تهدف عملية غسيل الأموال أو تبييضها إلي إخفاء المصدر الحقيقي للأموال المكتسبة بوسائل غير مشروعة, وفيها تستخدم الحيل والوسائل والأساليب لإضفاء الشرعية عليها. وإذا كان مصطلح غسيل الأموال يأتي مواكبا للتغيرات الإصطلاحية المستحدثة التي طرأت علي كل ما حولنا, كبديل لما كنا نطلق عليه سلفا الاقتصاديات السوداء أو الاقتصاد الخفي, وهو يشمل المكاسب الناتجة عن العمليات القذرة والخبيثة من التجارة في السلاح, وأعمال الإرهاب, والجاسوسية, والمخدرات, والدعارة, وتهريب الآثار, والرشوة, والاختلاس, وتزوير العملة, والغش التجاري, والقمار, فإن هناك طريقة أكثر استحداثا نمت وترعرعت في زمن أضحي يشهد كل يوم بل كل لحظة تطورا فريدا وبخاصة في عالم الجريمة المنظمة والفساد المقنع لإضفاء طابع الشرعية علي تلك الأموال أو الأصول لإظهارها كما لو كانت قد جاءت من مصادر شرعية, عن طريق استخدامها للتداول ودخولها في دورة اقتصادية, ليتم نقلها بعد تضليل الجهات الرقابية والأمنية, وتحويلها عبر الحدود الدولية إلي قنوات المؤسسات المالية الشرعية, والظاهرة تعد إحدي ثمار العولمة الاقتصادية التي يروج لها الغرب, خاصة بعد الثورة التكنولوجية الرهيبة التي مكنت مافيا هذا الفساد الطاغي من تحقيق أرباح طائلة بنسبة أمان كبيرة للغاية عن طريق تنفيذ كل جرائمهم عبر الكمبيوتر وشبكة الإنترنت. يقول خبراء الاقتصاد إن البنوك السويسرية بها قرابة ترليوني دولار من الأموال التي جاءت من مصادر محرمة ومجرمة, وأن المبالغ التي يتم غسلها سنويا تعادل من51 إلي81% من إجمالي قيمة التجارة العالمية, وأن البلدان الأكثر فقرا في العالم أغلبها يستشري فسادا حسبما جاء في تقرير الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية, وأن الأنظمة التي تعرف نظم المساءلة والشفافية أو تعترف بها يرتفع لديها حجم عمليات غسيل الأموال والصفقات غير النظيفة, التي قبل أن تكون محرمة قانونا علي مستوي العالم فهي محرمة شرعا في جميع الشرائع والأديان السماوية. إن أبرز الطرق الأكثر حداثة لتبييض الأموال وغسلها هي طريقة رابسو الفضائية التي تغسل أكثر بياضا, فتلمع صاحبها, وتنظف سمعته, وتخلع عليه الألقاب, وتجعل له ظهرا, وقديما قالوا من له ظهر لا يضرب علي بطنه, كما تقوم في نفس الوقت بضرب عصفورين بحجر واحد, الأول تدوير المال الذي لا نعرف مصدره دورة جهنمية تجعله يتكسب من مصادر وطرق أشبه بالشرعية تماما, والثاني حماية صاحبها ومصالحه أكبر حماية فهو يمتلك مدافعا غوغائية بعدد المذيعين الذين يعملون لديه وبإمرته يوجهها وقتما يشاء وكيفما يشاء, وتمكنه من أن يصبح صاحب رأي ووجهة نظر ونفوذ قوي يحميه من أدني مساءلة. قبل ثورة يناير كان عدد الفضائيات المصرية يعد بسهولة ويحصي, بعد الثورة أصبح لا يعد ولا يحصي, لدرجة يستعصي معها فهم اللوغاريتم الفضائي, أو فك طلاسمه التي لن يفلح معها ولا عفراكوش نفسه؟! قبل الثورة كان يمتلك الفضائيات رجال أعمال منهم الحريف في السوق, ومنهم الأحرف في السوء, بعد الثورة ظهرت وجوها جديدة أطلت علينا بثرواتها مجهولة المصدر في غفلة من الزمن, ونحن في ذهول نتساءل: الأزمة الاقتصادية طاحنة لأقصي درجة, وكل يوم فضائية جديدة؟ نري الأموال التي تصرف بحالة أقرب إلي السفه, والأرقام الفلكية التي تدفع للمزعجين والمدمرين ممن يطلق عليهم مذيعين من أين؟ وما هي مصادرها؟ وما هو العائد الحقيقي لصاحب الفضائية بعد التراجع الرهيب في حجم الإعلانات, ثم أن هناك قنوات عبارة عن مكلمة42 ساعة بلا توقف, وأيضا بلا إعلان واحد يوحد الواحد!, أليس كل هذا يفتح الباب علي مصراعيه لما هو أبعد من مجرد الشكوك, ويؤكد أن المال الدرتي بكل ما يحمله من قذارة قد دخل علي إعلامنا إلا قليلا وتمكن منه, خاصة إذا علمنا أن الفضائيات تنفق قرابة01 مليارات جنيه, بينما ما تجنيه من إيرادات لا يتجاوز3 مليارات جنيه فقط!. [email protected]