متي تبدأ امتحانات الشهادة الإعدادية الترم الثاني 2025 بالمنيا؟    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 19 مايو بسوق العبور للجملة    ارتفاع الذهب في بداية تعاملات الإثنين 19 مايو    نمو مبيعات التجزئة في الصين بنسبة 5.1% خلال الشهر الماضي    مواعيد مباريات اليوم الإثنين والقنوات الناقلة.. ليفربول يصطدم ب برايتون    الأهلي يحدد موعد إعلان تنصيب ريفيرو مديراً فنياً للفريق    تحويلات مرورية بعد انقلاب سيارة بحدائق الزيتون    إسرائيل تواصل تصعيدها.. استشهاد 171 فلسطينيا في قطاع غزة    الكنائس الأرثوذكسية الشرقية تجدد التزامها بوحدة الإيمان والسلام في الشرق الأوسط من القاهرة    طقس اليوم: حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 32    سعر الدولار أمام الجنيه الإثنين 19-5-2025 في البنوك    الجرافات الإسرائيلية تهدم سور المستشفى الإندونيسي في قطاع غزة    المجلس الرئاسي في ليبيا يشكل لجنة هدنة بدعم أممي    منافس الأهلي.. إنتر ميامي يتلقى خسارة مذلة أمام أورلاندو سيتي    تفاصيل حرائق مروعة اندلعت فى إسرائيل وسر توقف حركة القطارات    بعد فرز الأصوات.. رئيس بلدية بوخارست دان يفوز بانتخابات الرئاسة    عمرو دياب وحماقي والعسيلي.. نجوم الغناء من العرض الخاص ل المشروع x    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    اليوم.. الرئيس السيسي يلتقي نظيره اللبناني    خلل فني.. ما سبب تأخر فتح بوابات مفيض سد النهضة؟    من بين 138 دولة.. العراق تحتل المرتبة ال3 عالميًا في مكافحة المخدرات    بتهمة فعل فاضح، حجز حمادة عزو مشجع مالية كفر الزيات    الخارجية التركية: توسيع إسرائيل لهجماتها في غزة يظهر عدم رغبتها بالسلام الدائم    نجل عبد الرحمن أبو زهرة يشكر للرئيس السيسي بعد اتصاله للاطمئنان على حالة والده الصحية    شيرينجهام: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة وبأقل التكاليف    تعرف على موعد طرح كراسات شروط حجز 15 ألف وحدة سكنية بمشروع "سكن لكل المصريين"    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    تأجيل محاكمة المتهمين بإنهاء حياة نجل سفير سابق بالشيخ زايد    ترامب يعرب عن حزنه بعد الإعلان عن إصابة بايدن بسرطان البروستاتا    الانَ.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 بمحافظة المنيا ل الصف الثالث الابتدائي    محمد رمضان يعلق على زيارة فريق «big time fund» لفيلم «أسد».. ماذا قال؟    بعد إصابة بايدن.. ماذا تعرف عن سرطان البروستاتا؟    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى 2025 فى مدن ومحافظات الجمهورية    شيكابالا يتقدم ببلاغ رسمي ضد مرتضى منصور: اتهامات بالسب والقذف عبر الإنترنت (تفاصيل)    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    تقرير التنمية في مصر: توصيات بالاستثمار في التعليم والصحة وإعداد خارطة طريق لإصلاح الحوكمة    مصرع شابين غرقا أثناء الاستحمام داخل ترعة بقنا صور    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    رسميًا.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وATM وإنستاباي بعد قرار المركزي الأخير    القومى للاتصالات يعلن شراكة جديدة لتأهيل كوادر مصرفية رقمية على أحدث التقنيات    في أول زيارة رسمية لمصر.. كبير مستشاري الرئيس الأمريكي يزور المتحف المصري الكبير    البابا لاوون الرابع عشر: العقيدة ليست عائقًا أمام الحوار بل أساس له    مجمع السويس الطبي.. أول منشأة صحية معتمدة دوليًا بالمحافظة    حزب "مستقبل وطن" بسوهاج ينظم قافلة طبية مجانية بالبلابيش شملت الكشف والعلاج ل1630 مواطناً    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    بتول عرفة تدعم كارول سماحة بعد وفاة زوجها: «علمتيني يعنى ايه إنسان مسؤول»    أحمد العوضي يثير الجدل بصورة «شبيهه»: «اتخطفت سيكا.. شبيه جامد ده!»    