انتخابات مجلس النواب، محافظ الجيزة يتابع فتح لجان دائرة إمبابة والمنيرة    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب    رئيس الوزراء يوافق على نقل 1108 موظفين إلى جهات انتدابهم    وزير قطاع الأعمال يشارك في حفل سفارة دولة الإمارات بالقاهرة بمناسبة عيد الاتحاد    وزير الكهرباء: جهود تحسين كفاءة الطاقة أصبحت ضرورة وطنية وركيزة أساسية    المعرض الدولى IRC Expo 2025 يستجيب للجمهور ويقرر استقبالهم 12 ديسمبر    آخر مستجدات تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن بقيادة السيسي وترامب    سوريا: إحباط محاولة تهريب 1250 لغما إلى لبنان    بيراميدز يواجه كهرباء الإسماعيلي لمواصلة الزحف نحو صدارة الدوري    ريال مدريد ضيفًا على بلباو لتصحيح المسار في الدوري الإسباني    هالاند: فخور جدًا بدخول نادي المئة في الدوري الإنجليزي    غطاء سحابي يحجب ضوء الشمس.. و«الأرصاد» تحذر من سقوط أمطار خلال ساعات المساء    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    صحة القليوبية: مبادرة "عيون أطفالنا مستقبلنا" ترصد مشكلات إبصار لدى 17 ألف طالب    الإدارية العليا تواصل تلقى طعون نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    نتنياهو يستنجد ب ترامب لإنقاذه من مقصلة قضايا الفساد    رسائل ردع من «إيديكس 2025».. مصر تثبت ريادتها وتعزز قدراتها الدفاعية    هل يحرق الإخوان العالم؟    «ميدوزا»: كفاءة عالية رغم سوء الأحوال الجوية    رعاية شاملة    سعر الدولار اليوم الأربعاء 3 ديسمبر 2025    تشكيل آرسنال المتوقع أمام برينتفورد في البريميرليج    وزير الخارجية يلتقي مجموعة الصداقة البرلمانية المصرية الألمانية في البوندستاج    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى فيصل دون إصابات    مركز المناخ يحذر من نوة قاسم: تقلبات جوية عنيفة وأمطار من الخميس حتى الاثنين    إصابة 7 أشخاص إثر حادث انقلاب ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر    نجاح جديد    ألحان السماء    من «وطن الكتاب»    توافد الناخبين للتصويت في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالإسكندرية| صور    «الشؤون النيابية» تحيي اليوم العالمي لذوي الإعاقة: قيمة مضافة للعمل الوطني    الأمم المتحدة تعتمد قرارا يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان وسط اعتراض أمريكي-إسرائيلي    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    بعد لقائهما المسلماني.. نقيبا السينمائيين والممثلين يؤكدان تعزيز التعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 3-12-2025 في محافظة الأقصر    مواعيد مباريات اليوم.. مهمة محلية لصلاح ومجموعة مصر في كأس العرب    هيجسيث يتوعد بتصعيد الضربات ضد قوارب المخدرات ويهاجم تقارير الإعلام الأمريكي    متحدث الصحة: تحذير للمسافرين من أدوية ومستلزمات خاضعة للرقابة الدولية    تجديد حبس المتهمين باستدراج موظف وسرقته    قوات الاحتلال تعزز انتشارها وسط مدينة طولكرم    إصابة 9 أشخاص بينهم أطفال وسيدات في حادث تصادم بالفيوم    زكريا أبوحرام يكتب: تنفيذ القانون هو الحل    فيدرا تعيش وسط 40 قطة و6 كلاب.. ما القصة ؟    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الصحة» تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    زينة عن شخصيتها في "ورد وشوكولاتة": حبيتها لأنها غلبانة وهشة    «بإيدينا ننقذ حياة» مبادرة شبابية رياضية لحماية الرياضيين طبيًا    هل سرعة 40 كم/ساعة مميتة؟ تحليل علمى فى ضوء حادثة الطفلة جنى    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    الخميس.. قرعة بطولة إفريقيا لسيدات السلة في مقر الأهلي    مراوغات بصرية لمروان حامد.. حيلة ذكية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر (الست)؟    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    تراث وسط البلد رؤية جديدة.. ندوة في صالون برسباي الثقافي 7 ديسمبر الجاري    1247 مستفيدًا من قوافل صحة دمياط بكفر المرابعين رغم سوء الطقس    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    يلا شوووت.. هنا القنوات الناقلة المفتوحة تشكيل المغرب المتوقع أمام جزر القمر في كأس العرب 2025.. هجوم ناري يقوده حمد الله    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مصطفي جودة يكتب ل الأهرام المسائي:جعلوني قارئا
سنغافورة معجزة لا تعرف الشعارات

وكأنها قصة خيال علمي ملئت رومانسية. انها أكثر خيالا من قصة سندريلا. هي قصة الاعجاز والتصميم وفعل الشيء الصواب وعدم المجازفة والمغامرة. هي قصة العدل والقانون ومحاربة الفساد لتحقيق التقدم ونهضة العباد. هي قصة الأولويات الملحة وكأنها فرض عين.
