لا المال ولا القوة العسكرية ولا التوظيف غير الأخلاقي للنعرات المذهبية والطائفية والعرقية, يمكن أن يصنعوا مشروعا قائدا لمنطقة ك الشرق الأوسط تتقاطع فيها دوائر الحضارة الإنسانية ورسائل دين التوحيد السماوي. لذلك فإن كل مشاريع الهيمنة الإقليمية التي تستقوي بالمال وتحتال بالدين حتما ستؤول إلي الفشل.. هذه هي حقيقة التاريخ.. وهذه هي محصلة القراءة النهائية لصراع النفوذ الدائر في الشرق الأوسط, منذ وقع الرئيس السادات علي اتفاقية انسحاب مصر من دورها الإقليمي والمعروفة سياسيا ب كامب ديفيد. فمنذ نهاية سبعينيات القرن الماضي وحتي اليوم, لم تتوقف دول إقليمية عن مساعي التمدد في مساحات الفراغ الذي خلفه السقوط المدوي للمشروع الناصري في حرب67, دون أن تنجح أي من هذه الدول في تقديم نموذج مشرق وملهم لشعوب المنطقة. وإذا استبعدنا مشروع إسرائيل الاستيطاني كونه جاء من حمل شيطاني خارج الرحم الثقافي للمنطقة, فإن التنافس علي فضاء الشرق الأوسط بين القوي الفاعلة في تركيبته الحضارية, دار في مرحلة الغياب المصري, حول مشروعين رئيسيين: المشروع التركي الأردوغاني المسكون بهاجس الإمبراطورية العثمانية ذو النزعة الإخوانية, ومشروع ولاية الفقيه الإيراني المشحون بحلم الإمبراطورية الفارسية. ورغم البدايات المضيئة للمشروع الأردوغاني, إلا أنه فشل في الحفاظ علي صورته الذهنية الأخلاقية التي داعبت في لحظة ما خيال نخب عربية تطلعت إلي نموذج ديمقراطي ناجح من داخل الدائرة الإسلامية القريبة.. وهو الفشل الذي تجلي في أمرين: الأول- انقلاب النظام التركي علي مسار العملية الديمقراطية, التي باتت مهددة في ظل سيطرته علي أجهزة الدولة وتقييده للمجال العام وقمعه للحريات, مستندا إلي فائض قوة ماكينته الانتخابية, والثاني- انكشاف العقلية الإخوانية المغلقة لهذا النظام, الذي جري إجهاض مخططه الساذج لاستخدام مصر كرافعة رئيسية لمد النفوذ العثمانلي في المنطقة, عبر حليفه الإيديولوجي إخوان مصر. أما المشروع الإيراني وخصمه العربي الذي عمل بمنطق رد الفعل مستندا إلي قوة المال وحده دون محاولة امتلاك مشروع مضاد, فقد أعادا المنطقة إلي زمن الفتن والمؤامرات والنزعات العنصرية( فارسي عربي) والصراعات المذهبية( شيعي سني), سواء عبر مواجهات عسكرية مباشرة, أو حروب بالوكالة في لبنان والبحرين والعراق واليمن. وفي خضم هذه المعارك التي لم يكن الطرف التركي( السني) بعيدا عنها, تسللت إيران بسلاح التشيع, وتحت غطاء الممانعة ودعم المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني, إلي مساحات الهشاشة التي صنعتها اختمارات التفاعل التاريخي بين السياسات الاستعمارية, والاستبداد المحلي, والصراع العربي العربي الذيشهدت أحد فصوله مواجهات مفتوحة بين مصر- عبد الناصر وخصومها الإقليميين الذين عملوا لعقود علي تقويض مراكز نفوذ القوة الناعمة للقاهرة في المنطقة. ومع اشتعال صراع النفوذ علي رقعة الشطرنج العربي, جري استخدام استراتيجيات دفاتر الشيكات المفتوحة وشراء الولاءات, وتدمير تجانس المجتمعات, وتغيير التركيبة الطائفية وصناعة الميليشيات المتشيعة والمتسلفنة وتغذية الحروب الطائفية الباردة والساخنة, ليجري هندسة الخراب والدمار علي أنقاض الدول العربية الفاشلة التي مزقتها الحروب والاضطرابات والتدخلات الخارجية.ت