أكرم القصاص: نتنياهو لم ينجح فى تحويل غزة لمكان غير صالح للحياة    ننشر مواصفات امتحان مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025    دراما في بارما.. نابولي يصطدم بالقائم والفار ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    تعيين 269 معيدًا في احتفال جامعة سوهاج بتخريج الدفعة 29 بكلية الطب    بحضور رئيس الجامعة، الباحث «أحمد بركات أحمد موسى» يحصل على رسالة الدكتوراه من إعلام الأزهر    الأهلي ضد الزمالك.. مباراة فاصلة أم التأهل لنهائي دوري السلة    مشروب طبيعي دافئ سهل التحضير يساعد أبناءك على المذاكرة    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مصطفي جودة يكتب ل الأهرام المسائي:جعلوني قارئا
سنغافورة معجزة لا تعرف الشعارات

وكأنها قصة خيال علمي ملئت رومانسية. انها أكثر خيالا من قصة سندريلا. هي قصة الاعجاز والتصميم وفعل الشيء الصواب وعدم المجازفة والمغامرة. هي قصة العدل والقانون ومحاربة الفساد لتحقيق التقدم ونهضة العباد. هي قصة الأولويات الملحة وكأنها فرض عين.
هي قصة ملهمة للأمم وللأفراد ان أرادوا السيادة في هذا العالم. هي مثل يضرب وقدوة حقيقية. هي قصة واقعية وعرق ومجهود وتحديات.
معظم فصول هذه القصة مسجل في كتاب من جزءين بعنوان قصة سنغافورة منشورعام1998: الجزء الأول: مذكرات لي كوان يو والجزء الثاني بعنوان: من العالم الثالث الي العالم الأول.
ظل لي كوان رئيسا لوزراء سنغافورة لمدة واحد وثلاثين سنة وكان ذا قبضة حديدية ولم يسمح الا بحزب واحد ولم يسمح بالمظاهرات أو تبني الديمقراطية في حكمه وحقق خلال ذلك الحكم ما لم يحققه أحد. قبل موته في سنغافورة أو في غيرها في القرن العشرين كان فائض ميزان المدفوعات في سنغافورة أكثر من270 بليون دولار العام الماضي. انتقلت سنغافورة في عهده من دولة لا تملك مقومات الوجود الي دولة نموذجية وقدوة يشار اليها بالبنان اقتصاديا وعلميا وفي كل شيء.
في عام1965 كان70% من سكان سنغافورة من الفقراء المعدمين وكان أكثر من ثلث سكانها يقطنون المناطق العشوائية وكان المتوسط السنوي لدخل الفرد مبلغ516 دولارا أمريكيا, وكان أكثر من نصف سكانها أميين.
بالمقارنة مع2013 نجد أن متوسط دخل الفرد55182 دولارا مصحوبا بانخفاض في الأسعار منذ2009, واجمالي صادرات سنغافورة عام2013 بلغ410.5 بليون دولار أمريكي في مجالات الاليكترونيات المتقدمة والتي بلغت قيمة صادراتها وحدها فقط من سنغافورة عام2013 أكثر من مائة واربعة وعشرين بليون دولار. اضافة الي منتجات الطائرات والأدوية والأجهزة الطبية والضوئية والبلاستيك والماكينات وكثير غير ذلك. باجراء حسبة بسيطة يمكن استنتاج أن نصيب كل مواطن جراء ذلك التصدير نحو ثمانية وسبعين الفا من الدولارات علي أساس أن عدد سكان الدولة5.6 مليون نسمة. هذا معدل يفوق بمراحل المعدل العالمي والذي يبلغ2500 دولار تقريبا وذلك طبقا لاحصائيات الجهات الدولية المعتمدة.
تجدر المقارنة هنا أن قيمة الدولار الأمريكي في عام1980 كانت تبلغ2.12 دولار سنغافوري وأصبح الدولار الأمريكي يبلغ1.25 دولار سنغافوري في عام.2013
ماالذي فعل ذلك وأدي اليه؟
الاجابة ببساطة أن الاقتصاد السنغافوري هو أكبر اقتصاد حر في العالم وهو السابع في كونه الأقل فسادا علي مستوي العالم.
