التفجيرات الإرهابية التى ضربت مساجد اليمن يوم الجمعة الماضى وتبناها تنظيم داعش وأسفرت عن مقتل 128 شخصا تبعث برسالة شديدة الخطورة عن تطورات الأوضاع فى اليمن والمنطقة بأسرها خصوصا أن المساجد المستهدفة يؤمها الحوثيون الشيعة، مما يفتح الباب واسعا أمام شن هجمات مضادة على الأهداف السنية وهو ما يعنى عمليا بدء دوران عجلة الحرب بين الشيعة والسنة ليس فى اليمن فحسب بل فى المنطقة العربية بأسرها. هذه الحرب صناعة أمريكية بامتياز وجرى الإلحاح عليها والدفع باتجاهها بعد فشل المشروع الأمريكى فى العراق، وعندها تفتق ذهن بوش الابن وحليفته إسرائيل عن إن فكرة استبدال الصراع العربى الإسرائيلى بالصراع السنى الشيعى، لإغراق المنطقة فى حرب دينية تقضى على ما تبقى لها من منعة وقوة، حتى تتمدد إسرائيل بكل يسر وسهولة فارضة بقوة الأمر الواقع، الشرق الأوسط الجديد. بوادر هذه الحرب عبرت عن نفسها فى اختراع إدارة بوش الابن مصطلح دول الاعتدال العربى، فى مواجهة دول الممانعة، والحديث عما يسمى بالهلال الشيعى الذى يمتد من إيران عبر العراق إلى سوريا ولبنان مع أن سنة وشيعة المنطقة عاشوا آلاف السنين معا دون أى حساسيات، وكانت المصاهرة بين الطائفتين هى الأصل فى العراق حتى لعنة الغزو الأمريكى، وبعدها تم بعث مبدأ فرق تسد والعزف على أوتار الطائفية المقيتة لإطالة أمد الاحتلال الأمريكى للبلد العربى الشقيق. صحيح أن الولاياتالمتحدة أنهت وجودها العسكرى بالعراق، لكنها تركت وراءها لغم الطائفية الذى تمثل فى حروب المالكى ضد السنة وما تلاه من اختراع فزاعة داعش لاستكمال المخطط، بدليل مسارعة التنظيم الإرهابى بإعلان مسئوليته عن مذبحة مساجد اليمن وقبلها تبنيه لمذبحة متحف باردو فى تونس التى أوقعت 20 قتيلا فى أسوأ جريمة تشهدها البلاد منذ عام 2002. إن توقيت جريمة اليمن تبعث على القلق، خصوصا أن الصراع السياسى فى اليمن يشهد حالة استقطاب سنى شيعى غير مسبوقة، إذ تقف إيران خلف الحوثيين ماديا وعسكريا، فيما تقف دول الخليج العربى وراء الرئيس هادى منصور المتحصن فى عدن، مما يهدد بتحويل اليمن إلى ساحة لحروب الوكالة على غرار ما تشهده سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات مما خلف نحو 250 ألف قتيل مشرد خمسة ملايين داخل سوريا وخارجها، ناهيك عن تدمير البلد بالكامل وتحولها إلى أنقاض. يضاعف حجم القلق بشأن مجريات الأوضاع فى اليمن، التصريح الذى خرج على لسان على يونس مستشار رئيس الجمهورية الإيرانى لشئون الأقليات التى قال فيه جغرافية إيرانوالعراق غير قابلة للتفكيك فإما أن نتحد معا أو نتقاتل معا وهو أقوى تصريح يصدر من طهران عن نواياها التوسعية فى بلدان المنطقة. وأغلب الظن أن ما يجرى فى اليمن من تصعيد إيرانى، أمر مقصود تماما إذ يرتبط بالمفاوضات التى تجريها مع مجموعة 5 + 1 لتسوية أزمة ملفها النووى، وهى المفاوضات التى تشير التسريبات إلى قربها من التوصل إلى صفقة من شأنها أن تقلب خريطة التوازنات فى المنطقة، لتعود طهران إلى دور الشرطى فى منطقة الخليج وهو الدور الذى كان موكولا لها فى زمن الشاه. لقد أرادت طهران بتوتير الأوضاع فى اليمن والوقوف وراء انقلاب الحوثيين على الشرعية نقل رسالة إلى الغرب مفادها أنها تملك أكثر من كارت فى المنطقة بداية من العراق، ومرورا بسوريا ولبنان، وغزة، وانتهاء باليمن لتؤكد بقوة الأمر الواقع أنها لاعب رئيسى فى تسوية قضايا المنطقة. لكن يبقى أن اللعب بكارت المذهبية من شأنه أن يغرق المنطقة فى فتنة مذهبية لن يخرج منها أحد منتصرا وسيكون الفائز هو إسرائيل وفقط. [email protected].