يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم(6) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره(7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره(8) سورة الزلزلة. هذه لمحة من مشهد البعث من القبور: يومئذ يصدر الناس أشتاتا, نري مشهدهم شتيتا منبعثا من أرجاء الأرض كأنهم جراد منتشر, الخلائق في أجيالها جميعا تنبعث من هنا ومن هناك, علي امتداد البصر ينبعثون مسرعين مهطعين إلي الداع ممدودة رقابهم, شاخصة أبصارهم, كل واحد منهم مشغول بنفسه وبعمله, إنه مشهد هائل مروع مفزع مرعب مذهل. ليروا أعمالهم, وهذه أشد وأدهي, إنهم ذاهبون إلي حيث تعرض عليهم أعمالهم, ليواجهوها, ويواجهوا جزاءها, ومواجهة الإنسان لعمله قد تكون أحيانا أقسي من كل جزاء, فالإنسان يهرب من مواجهة أعماله السيئة بينه وبين نفسه, فكيف به وهو يواجه عمله علي رءوس الأشهاد, في حضرة الجليل العظيم الجبر المتكبر؟! إنها عقوبة هائلة رهيبة, مجرد أن يروا أعمالهم, وأن يواجهوا بما كان منهم!. ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها, فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره, ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره, والذرة, كان المفسرون القدامي يقولون: إنها البعوضة, وكانوا يقولون: إنها الهباءة التي تري في ضوء الشمس, أما نحن الآن فنعلم أن الذرة أصغر بكثير من تلك الهباءة, فالهباءة تري بالعين المجردة, أما الذرة فلا تري أبدا حتي بأعظم المجاهر في المعامل, فهذه أو ما يشابهها من ثقل, من خير أو شر, تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها!, عندئذ لا يحقر الإنسان شيئا من عمله, خيرا كان أو شرا, ولا يقول: هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن. وقد جمعت هاتان الآيتان أسمي وأحكم ألوان الترغيب والترهيب, ولذا قال كعب الأحبار: لقد أنزل الله تعالي علي نبيه محمد صلي الله عليه وسلم آيتين, أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف, ثم قرأ هاتين الآيتين.