أيقونة التقدم
ساعد علي كل ذلك رجل واحد فذ عظيم هو لي كوان يو مؤسس دولة سنغافورة ومعجزتها الكبري والذي وافته المنية في23 مارس2015 عن عمر يناهز الواحد والتسعين بعد حياة حافلة بالانجازات غير المسبوقة ربما علي مستوي العالم أجمع.
رجل وصفه الرئيس الأمريكي أوباما بأنه: أحد أساطين آسيا الأسطوريين في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
تكمن أهمية الرجل في أنه استطاع بقيادته الرشيدة ورؤيته الثاقبة تحويل بلد لا يملك مقومات الوجود الأساسية ودولة ممزقة متخلفة من دول العالم الثالث الي دولة متقدمة من مصاف دول العالم الأول اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا.
عقب تخرجه في جامعة كمبردج عام1950 عمل كمحام في بلده ثم انخرط في السياسة وأصبح رئيسا للوزراء عام1959 واستمر رئيسا للوزراء حتي عام1990 مسجلا بذلك انجازا تاريخيا لم يسبقه به أحد من الأولين والآخرين لكونه عمل في هذا المنصب لمدة31 سنة عاما.
الرجل بحق أيقونة عالمية ومثل يحتذي به وليس في سنغافورة فقط. وليتسني لنا فهم التجربة السنغافورية وادراك حجم الانجازات المحققة خلال حكمه, علينا أن نتأمل كلماته الشخصية في مقابلة أجراها مع صحيفة نيويورك تايمز في24 أغسطس2007:
سنغافورة بلد لا تملك مقومات الوجود حيث لا تاريخ موحدا ولا لغة واحدة مشتركة ولا ثقافة واحدة ولا مقومات طبيعية ولا هدف مشتركا.
ليس لدينا القاعدة العريضة أو المكان الكافي فسنغافورة خليط غير متجانس عرقيا من ماليزيين وصينيين وهنود متجمعين في جزيرة صغيرة تصل المحيط الهندي بالمحيط الهادي لا تتعدي مساحتها700 كيلو متر مربع.
أهم شيء كان حصولنا علي الاستقلال من بريطانيا لم يكن لدينا جيش أو طيران أو بحرية
لو أننا تبنينا الشعارات الرنانة والنعرات القومية ومحاولة احياء الأساطير لهلكنا وما استطعنا انجاز شيءكانت خطته الاستراتيجية معالجة كل تلك المشاكل والبدء بجدية لحلها حلا نموذجيا يقتدي به
إنجاز غير مسبوق
تتلخص معجزته في أنه حقق تحولا غير مسبوق من خلال دولة قانون من خلال قيادته الرشيدة بواقعية وكفاءة عالية لحكومة شعارها: محاربة الفساد. لم يكن ديمقراطيا أو مناديا بشعارات رنانة أو نعرات قومية أو عاشقا للتعميم وكثرة الكلام. كان هدفه واضحا: لا وقت الا لعملية تحويل واقعية من خلال حزب واحد وصرامة وقانون وعدم السماح لأي نوع من أنواع الفساد وهو بحق انجاز المستحيل.. استطاع تحويل سنغافورة الي دولة ذات مقومات اقتصادية يشار اليها بالبنان ومن دولة متخلفة الي دولة بها جامعات ضمن أفضل عشرين جامعة علي مستوي العالم.ودولة بها اهم خطوط طيران يقصدها المستثمرون الكبار في العالم كله ويزورها السياح من كل العالم ودولة تنتج مواد متقدمة لا مثيل لها وتنتج تكنولوجيا متقدمة مثل الكبار.
أنشأ ما يسمي السوبر بنيان بصبر وتؤدة وعمل علي تجانس وطنه من خلال احساس مواطنيه بأنهم أنجزوا لأنفسهم المستحيل فعليهم أن يفخروا بما فعلوا. علي سبيل المثال ولسنوات طويلة تفوز الخطوط الجوية السنغافورية بأفضل شركة طيران علي العالم وشعارها: ربحنا السماء بابتسامةWewontheskywithasmile.