هي قصة ملهمة للأمم وللأفراد ان أرادوا السيادة في هذا العالم. هي مثل يضرب وقدوة حقيقية. هي قصة واقعية وعرق ومجهود وتحديات.
معظم فصول هذه القصة مسجل في كتاب من جزءين بعنوان قصة سنغافورة منشورعام1998: الجزء الأول: مذكرات لي كوان يو والجزء الثاني بعنوان: من العالم الثالث الي العالم الأول.
ظل لي كوان رئيسا لوزراء سنغافورة لمدة واحد وثلاثين سنة وكان ذا قبضة حديدية ولم يسمح الا بحزب واحد ولم يسمح بالمظاهرات أو تبني الديمقراطية في حكمه وحقق خلال ذلك الحكم ما لم يحققه أحد. قبل موته في سنغافورة أو في غيرها في القرن العشرين كان فائض ميزان المدفوعات في سنغافورة أكثر من270 بليون دولار العام الماضي. انتقلت سنغافورة في عهده من دولة لا تملك مقومات الوجود الي دولة نموذجية وقدوة يشار اليها بالبنان اقتصاديا وعلميا وفي كل شيء.
في عام1965 كان70% من سكان سنغافورة من الفقراء المعدمين وكان أكثر من ثلث سكانها يقطنون المناطق العشوائية وكان المتوسط السنوي لدخل الفرد مبلغ516 دولارا أمريكيا, وكان أكثر من نصف سكانها أميين.
بالمقارنة مع2013 نجد أن متوسط دخل الفرد55182 دولارا مصحوبا بانخفاض في الأسعار منذ2009, واجمالي صادرات سنغافورة عام2013 بلغ410.5 بليون دولار أمريكي في مجالات الاليكترونيات المتقدمة والتي بلغت قيمة صادراتها وحدها فقط من سنغافورة عام2013 أكثر من مائة واربعة وعشرين بليون دولار. اضافة الي منتجات الطائرات والأدوية والأجهزة الطبية والضوئية والبلاستيك والماكينات وكثير غير ذلك. باجراء حسبة بسيطة يمكن استنتاج أن نصيب كل مواطن جراء ذلك التصدير نحو ثمانية وسبعين الفا من الدولارات علي أساس أن عدد سكان الدولة5.6 مليون نسمة. هذا معدل يفوق بمراحل المعدل العالمي والذي يبلغ2500 دولار تقريبا وذلك طبقا لاحصائيات الجهات الدولية المعتمدة.
تجدر المقارنة هنا أن قيمة الدولار الأمريكي في عام1980 كانت تبلغ2.12 دولار سنغافوري وأصبح الدولار الأمريكي يبلغ1.25 دولار سنغافوري في عام.2013
ماالذي فعل ذلك وأدي اليه؟
الاجابة ببساطة أن الاقتصاد السنغافوري هو أكبر اقتصاد حر في العالم وهو السابع في كونه الأقل فسادا علي مستوي العالم.
أيقونة التقدم
ساعد علي كل ذلك رجل واحد فذ عظيم هو لي كوان يو مؤسس دولة سنغافورة ومعجزتها الكبري والذي وافته المنية في23 مارس2015 عن عمر يناهز الواحد والتسعين بعد حياة حافلة بالانجازات غير المسبوقة ربما علي مستوي العالم أجمع.
