فى نهاية عام 2013 زرت إيران ضمن وفد صحفى مصري، التقينا خلالها على أكبر ولايتى مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية حيث قال لا سبيل أمام الغرب سوى الإتفاق مع إيران هذه العبارة ظلت تتردد على مسامعى كلما ذكرت أخبار مفاوضات البرنامج النووى الإيرانى والتى كانت تتأرجح ما بين الساخن والبارد حتى توجت أخيرا بتوقيع الاتفاق الإطارى فى لوازن بين طهران ومجموعة 5 + 1 ضمن صفقة كانت متوقعة تماما بعدما قررت القيادة الإيرانية التحرك لوقف العداء مع الغرب الذى ولد مع ثورة الخمينى عام 79 مستغلة فى ذلك فوز الرئيس روحانى وتبنيه خطابا معتدلا بدلا من الخطاب العدائى لسلفه أحمدى نجاد. ومعروف أنه فى أى تسوية سياسية مثل النووى الإيرانى الذى لايزال ينتظر توقيع اتفاق نهائى قبل 30 يونيو المقبل لا يمكن أن يحصل كل طرف على جميع ما يريد فمن دون تقديم تنازلات من الجانبين يستحيل التوصل إلى تسوية مقبولة تتيح لهما تسويقها واعتبار ما تم التوصل إليه أفضل ما يمكن، وهو ما حدث مع اتفاق لوزان الذى وصفه روحانى ب التاريخى وجابت المظاهرات شوارع المدن الإيرانية ترحيبا بالاتفاق الذى يمهد لرفع العقوبات المفروضة على طهران وأثرت بالسلب على الاقتصاد وخلقت حالة من التململ بين الإيرانيين كما رحب به الغرب معتبرا أنه أفضل الحلول لأزمة البرنامج النووى الإيرانى التى دامت 15 عاما ودفعت بوش الابن إلى وضع طهران ضمن محور الشر. وحدها إسرائيل التى اعتبرت الاتفاق بمثابة كارثة تهدد أمنها وتمهد لحيازة طهران سلاح نووى، وإشعال حرب مروعة، وهى تصريحات تتسق مع سيطرة اليمين المتشدد فى تل أبيب ومحاولة التفرد بمسرح الشرق الأوسط لتصفية القضية الفلسطينية تماما، والسعى للتمدد فى الفراغ المجاور ومن ثم فقد حاول نيتانياهو بكل السبل عرقلة الاتفاق، ومع فشل مساعيه، لم يعد أمامه سوى إما الاعتماد على الذات والتحرك لتدمير البرنامج النووى الإيرانى على غرار ما قامت به بلاده مع المفاعل النووى العراقى، أو أن يلوذ بالصمت ويلعق تهديداته. وواقع الحال أن العقوبات التى طالت قطاع البترول الإيرانى ورحلات الطيران، والبنوك، وعمليات الاستيراد من الخارج للسلع ذات الاستخدام المزدوج ألقت بظلال كثيفة على الاقتصاد الإيرانى وجعلته مكبلا، وهو ما بدا واضحا على أسطول النقل الإيرانى وحتى مطار الخمينى الدولى إذ ظهر شديد التواضع مقارنة بمطار اسطنبول، وهو الأمر الذى اقتضى تحولا فى السياسة الخارجية الإيرانية لعقد تسوية مع الشيطان الأكبر وهو أمر لاغبار عليه حيث لا تعرف العلاقات الدولية إلا لغة المصالح، وكما دفعت هذه اللغة الولاياتالمتحدة إلى تطبيع علاقتها مع كوبا فها هى إيران تفعل مع واشنطن. وأغلب الظن أن مصلحة إيران اقتضت عقد صفقة النووى، لكن من السابق لأوانه معرفة الثمن الذى دفعته، هل على حساب تخليها عن حلفائها فى سوريا الأسد ولبنان حزب الله والعراق الشيعة واليمن الحوثيين أم تطلق هذه الصفقة لطهران الحبل على الغارب للتمدد فى المنطقة وتصدير الثورة وهو ما يعنى إثارة الكثير من القلاقل والمشاغبات مع جيرانها العرب على شاكلة ما يحدث فى اليمن. إن الشيطان يكمن فى التفاصيل، ولأنه لم يتم الكشف بالكامل عن مضمون الاتفاق الذى يمنع طهران من حيازة قنبلة نووية، ويسمح لها بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، مما يعنى أن مصير الاتفاق سيظل معلقا على سلامة النيات ومدى وفاء الطرفين بتعهداتهما. أما مصلحة أمريكا والغرب فهى الانسحاب من مشكلات الشرق الأوسط وتمهيد المسرح لضرب السنة فى الشيعة للخلاص من الاثنين وإخلاء المنطقة لإسرائيل وهو ما يجب الانتباه إليه والتحذير منه. [email protected]