كان أيضا داهية سياسية فاتحد مع ماليزيا عام1963 ليجبر بريطانيا علي منح سنغافورة الاستقلال غير أن هذا لم يدم وحدث انفصال عام.1965 كان أيضا يعرف من أين تؤكل الكتف فأوكل لاسرائيل بناء قواته المسلحة طبقا لما ذكره هو في مذكراته لعلمه بأن ذلك سيحقق له رضا الصهيونية العالمية عنه وأنها كمديرة للعالم ستجعل الغرب يتركه يفعل ما يشاء
يجدر بي هنا أن أذكر أن الغرب غض الطرف علي كل المخالفات الخاصة بحقوق الانسان في سنغافورة وتركت المؤسسات الغربية الرجل يفعل ما يشاء بخلاف ما يحدث عندنا وكأن هذه المؤسسات أنشئت من أجلنا فقط!.
لم يحاسبه أحد علي سياسة الحزب الواحد ومنعه التظاهرات وخلافه. انه بحق الرجل الأسطورة وصانع المعجزات في عصرنا بلا منافس
كان لي كوان قائدا فريدا وصاحب رؤية ولماحا.أي انسان يقرأ مذكراته لا بد أن يحس بالتفاؤل وأنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل وأن اتباع مبادئ أساسية في الحكم مثل محاربة الفساد ودولة القانون هما الدعامتان الأساسيتان لتحقيق ذلك.
زيارة مصر
زار السيد لي مصر لمدة خمسة أيام في يناير.1962 كانت مصر حينها قبلة العالم الثالث كله وقبلة زعماء الدول التي تسعي للاستقلال وكانت مركز دول عدم الانحياز.قدم اليها رئيس الوزراء السنغافوري لي كوان يو ليقدم نفسه لعبدالناصر وليحصل علي دعمه في قضية بلده المصيرية قبل نيلها الاستقلال من بريطانيا.كان ذلك قبل اتحاد سنغافورة مع ماليزيا لمدة عامين1963-1965 فقط. رحب به عبد الناصر ترحيبا لائقا وأكرمه كما ذكر الرجل في مذكراته واستمع اليه جيدا وأيد قضيته وأكرمه بمنحه أعلي وسام مصري.
لم ينس لي كوان ذلك الترحاب وتلك المساندة وذكرها في الجزء الأول من مذكراته: قصة سنغافورة والتي سرد فيها بالتفصيل كل أسراره ومقابلاته وكل الحوادث الصغيرة والكبيرة ابان حكمه الني أدت لحصول سنغافورة علي استقلالها, وذكر فيها أنه كتب المذكرات ليعلم جيل سنغافورة الصاعد معاناة حصول بلدهم علي استقلاله وتحولهم من دولة متخلفة من دول العالم الثالث بلا أي امكانيات الي دولة من دول العالم المتقدم يقتدي بها في كل بقاع الدنيا.
يقول في مذكراته تلك عن مقابلته للرئيس عبد الناصر:
..كان توقفي في القاهرة حيث توجد لجنة التضامن الإفريقية الآسيوية والتي أصدرت مذكرة ناقدة ضد ماليزيا, كنت أعلم لو أنني استطعت كسب الرئيس ناصر الي جانب قضيتي فانني سأحقق نصرا كبيرا.وصلت القاهرة صباحا وكان في استقبالي السيد نائب رئيس الجمهورية حينها وتم أخذي الي أحد القصور الصغيرة التي كان الملك فاروق يستخدمها وهي تستخدم الآن لاستضافة كبار الزوار. في المساء استقبلني الرئيس جمال عبد الناصر في بيته المتواضع والخالي من المظاهر ولكنه كان منزلا لائقا وكريما.كان الاجتماع جيدا وكان بيننا توافق وقبولاوانسجاما.