رجل وصفه الرئيس الأمريكي أوباما بأنه: أحد أساطين آسيا الأسطوريين في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
تكمن أهمية الرجل في أنه استطاع بقيادته الرشيدة ورؤيته الثاقبة تحويل بلد لا يملك مقومات الوجود الأساسية ودولة ممزقة متخلفة من دول العالم الثالث الي دولة متقدمة من مصاف دول العالم الأول اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا.
عقب تخرجه في جامعة كمبردج عام1950 عمل كمحام في بلده ثم انخرط في السياسة وأصبح رئيسا للوزراء عام1959 واستمر رئيسا للوزراء حتي عام1990 مسجلا بذلك انجازا تاريخيا لم يسبقه به أحد من الأولين والآخرين لكونه عمل في هذا المنصب لمدة31 سنة عاما.
الرجل بحق أيقونة عالمية ومثل يحتذي به وليس في سنغافورة فقط. وليتسني لنا فهم التجربة السنغافورية وادراك حجم الانجازات المحققة خلال حكمه, علينا أن نتأمل كلماته الشخصية في مقابلة أجراها مع صحيفة نيويورك تايمز في24 أغسطس2007:
سنغافورة بلد لا تملك مقومات الوجود حيث لا تاريخ موحدا ولا لغة واحدة مشتركة ولا ثقافة واحدة ولا مقومات طبيعية ولا هدف مشتركا.
ليس لدينا القاعدة العريضة أو المكان الكافي فسنغافورة خليط غير متجانس عرقيا من ماليزيين وصينيين وهنود متجمعين في جزيرة صغيرة تصل المحيط الهندي بالمحيط الهادي لا تتعدي مساحتها700 كيلو متر مربع.
أهم شيء كان حصولنا علي الاستقلال من بريطانيا لم يكن لدينا جيش أو طيران أو بحرية
لو أننا تبنينا الشعارات الرنانة والنعرات القومية ومحاولة احياء الأساطير لهلكنا وما استطعنا انجاز شيءكانت خطته الاستراتيجية معالجة كل تلك المشاكل والبدء بجدية لحلها حلا نموذجيا يقتدي به
إنجاز غير مسبوق
تتلخص معجزته في أنه حقق تحولا غير مسبوق من خلال دولة قانون من خلال قيادته الرشيدة بواقعية وكفاءة عالية لحكومة شعارها: محاربة الفساد. لم يكن ديمقراطيا أو مناديا بشعارات رنانة أو نعرات قومية أو عاشقا للتعميم وكثرة الكلام. كان هدفه واضحا: لا وقت الا لعملية تحويل واقعية من خلال حزب واحد وصرامة وقانون وعدم السماح لأي نوع من أنواع الفساد وهو بحق انجاز المستحيل.. استطاع تحويل سنغافورة الي دولة ذات مقومات اقتصادية يشار اليها بالبنان ومن دولة متخلفة الي دولة بها جامعات ضمن أفضل عشرين جامعة علي مستوي العالم.ودولة بها اهم خطوط طيران يقصدها المستثمرون الكبار في العالم كله ويزورها السياح من كل العالم ودولة تنتج مواد متقدمة لا مثيل لها وتنتج تكنولوجيا متقدمة مثل الكبار.
أنشأ ما يسمي السوبر بنيان بصبر وتؤدة وعمل علي تجانس وطنه من خلال احساس مواطنيه بأنهم أنجزوا لأنفسهم المستحيل فعليهم أن يفخروا بما فعلوا. علي سبيل المثال ولسنوات طويلة تفوز الخطوط الجوية السنغافورية بأفضل شركة طيران علي العالم وشعارها: ربحنا السماء بابتسامةWewontheskywithasmile.
