سنوات قليلة قادمة لن يكون مواطنو الأقصر مجرد ديكور أو خلفية استشراقية يؤكد فيها السائح تصوراته الذهنية المسبقة عن حراس الآثار, بل ستشمل التنمية البشر والحجر بتعبير سمير فرج. خطة الإحياء ستعيد الأقصر إلي ما كانت عليه خلال سعصر الإمبراطورية أو الدولة الحديثة في عصر الفراعنة العظام( الأسرات20.19,18) لن تسير سيارات علي الكورنيش, وسيمتد دفء التاريخ من معبد الأقصر إلي نهر النيل, ويقف المتأمل أمام معبد الكرنك ليري عظمة حتشبسوت في زينتها علي الضفة الأخري, في البر الغربي, وسينهض مئات من أبي الهول حارس الأفق, في طريق الكباش. ينتهي المهرجان, ويسدل ستار الندوات والنقاشات وأمسيات الشعر, ويتفيرق الحاضرون علي أمل اللقاء في المهرجان الرابع من العام القادم. ينتهي المهرجان ويظل الأمل في إضافة نجاح جديد في العام القادم, يحسب لأمانته وراعيه ورئيسه, تحت مظلة مصر لتكون الأقصر مثل إيزيس وهي تفرد جناحيها فرحة بالشمس وبعد النجاح في جمع اشلاء أوزير وإنجاب حورس, ليكون الجناحان( العرب وإفريقيا) مظلة وطريقا إلي المستقبل.