كان في استقبالي عند مدخل منزله وكان هناك المصورون. أحسست حينها أنه فعل ذلك مئات المرات. كان ذا وجه صبوح طيب وكأن الكاميرا تعشقه وكان ذلك واضحا في صوره التليفزيونية وفي الصحف. كان ودودا معي وكان مرحبا بي أقصي ترحاب. يجب أن أذكر هنا أن القنصل المصري في سنغافورة كان مدعما لي ولسنغافورة أقصي درجات الدعم.كان هذا القنصل يعلم أننا لم نك نريد لسنغافورة أن تصيح إسرائيل منطقة شرق آسيا وأنه أبلغ وزير الخارجية المصرية بذلك. أستغرق اجتماعي مع ناصر أكثر من ساعة حيث استمع لي بمودة واخلاص. وذكر أن هناك مخاطر علي سنغافورة أن تنفصل عن ماليزيا وأن تصبح غريبة في شرق آسياوأن تكون ذات طبيعة صينية في منطقة جزر الأرخبيل التي يبلغ تعدادها أكثر من مائة مليون نسمة. قلت له معقبا: أنني لا أريد ذلك أيضا واتفقنا أن الأفضل هو الوحدة بين سنغافورة وشبه جزيرة أرخبيل التي كانت تحت الاحتلال البريطاني وأنها كانت وحدة واحدة لمدة أكثر من مائة سنة قبل انفصالها عنها.. لم يكن ناصر في حاجة الي الاقتناع بأن ماليزيا ليست مؤامرة استعمارية ووعد بأنه سيدعم وجهة نظري ويدعمني. أبلغني بأنه لا يمانع أن أذكر ذلك بلساني عنه. كان المصريون كرماء معي طيلة اقامتي لخمسة أيام وفرشوا لي السجادة الحمراء في كل مكان ذهبت اليه.. كما أنه دعاني أن أزور مصر مرة أخري وأن أكون في ضيافته شخصيا. أحسست أنني كسبت صديقا وأنني أحببت الرجل. أحببت بساطته وبساطة حياته وأحببت حماسه ورغبته القوية أن يغير كل الفساد الذي كانت تعاني منه مصر.
شهادة للتاريخ
هذه شهادة للتاريخ من مذكرات رجل دخل التاريخ من أوسع أبوابه ولا يعرف المجاملة وكتب مذكراته تلك بعد موت الرئيس جمال عبد الناصر بسنوات عديدة.السؤال الآن: لماذا نجحت سنغافورة الفقيرة في كل شيء ولم تنجح مصر ذات الامكانيات الهائلة والتاريخ الحافل والحضارة والتجانس البشري والثقافي والموقع الفريد والقيادة الفذة, مثلما نجحت سنغافورة؟
الإجابة عند جمال حمدان.
الإجابة ببساطة: الاستعمار كما كتب ووثق جمال حمدان. الاستعمار دخل مصر بحرب وخرج منها بحروب. لم يحدث هذا مع سنغافورة التي كانت مثلنا تحت الاحتلال الانجليزي. بريطانيا خرجت من سنغافورة بهدوء ولم تنتقم منها مثلما فعلت معنا بلا توقف وحتي سلمت راية حروب الانتقام لأمريكا بعد أن غربت الشمس عنها. الاستعمار خلق اسرائيل لتكون شوكة وعائقا للتقدم في مصر والوطن العربي. لم يحدث ذلك في سنغافورة. علي العكس قام الاستعمار بمد سنغافورة بالمساعدات واستثمر فيها الكثير وخصوصا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والسياحة وكل الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية. لم يحدث هذا في مصر وحدث العكس والحصار الاقتصادي الخانق.
كانت حروب1973,1967,1956 استنزافا رهيبا للاقتصاد المصري وعوائق رهيبة للتنمية في كل المجالات. كان الاستعمار بحق مبيدا صناعيا كما كتب جمال حمدان ووضح.
فرض علي مصرصراعات أشد من ويلات الحروب ومؤامرات حتي من الأشقاء الذين أفشلوا كل الأحلام وأنهكوا الاقتصاد والأبدان. لم تمنح مصر لحظة راحة واحدة من سلام أو ثانية من أمان.
حتي في مجال التعليم والثقافة كانت سياسته مبيدة. خذ علي سبيل المثال انشاء جامعة القاهرة. كان اللورد كرومر من أشد المعارضين لانشائها وتآمر لاعاقة بدايتها ولولا اصرار المصريين ما تم ذلك. مثال آخر أشد وضوحا: كان لمطبعتي جامعتي أوكسفورد وكمبردج فروع في كل المستعمرات الانجليزية باستثناء مصر!!! كانت بريطانيا حريصة علي عدم نهوض مصر في أي مجال. كانت تعرف أن مصر مختلفة وأنها رائدة وبالتالي عملت علي محاولة تركيع مصر بلا رحمة.