كان أيضا داهية سياسية فاتحد مع ماليزيا عام1963 ليجبر بريطانيا علي منح سنغافورة الاستقلال غير أن هذا لم يدم وحدث انفصال عام.1965 كان أيضا يعرف من أين تؤكل الكتف فأوكل لاسرائيل بناء قواته المسلحة طبقا لما ذكره هو في مذكراته لعلمه بأن ذلك سيحقق له رضا الصهيونية العالمية عنه وأنها كمديرة للعالم ستجعل الغرب يتركه يفعل ما يشاء
يجدر بي هنا أن أذكر أن الغرب غض الطرف علي كل المخالفات الخاصة بحقوق الانسان في سنغافورة وتركت المؤسسات الغربية الرجل يفعل ما يشاء بخلاف ما يحدث عندنا وكأن هذه المؤسسات أنشئت من أجلنا فقط!.
لم يحاسبه أحد علي سياسة الحزب الواحد ومنعه التظاهرات وخلافه. انه بحق الرجل الأسطورة وصانع المعجزات في عصرنا بلا منافس
كان لي كوان قائدا فريدا وصاحب رؤية ولماحا.أي انسان يقرأ مذكراته لا بد أن يحس بالتفاؤل وأنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل وأن اتباع مبادئ أساسية في الحكم مثل محاربة الفساد ودولة القانون هما الدعامتان الأساسيتان لتحقيق ذلك.
زيارة مصر
زار السيد لي مصر لمدة خمسة أيام في يناير.1962 كانت مصر حينها قبلة العالم الثالث كله وقبلة زعماء الدول التي تسعي للاستقلال وكانت مركز دول عدم الانحياز.قدم اليها رئيس الوزراء السنغافوري لي كوان يو ليقدم نفسه لعبدالناصر وليحصل علي دعمه في قضية بلده المصيرية قبل نيلها الاستقلال من بريطانيا.كان ذلك قبل اتحاد سنغافورة مع ماليزيا لمدة عامين1963-1965 فقط. رحب به عبد الناصر ترحيبا لائقا وأكرمه كما ذكر الرجل في مذكراته واستمع اليه جيدا وأيد قضيته وأكرمه بمنحه أعلي وسام مصري.
لم ينس لي كوان ذلك الترحاب وتلك المساندة وذكرها في الجزء الأول من مذكراته: قصة سنغافورة والتي سرد فيها بالتفصيل كل أسراره ومقابلاته وكل الحوادث الصغيرة والكبيرة ابان حكمه الني أدت لحصول سنغافورة علي استقلالها, وذكر فيها أنه كتب المذكرات ليعلم جيل سنغافورة الصاعد معاناة حصول بلدهم علي استقلاله وتحولهم من دولة متخلفة من دول العالم الثالث بلا أي امكانيات الي دولة من دول العالم المتقدم يقتدي بها في كل بقاع الدنيا.
يقول في مذكراته تلك عن مقابلته للرئيس عبد الناصر:
..كان توقفي في القاهرة حيث توجد لجنة التضامن الإفريقية الآسيوية والتي أصدرت مذكرة ناقدة ضد ماليزيا, كنت أعلم لو أنني استطعت كسب الرئيس ناصر الي جانب قضيتي فانني سأحقق نصرا كبيرا.وصلت القاهرة صباحا وكان في استقبالي السيد نائب رئيس الجمهورية حينها وتم أخذي الي أحد القصور الصغيرة التي كان الملك فاروق يستخدمها وهي تستخدم الآن لاستضافة كبار الزوار. في المساء استقبلني الرئيس جمال عبد الناصر في بيته المتواضع والخالي من المظاهر ولكنه كان منزلا لائقا وكريما.كان الاجتماع جيدا وكان بيننا توافق وقبولاوانسجاما.