نعم الاستعمار رحل عن مصر ولكن انتقامه كان أشد بعد رحيله في مرحلة ما بعد الاستعمار.صنع لنا اسرائيل وأمدها بكل ماينتج من علم واقتصاد ليضمن تفوقها الدائم علينا ومنع عنا كل شيء ليضمن تخلفنا الدائم. اضطرت مصر أن تقطع من لحمها الحي لتستطيع المواجهة والبقاء. كل مشاريع التنمية لم تستكمل. الثورة الصناعية في الخمسينيات والستينيات التي خطط لها ناصر لتكون مصر دولة صناعية كبري لم تستكمل كما خطط لها عبدالناصر الذي كان يدرك أنه لن يكون هناك تقدم بدون ثورة صناعية كبيرة وشاملة.
فرضت عليه المواجهة فرضا لأن الاستعمار أدرك أنه يهدد وجوده في مناطق الطاقة والموقع الاستراتيجي وأنه يؤلب الدنيا كلها ضد مصالحه في كل مكان. نعم كان عبد الناصر مسامير في نعش الاستعمار ولكن الاستعمار جعل مصر تدفع الفاتورة كاملة وكانت ردود فعله قاسية وشريرة.
من هنا فان المقارنة بين انجازات سنغافورة في عهد لي كوان وبين انجازات عبد الناصر لا يجب أن تكون من خلال الأرقام النهائية بمعزل عما حدث وكان.
راية التدمير والابادة
حتي عندما انتهت بريطانيا المبيدة لنا ظهرت أمريكا وحملت راية التدمير والابادة ضد تقدمنا.عندما كنا علي وشك انهاء اسرائيل بالكامل في حرب1973 كان التدخل الأمريكي السافر بالكامل لمنع حدوث ذلك الانتصار التاريخي وقامت أمريكا بعمل أكبر جسر جوي في التاريخ لمنع السقوط الكامل لاسرائيل. وثائق حرب1973 ترصد الصراع الذي كان دائرا بين كيسنجر وزير الخارجية حينها وبين جيمس سيليزنجر وزير الدفاع الأمريكي والذي كان يقاوم خطة كيسنجر الشبيهة بدخول أمريكا الحرب بالكامل والذي تحقق في النهاية بعد تغلب مناورات كيسنجر واصراره أمام نيكسون والذي وافق بدوره علي أفكار كيسنجر فكانت طائرات جلاكسي العملاقة تحمل أربع دبابات جاهزة بالكامل من قاعدة كامب لاجون بنورث كارولينا وتقف مرة في قاعدة الأزور بالبرتغال ومنها لميدان المعركة في سيناء. كان دخولا كاملا للحرب ضدنا وهو ما أدركه الزعيم الراحل أنور السادات رحمه الله.
لم يكن الاستعمار فقط مبيدا صناعيا لنا منذ محمد علي وحتي وقتنا هذا, بل كان مبيدا حضاريا وعلميا واقتصاديا أثناء احتلاله لنا بل بعد رحيله عن أراضينا.
هذا لم يحدث في الهند وفي سنغافورة وفي كل المستعمرات الأخري. حدث فقط عندنا في مصر وفي الجزائر وبقية شمال أفريقيا.
حدث ويحدث وسيحدث مالم ندرك المكر السيئ ونفهم لغة القوم لنأمن مكرهم.
مقارنة التقدم السنغافوري وتأخرنا ظالمة
ومع ذلك لا يجب أن نبخس حق لي كوان. كان الرجل أيقونة بحق. اضافة الي مذكراته له بضعة كتب تحظي بقراءة كل سكان العالم وتصير أفضل مبيعات الكتب لما تحويه من فكر مستنير.. الرجل يكاد يكون موسوعة انسانية منها:22 قانونا غير قابلة للتغير في مجال للتسويق, السنوات الحرجة, الحق المر للحفاظ علي سنغافورة, السيد العظيم وغير ذلك.
نحن أمام مفكر مبدع وعقل لا يقارن.انه بحق معجزة انسانية تستحق احترام البشر في كل مكان وقدوة للاصلاح لمن يرغب ويريد. فكره ببساطة: نعم تستطيع كل دولة أن تتقدم لو كان عندها الارادة
انها بحق قصة من أكبر قصص الانجاز تفوق الخيال,


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.