كان في استقبالي عند مدخل منزله وكان هناك المصورون. أحسست حينها أنه فعل ذلك مئات المرات. كان ذا وجه صبوح طيب وكأن الكاميرا تعشقه وكان ذلك واضحا في صوره التليفزيونية وفي الصحف. كان ودودا معي وكان مرحبا بي أقصي ترحاب. يجب أن أذكر هنا أن القنصل المصري في سنغافورة كان مدعما لي ولسنغافورة أقصي درجات الدعم.كان هذا القنصل يعلم أننا لم نك نريد لسنغافورة أن تصيح إسرائيل منطقة شرق آسيا وأنه أبلغ وزير الخارجية المصرية بذلك. أستغرق اجتماعي مع ناصر أكثر من ساعة حيث استمع لي بمودة واخلاص. وذكر أن هناك مخاطر علي سنغافورة أن تنفصل عن ماليزيا وأن تصبح غريبة في شرق آسياوأن تكون ذات طبيعة صينية في منطقة جزر الأرخبيل التي يبلغ تعدادها أكثر من مائة مليون نسمة. قلت له معقبا: أنني لا أريد ذلك أيضا واتفقنا أن الأفضل هو الوحدة بين سنغافورة وشبه جزيرة أرخبيل التي كانت تحت الاحتلال البريطاني وأنها كانت وحدة واحدة لمدة أكثر من مائة سنة قبل انفصالها عنها.. لم يكن ناصر في حاجة الي الاقتناع بأن ماليزيا ليست مؤامرة استعمارية ووعد بأنه سيدعم وجهة نظري ويدعمني. أبلغني بأنه لا يمانع أن أذكر ذلك بلساني عنه. كان المصريون كرماء معي طيلة اقامتي لخمسة أيام وفرشوا لي السجادة الحمراء في كل مكان ذهبت اليه.. كما أنه دعاني أن أزور مصر مرة أخري وأن أكون في ضيافته شخصيا. أحسست أنني كسبت صديقا وأنني أحببت الرجل. أحببت بساطته وبساطة حياته وأحببت حماسه ورغبته القوية أن يغير كل الفساد الذي كانت تعاني منه مصر.
شهادة للتاريخ
هذه شهادة للتاريخ من مذكرات رجل دخل التاريخ من أوسع أبوابه ولا يعرف المجاملة وكتب مذكراته تلك بعد موت الرئيس جمال عبد الناصر بسنوات عديدة.السؤال الآن: لماذا نجحت سنغافورة الفقيرة في كل شيء ولم تنجح مصر ذات الامكانيات الهائلة والتاريخ الحافل والحضارة والتجانس البشري والثقافي والموقع الفريد والقيادة الفذة, مثلما نجحت سنغافورة؟
الإجابة عند جمال حمدان.
الإجابة ببساطة: الاستعمار كما كتب ووثق جمال حمدان. الاستعمار دخل مصر بحرب وخرج منها بحروب. لم يحدث هذا مع سنغافورة التي كانت مثلنا تحت الاحتلال الانجليزي. بريطانيا خرجت من سنغافورة بهدوء ولم تنتقم منها مثلما فعلت معنا بلا توقف وحتي سلمت راية حروب الانتقام لأمريكا بعد أن غربت الشمس عنها. الاستعمار خلق اسرائيل لتكون شوكة وعائقا للتقدم في مصر والوطن العربي. لم يحدث ذلك في سنغافورة. علي العكس قام الاستعمار بمد سنغافورة بالمساعدات واستثمر فيها الكثير وخصوصا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والسياحة وكل الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية. لم يحدث هذا في مصر وحدث العكس والحصار الاقتصادي الخانق.
كانت حروب1973,1967,1956 استنزافا رهيبا للاقتصاد المصري وعوائق رهيبة للتنمية في كل المجالات. كان الاستعمار بحق مبيدا صناعيا كما كتب جمال حمدان ووضح.
فرض علي مصرصراعات أشد من ويلات الحروب ومؤامرات حتي من الأشقاء الذين أفشلوا كل الأحلام وأنهكوا الاقتصاد والأبدان. لم تمنح مصر لحظة راحة واحدة من سلام أو ثانية من أمان.
حتي في مجال التعليم والثقافة كانت سياسته مبيدة. خذ علي سبيل المثال انشاء جامعة القاهرة. كان اللورد كرومر من أشد المعارضين لانشائها وتآمر لاعاقة بدايتها ولولا اصرار المصريين ما تم ذلك. مثال آخر أشد وضوحا: كان لمطبعتي جامعتي أوكسفورد وكمبردج فروع في كل المستعمرات الانجليزية باستثناء مصر!!! كانت بريطانيا حريصة علي عدم نهوض مصر في أي مجال. كانت تعرف أن مصر مختلفة وأنها رائدة وبالتالي عملت علي محاولة تركيع مصر بلا رحمة.
نعم الاستعمار رحل عن مصر ولكن انتقامه كان أشد بعد رحيله في مرحلة ما بعد الاستعمار.صنع لنا اسرائيل وأمدها بكل ماينتج من علم واقتصاد ليضمن تفوقها الدائم علينا ومنع عنا كل شيء ليضمن تخلفنا الدائم. اضطرت مصر أن تقطع من لحمها الحي لتستطيع المواجهة والبقاء. كل مشاريع التنمية لم تستكمل. الثورة الصناعية في الخمسينيات والستينيات التي خطط لها ناصر لتكون مصر دولة صناعية كبري لم تستكمل كما خطط لها عبدالناصر الذي كان يدرك أنه لن يكون هناك تقدم بدون ثورة صناعية كبيرة وشاملة.
فرضت عليه المواجهة فرضا لأن الاستعمار أدرك أنه يهدد وجوده في مناطق الطاقة والموقع الاستراتيجي وأنه يؤلب الدنيا كلها ضد مصالحه في كل مكان. نعم كان عبد الناصر مسامير في نعش الاستعمار ولكن الاستعمار جعل مصر تدفع الفاتورة كاملة وكانت ردود فعله قاسية وشريرة.
من هنا فان المقارنة بين انجازات سنغافورة في عهد لي كوان وبين انجازات عبد الناصر لا يجب أن تكون من خلال الأرقام النهائية بمعزل عما حدث وكان.
راية التدمير والابادة
حتي عندما انتهت بريطانيا المبيدة لنا ظهرت أمريكا وحملت راية التدمير والابادة ضد تقدمنا.عندما كنا علي وشك انهاء اسرائيل بالكامل في حرب1973 كان التدخل الأمريكي السافر بالكامل لمنع حدوث ذلك الانتصار التاريخي وقامت أمريكا بعمل أكبر جسر جوي في التاريخ لمنع السقوط الكامل لاسرائيل. وثائق حرب1973 ترصد الصراع الذي كان دائرا بين كيسنجر وزير الخارجية حينها وبين جيمس سيليزنجر وزير الدفاع الأمريكي والذي كان يقاوم خطة كيسنجر الشبيهة بدخول أمريكا الحرب بالكامل والذي تحقق في النهاية بعد تغلب مناورات كيسنجر واصراره أمام نيكسون والذي وافق بدوره علي أفكار كيسنجر فكانت طائرات جلاكسي العملاقة تحمل أربع دبابات جاهزة بالكامل من قاعدة كامب لاجون بنورث كارولينا وتقف مرة في قاعدة الأزور بالبرتغال ومنها لميدان المعركة في سيناء. كان دخولا كاملا للحرب ضدنا وهو ما أدركه الزعيم الراحل أنور السادات رحمه الله.
لم يكن الاستعمار فقط مبيدا صناعيا لنا منذ محمد علي وحتي وقتنا هذا, بل كان مبيدا حضاريا وعلميا واقتصاديا أثناء احتلاله لنا بل بعد رحيله عن أراضينا.
هذا لم يحدث في الهند وفي سنغافورة وفي كل المستعمرات الأخري. حدث فقط عندنا في مصر وفي الجزائر وبقية شمال أفريقيا.
حدث ويحدث وسيحدث مالم ندرك المكر السيئ ونفهم لغة القوم لنأمن مكرهم.
مقارنة التقدم السنغافوري وتأخرنا ظالمة
ومع ذلك لا يجب أن نبخس حق لي كوان. كان الرجل أيقونة بحق. اضافة الي مذكراته له بضعة كتب تحظي بقراءة كل سكان العالم وتصير أفضل مبيعات الكتب لما تحويه من فكر مستنير.. الرجل يكاد يكون موسوعة انسانية منها:22 قانونا غير قابلة للتغير في مجال للتسويق, السنوات الحرجة, الحق المر للحفاظ علي سنغافورة, السيد العظيم وغير ذلك.
نحن أمام مفكر مبدع وعقل لا يقارن.انه بحق معجزة انسانية تستحق احترام البشر في كل مكان وقدوة للاصلاح لمن يرغب ويريد. فكره ببساطة: نعم تستطيع كل دولة أن تتقدم لو كان عندها الارادة
انها بحق قصة من أكبر قصص الانجاز تفوق الخيال,


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.